Home»International»الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين المُبْتَدِعين والمُبَدِّعين وعموم المسلمين

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين المُبْتَدِعين والمُبَدِّعين وعموم المسلمين

0
Shares
PinterestGoogle+

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين المُبْتَدِعين والمُبَدِّعين وعموم المسلمين

محمد شركي

من المعلوم أنه من أعز المناسبات لدى عموم المسلمين ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، ومعزة هذه المناسبة مبعثها محبة الرسول الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين بين يدي الساعة ، و الذي به ختم رسالاته كما جاء في قوله  جل شأنه في سياق الحديث عن المسيح  عيسى ابن مريم عليه السلام : (( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدّقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحر مبين )) ، ففي هذه الآية الكريمة ،وهي السادسة من سورة الصف ، وردت بشارة على لسان المسيح عليه السلام، تبشر بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وقد وقف المفسرون عند الصفة أو النعت التي نعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية وهي  » أحمد « ، فقال بعضهم أنها اسمه المشتق من الحمد كاسم  » محمد  » و  » محمود  » ، وقال آخرون إنها اسم تفضيل له ، وقال فريق ثالث إنه يمكن اعتبار لفظة  » أحمد  » اسما وصفة ، واسم تفضيل في نفس الوقت ،لأن  كلها يدل على تعظيمه وتشريفه، والله تعالى أعلم .

 ووقفوا عند قوله تعالى : (( فلما جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحر نبين )) ، فذهب بعضهم إلى أن الضمير في جاءهم يعود على المسيح عليه السلام ، وقد آتاه الله معجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فالتبس أمرها على بني إسرائيل ،فاعتبروها مما يأتيه السحرة حين يسحرون بها أعين الناس ، بينما ذهب البعض الآخر إلى أن الضمير يعود على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد آتاه الله هو الآخر معجزة القرآن الكريم، فالتبس على بني إسرائيل وغيرهم من الكافرين أمره وهو الذي تحدى الله تعالى  البشر أن يأتي  بمثله ، فاعتبره بعضهم شعرا ، بينما اعتبره آخرون سحرا ، وقال فريق ثالث الضمير يعود على المسيح وعلى سيدنا محمد عليهما السلام، لأنهما معا جاءا بالبيّنات أو المعجزات ، وبرروا ذلك بكون ألفاظ القرآن الكريم تُحمل على جميع المعاني .

وما يعنينا بالضبط من هذه الآية الكريمة هو كونها تتضمن بشارة بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي  بشر بها المسيح عليه السلام بني إسرائيل . ومعلوم أن البشارة هي الخبر السار الذي لا يعلمه المُخبَر به . ولا توجد بشارة في الدنيا أعظم من بشارة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين بالرسالة الخاتمة المصدقة ما بين يديها والمهيمنة عليها ، والتي يُلزم شرعها العالمين قاطبة  إلى يوم الدين.

وإذا كان هذا هو شأن هذه الرسالة العظيمة ، وشأن الرسول الأعظم الذي بعث بها ، فوجب التعامل معها والحفاوة بها  بما تستحقه من تعظيم كما سماها أو وصفها الله تعالى  » بشارة  » في سياق الحديث عن المسيح عليه السلام في الآية السادسة من سورة الصف.

ومعلوم أن الرسل والأنبياء إنما يولدون وقد شاءت إرادة الله أن يُحمَّلوا رسالاته في كتاب قبل أن يوجد الله تعالى الوجود ، ولهذا تعتبر موالدهم بشارات للناس. ولقد بشّر المسيح عليه السلام  برسول الله صلى الله عليه وسلم  قبل مولده  بمدة تقدر بستة قرون . ولا يمكن التمييز  في هذه البشرى بين مولده عليه الصلاة والسلام، وبين بعثته وهو الذي اصطنعه الله عز وجل ككل إخوانه الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، ذلك أن بشارة تبدأ بالفرحة بمولده احتفاء به، خصوصا وقد صاحبت مولده الشريف آيات رويت على لسان أمه يوم وضعته ، ولم يكن وضعه كوضع كل الناس وهو سيد ولد آدم  .

والمسلمون في احتفالهم بمناسبة المولد الشريف ثلاث شرائح هي كالآتي :

1 ـ عموم المسلمين أو سوادهم الأعظم ، ويقتصر احتفالهم بها على  إظهار بعض مظاهر الفرح تعبيرا عن محبتهم لصاحب المناسبة عليه السلام ،وقد أمر الله  تعالى بمحبته في قوله تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )) ، ففي هذه الآية الرابعة والعشرين من سورة التوبة ، ذكر الله تعالى أنواعا من المحبوبات البشرية والمادية التي قد يحبها ويتعلق بها الناس ، وجاءت مرتبة  حسب قيمتها عند الناس ،الآباء ، فالأبناء ، فالأزواج فالعشيرة ، فالأموال ، فالتجارة ، ثم المساكن . وقد يحب نوع من الناس هذه مجموعة ، وقد يكون بعضهم أكثر حبا  لبعضها ، وأشد تعلقا بها دون غيرها حسب طبائع البشر بحيث يُفضَّل بعضهم ممن ذكرهم الله تعالى في هذه الآية على غيرهم ، كأن يفضلوا على سبيل المثال حب الأزواج على حب غيرهم من آباء أو أبناء أو عشيرة ، كما أن بعضهم قد يحب المحبوبات المادية من أموال أو تجارة أو مساكن … ولقد أمر الله تعالى أن يكون حب الناس له سبحانه وتعالى ، وحبهم رسوله فوق حب كل المحبوبات البشرية أوالمادية ، لهذا كان السلف الصالح خصوصا صحابته الكرام رضوان الله عليهم  يعبرون عن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم :  «  بأبي أنت وأمي  يا رسول « ، وهي عبارة تدل على افتدائه عليه السلام  بآبائهم وأمهاتهم  مع أن هؤلاء أول من ينشأ الأبناء على محبتهم قبل غيرهم ومع ذلك يفضل عليهم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا زال المسلمون إلى يوم هذا  يرددون هذه العبارة ممن يعون جيدا دلالتها . ومما يؤكد اشتراط الله تعالى  في محبة  العباد له حب رسوله صلى الله عليه ، وذلك باتباعه حيث قال جل شأنه : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم  ))، ففي هذه الآية الكريمة الواحدة والثلاثين من سورة آل عمران، اشترط الله تعالى في محبة الخلق له اتباع رسوله، علما بأن الرسول الأعظم كان أشد الناس حبا لله تعالى ، كما كان أتقاهم له ، لهذا لا يتحقق حب العباد لله تعالى إلا اقتداء برسوله في حبه ، وفي طاعته له .

ولا يضير هذا السواد الأعظم  من المسلمين أن يكون من مظاهر فرحهم بالمولد النبوي الشريف الاجتماع في بيوتهم أو  غيرها أو في بيوت الله لاستعراض شمائله منثورة أو منظومة  بنية الاقتداء به أو تحضيرهم لوجبات من أكل او شرب، كما يفعلون في عيدي الفطر والأضحى أو إدخال السرور على صغارهم  بشراء بعض اللعب لهم لتربيتهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ،لأن من طبيعة الصغار أن يتعلقوا بحب من يهديهم هدايا حتى إذا كبروا أدركوا حقيقة محبته  على الوجه الصحيح. وما عدا هذه المظاهر التي لا تخرج عن شرع الله تعالى ، فإن غيرها مما لا يقره  يجب أن تختفي ، وأن ينبه العلماء  إلى ذلك.

2 ـ شريحة المُبتَدِعين ، وهم في الغالب من أتباع الطرق التي تغالي في الاحتفال بالمولد عن طريق ابتداع أمور لا يقرها الإسلام من قبيل الشطحات على أنغام ما يسمى سماعا أو مديحا مع ارتباط ذلك بتقديس شيوخ تلك الطرق ، ونسبة الكرامات لهم، وتقبيل أيديهم أو ربما  أرجلهم أو التنافس في شرب ما يفضل عنهم من ماء تبركا بهم ، وقد حدثني بعضهم أن من  بعض أتباعهم من يشرب من غسيل أيديهم ، فإن صح هذا، فإن الفطرة السوية لا تقره  ، ولا وجود له في ديننا ، ومنهم  من يشبه هؤلاء الشيوخ بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك من الضلال المبين  . ومنهم من  يجعل حبهم كحبه عليه السلام  غير راع له قدرا ولا فضلا ، وهو يخالف بذلك ما أمر به الله تعالى . ومن الطرق المغالية من يأتي بأعمال غير ها ، وهي  كلها  عبارة عن بدع وضلالات لا حاجة لتفصيل الحديث فيها، فهي معلومة لدى الناس في بلادنا .

ولا يمكن أن تنكر على من يجلسون لسماع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في مجالسهم ما لم يؤت فيها بما لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته وخلفائه الراشدين . ويستثنى من ذلك ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من قبيل استنشاده الشعر الذي فيه حكم تدعو إلى مكارم الأخلاق وهو الذي بُعث ليتممها أو الشعر الذي خُصَّ بمدحه ،وقد استمع إليه، ولم ينكره، بل أثاب  الشاعر كعب بن زهير عليه، فعفا عنه ، وكساه بردته ، كما أنه حث على قرض الشعر الذي كان يجاهد به الكفار كشعر حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما وغيرهما . ولقد سار الشعراء المسلمون على خطاهما عبر العصور ، وعلى خطى كعب بن زهير وأبدعوا في قصائد تتغنى بشمائله عليه الصلاة والسلام، وسموها بُرْدات أو بُرَداً كما اشهرت بذلك منذ الشاعر مديح كعب ، وهم يرجون بذلك الثواب عند الله عز وجل، خصوصا وأته تعالى استثنى في سورة الشعراء الذين آمنوا منهم ، وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيرا، وانتصروا  من بعد ما  ظلموا . ولا يضير شاعر تغنى في شعره بالشمائل المحمدية ،  كما لا يضير منشد  أنشدها أو تغنى بها ، ولا يضير أيضا الناس إذا ما اجتمعوا لسماعها دون أن تكون مصحوبة بما لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام .

3 ـ شريحة المبدِّعين وهم من ينكرون الاحتفال بالمولد الشريف جملة وتفصيلا، لأن المُبتَدعِين يأتون فيه ببدع  كما ذكرنا ، وفي هؤلاء  بعض الغلاة  الذين ربما بلغ الأمر بهم حد تبديع المحتفلين بالمولد جميعا أو حتى تكفيرهم ، وهم يرفضون الاحتفال به قطعا ،  ويستشهدون على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :  » لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد الله ورسوله  » الحديث ، وهم غافلون عن دلالة الإطراء الذي هو مبالغة في المدح والثناء كما فعل النصارى حين جعلوا المسيح ابن مريم ابنا لله تعالى عما يصفون علوا كبيرا ، وهم لا يفرقون بين مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين إطراء النصارى نبيهم . ولو كان  كل مدح للنبي صلى الله عليه وسلم إطراء كما يدعون لما استقبل عليه السلام كعب بن زهير، ولما استمع إلى مديح، ولما ألبسه بردته ثناء على مديحه .

ولا يستغرب من غلاة المُبدِّعين إنكارهم الاحتفال بالمولد، وهم الذين  ينكرون تلاوة القرآن الكريم جماعة ، كما ينكرون الصلاة والسلام على رسول الله جماعة عقب الصلوات، وبعد الدعاء الذي يعقبها ، وينكرون  أيضا رفع الأكف بالدعاء ، كما ينكرون على الناس حلق  لحاهم ، وينكرون لحى  لا تشبه لحاهم في طولها  ، وينكرون لباسا لا يشبه لباسهم  أو لباس لا يشبه ما تلبسه زيجاتهم … إلى غير ذلك من الأمور التي يعتبرونها بدعا دون التقيد بمفهوم البدعة كما عرفها أهل العلم . ولقد رد العلماء على كثير مما يعدونه بدعا أعمالا أوأقوالا . ولم ينج عالم ممن ينبههم إلى أخطائهم من نقد قد يتجاوز حد  اللباقة المطلوبة ، بل يخل بما يجب من احترام وتوقير لأهل العلم .  والعلم عند هؤلاء الغلاة  إنما هو قاصر على شيوخهم المتشددين لا يتعداهم إلى غيرهم  فمن جرحه شيوخهم فهو المردود علمه  عندهم . ولقد سقطت مؤخرا أقنعة بعض هؤلاء الشيوخ  في بعض الدول حيث صاروا يسكتون على ما يجب أن ينكر من منكرات  ، ولكنهم ينكرون ما لا يجب أن ينكر من قبيل مقاومة الشعب الفلسطيني لأعدائهم الصهاينة ، وهذا من غريب ما فعلوا ، وقد جر عليهم انقاد أهل العلم وانتقاد عامة المسلمين .

وخلاصة القول أن  مظاهر وأساليب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في بلادنا وفي غيرها من بلاد الإسلام  تعكس نوع الشرائح الثلاث التي مر ذكرها إذ يكفي أن يعاين الإنسان  توع الاحتفالات ليعرف توجه أصحابها مُبتَدعين أو مُبِّدعين أو سوادا أعظم  لا يُنكَرُ عليهم شيئا ، بينما ينكر على غيرهم ما لا يقره شرع الله عز وجل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *