ارتزاق بعض العناصر بالقرآن الكريم في مناسبات أفراح وأتراح المغاربة
ارتزاق بعض العناصر بالقرآن الكريم في مناسبات أفراح وأتراح المغاربة
محمد شركي
من المعلوم أن المغاربة أبا عن جد لهم تعلق شديد بالقرآن الكريم ، ففضلا عن تحلقهم اليومي في بيوت الله تعالى بعد صلاة المغرب ، وقبيل صلاة الصبح أو بعدها لسماع تلاوة حزبين منه ، تحضر تلاوته في كل مناسبات أفراحهم أو أتراحهم تبركا به حيث يستدعون بعض حفظته إلى بيوتهم أو إلى خيام تنصب في مختلف المناسبات.
ولقد كانت العادة أن يستدعى إلى هذه المناسبات أئمة المساجد الموجودة بجوار الأحياء التي تقام فيها ، وذلك من أجل التبرك بتلاوتهم لما تيسر من كتاب الله عز وجل مع بعض المديح النبوي ، وربما لا زال الأمر كذلك لدى معظم الناس في بلادنا إلى يومنا هذا ، إلا أنه لوحظ في مؤحرا ظهور فرق من القراء أو من المتطفلين على كتاب الله تعالى، وقد امتهنوا تلاوته حرفة يسترزقون بها.
ولقد كان أئمة المساجد في الماضي، ولا زال الكثير منهم يحضرون المناسبات لتلاوة كتاب الله تعالى مع بعض المديح النبوي ، ويصيبون من طعام الولائم ، ويعطون بعض المال إكراما لهم دون أن يشترطوا مبالغ بعينها إلا أن ما صار يحدث اليوم أن بعض ممتهني هذه الحرفة المبتدعة، تحولوا إلى ما يشبه أجواق الطرب حيث يصطحبون معهم أجهزة ومكبرات الصوت التي يتعين على أصحاب المناسبات دفع ثمن استعمالها ، فضلا عن دفع ثمن التلاوة والإنشاد والسماع ، مما تختاره العناصر الممتهنة لهذه الحرفة التي أصبحت تدر عليهم أموالا .
ولشد ما كان اندهاشي قبل سنتين حين حضرت مناسبة وفاة أحد أقاربي بمدينة الرباط رحمة الله عليه ، فجلب أحد معارفه فرقة من ممتهني الإنشاد والسماع ، وكان ذلك في ليلة من ليالي رمضان ، فجاءت عناصرها بزي كزي فرق الطرب الأندلسي ، وما كادوا يلجون بوابة مسكن المرحوم حتى ضجوا بالإنشاد يرجعونه ترجيعا ويتأوهون، وكأني بهم يريدون إظهار براعتهم لأصحاب البيت لتبرير استحقاق الأجر . ولقد كان حضورهم قبيل صلاة المغرب، فأصبوا ما لذ وطاب من مائدة إفطار متنوعة الأصناف والأشكال، ثم واصلوا ترنمهم بالإنشاد مع قليل من تلاوة القرآن الكريم بألحان وترنمات. ولما حان وقت صلاة العشاء تناوبوا على إمامة الحاضرين ذكورا وإناثا في فناء البيت ، وكان أحدهم يحدد لهم ما يقرءون في ركعات التراويح حيث لم يسيروا على نهج القراء في المساجد، بل قرءوا مما يحفظون ، وقد تبين ضعف حفظهم حيث انتقلوا في قراءتهم بين سور معلومة من كتاب الله عز وجل يحفظون بعض أجزائها ،لأنهم لم يكونوا من الحفاظ بل كانوا من المتطفلين على الحفظ أو المتظاهرين به . وبعد صلاة التراويح نصبت موائد العشاء فأصابوا ما أصابوا من طعام وشراب ، وكانت معداتهم لمّا تهضم طعام الإفطار، ثم انطلقت بعد الشبع إلى حد التخمة حناجرهم صادحة بما هو أشبه بالغناء والطرب ، ولا يفهم من إنشادهم إلا ما يتعلق بالوجد، والحب، والغرام ،والفناء فيهما، والسكر… وهلم جرا مما يتداوله أهل الطرق الصوفية . ولقد أثار انتباهي أن نجلة المرحوم أنكرت بشدة عليهم ذلك ،لأن والدها لم يكن يحب سماع مثل ذلك الإنشاد ، وطلبت منهم الاكتفاء بتلاوة كتاب الله تعالى الذي لم يسلم بدوره من الإيقاع الذي لم يختلف عن إيقاع السماع وهذا الأخير كان قريب الشبه من الطرب الأندلسي أو من طرب الموشحات .
والكارثة العظمى أنهم قدموا في نهاية طربهم فاتورة التسميع وافنشاد إلى أرملة المرحوم التي ذهلت لأنها ثقيلة جدا حيث بلغت سبعة آلاف درهم ، وكان ذلك والعياذ بالله سحتا بيّنا استساغوه في شهر الصيام، وهو مغتصب من مال اليتامى.
وأعود هذه الظاهرة المؤسفة التي استشرت في ربوع بلادنا حيث كثرت فرق السماع والإنشاد ، وقد طورت آلاتها ومكبرات التصويت الصاخبة ، والمقلقة لراحة الناس ليل نهار، حيث تتوالى فرق من المنشدات أو المسمعات الإنشاد والسماع نهارا، وهذه ظاهرة جديدة بدأت في الانتشار مؤخرا ، بينما تتولى فرق من المنشدين أو المسمعين ذلك ليلا . وقد تتكون عناصر هذه الفرق من بعض الموظفين الذين يعملون في مختلف الإدارات ، والذين يجمعون بين وظائفهم وبين امتهان السماع والإنشاد الذي يدر عليهم أموالا، فضلا عما يصيبونه مما لذ وطاب في الولائم التي تقام . ويستحوذ هؤلاء على أجواء المناسبات بإنشادهم وسماعهم الذي يستغرق وقتا طويلا ، مع قليل من القرآن الكريم ، وقد يتطفل بعضهم على الوعظ والإرشاد ، فيأتي بسقط الكلام إذا صح التعبير متعالما مستغلا جهل الناس بما يلوكه من كلام ، وهو يجلس منهم جلوس العالم الفقيه أو جلوس الأستاذ مع طلبته ، ويطول بالحاضرين الوقت ، فينال منهم العياء والضجر والسأم ، وقد يراود بعضهم النعاس أحيانا وفرق الإنشاد لا يهمها إلا إقناع أصحاب المناسبات بأنهم قد أبلوا البلاء الحسن المستحق للأجر المرتفع ، وأنهم قد قدموا أفضل ما عندهم لتبرير الأجر المستحق في تظرهم ، تماما كما يفعل أصحاب الأجواق الغنائية ، وكما تفعل » النكافات » اللواتي يمتهن كسو العرائس لتحملن على أكتاف شباب يرقصون بها ، وهي حرفة تستهلك قدرا معتبرا من مال أصحاب العرس قد يفوق حتى قدر صداق العرائس.
و هكذا انتشرت هذه الآفة في مجتمعنا ، وهي عبارة عن ظاهرة الارتزاق بكتاب الله عز وجل من طرف متطفلين عليه يموهون به على تسويق سماعهم وإنشادهم الذي يكون أغلبه طرقي المنزع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
Aucun commentaire