صفات الشخصية اليهودية الناكبة عن صراط الله المستقيم كما يصورها القرآن الكريم
صفات الشخصية اليهودية الناكبة عن صراط الله المستقيم كما يصورها القرآن الكريم
محمد شركي
بداية لا بد من التذكير بأن كتاب الله عز وجل المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، هو كما وصفه سبحانه وتعالى : (( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )) . ولقد جاء في تفسير هذه الآية ما الكريمة أنه لا يكذبه ما أنزل الله من قبله ، ولا ينزل من بعده ما ينسخه أو يبطله، لأنه الرسالة الخاتمة ، كما قيل أيضا أنه لا يأتيه الباطل فيما أخبرعما مضى ، ولا فيما أخبر عما يكون . ومعلوم أن كل شيء يكون محفوظا من أمامه ومن خلفه، يكون لا محالة محاطا بالصيانة. و كتاب الله عز وجل هو مع هذا وذاك منزه عن ملابسة الباطل له مهما كان إلى قيام الساعة لقوله تعالى : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) . وخلافا لذلك لقد اعترى الكتب المنزلة التي سبقته التحريف بشهادته مصدقا لقوله تعالى: (( ومن الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه )) ، ومعلوم أن التحريق هو تزوير أو ميل بالكلم عن حقيقته ، وصرف عن معانيه ، وقوله أيضا : (( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون )) ، وقوله كذاك : (( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ))
وبناء ما تقدم، فإن ما أخبر به القرآن الكريم هو الحق ، وهو صدق الخبر المحض الذي لا يمكن، ولا يجوز التشكيك فيه ، ولهذا يعتبر عمدة في معرفة أخبار من مضوا من الأقوام البائدة ، خلاف الأخبار التاريخية التي يتناقلها البشر ، والتي لا تسلم من أباطيل تأتيها من بين يديها ومن خلفها ،أي تكون إما مسبوقة بالكذب، ومخالفة الحقائق والوقائع أو متلوة بذلك . و معلوم أن الأخبار التاريخية لا تخلو من نقض بعضها البعض بسبب طغيان الأهواء البشرية . وإذا كان باطل البشر قد خالط ما أنزل الله من كتب منزلة من عنده سابقة على القرآن الكريم ، فإن أخبارهم التاريخية لا يمكن أن تسلم من باطلهم .
وإذا ما أردنا أن نعرف الشخصية اليهودية الناكبة عن صراط الله المستقيم ، فإننا نلتمس ذلك في الكتاب الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه، لأن ما سبقه من كتب توراة وإنجيل لم تسلم من التحريف ، وعليه لا يمكن أن تعرف هذه الشخصية من خلالها تفاديا للباطل اللاحق بها عن طريق التحريف ، ولا يمكن أن تصح أوصافها باعتمادها دون اعتماد كتاب الله عز وجل .
ولا بد من التذكير بأن القرآن الكريم قد أثنى على فريق من اليهود ممن استقاموا ثناء حسنا ، بينما عرّض بالفريق المنحرف ، والناكب عن الاستقامة كل التعريض مصداقا لقوله تعالى : (( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )). وهكذا أنصف الله تعالى الأمين منهم ، بينما أدان الخائن . و يمضي على هذه الوتيرة وصفهم في كتاب الله عز وجل في أمور أخرى غير المعاملة المالية.
والذي يعنينا في هذا المقال هو الشخصية اليهودية الناكبة عن صراط الله المستقيم كما بيّن ذلك القرآن الكريم ، وفيما يلي بعض أوصافها الواردة فيه :
1 ـ الغرور والشعور بالاستعلاء على خلق الله تعالى ، وادعاء الانتماء له بنوة ـ تعالى عما يقولون علوا كبيرا ـ ،مصداقا لقوله تعالى : (( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق ))
2 ـ التجاسرعلى الله عز وجل ووصفه بالفقر والبخل ـ تعالى عما يصفون علوا كبيرا ـ ،مصداقا : (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق )) ، وقوله أيضا : (( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )) .
3 ـ الجرأة على قتل الأنبياء الذين بعثوا فيهم، كما جاء في قوله تعالى : (( الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين )) .
4 ـ افتراء الكذب على الله عز وجل، مصداقا لقوله تعالى : (( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )) .
5 ـ تكذيب الرسل والأنبياء ، مصداقا لقوله تعالى : (( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلمّا جاءه رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذّبوا وفريقا يقتلون )) .
6 ـ قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، مصداقا لقوله تعالى : (( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيّين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )).
7 ـ إضمار وإظهارالعداوة والبغضاء لبعضهم ولعموم الخلق مع الإفساد في الأرض، وإضرام نيران الحروب ،مصداقا لقوله تعالى : (( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ))
8 ـ أكل أموال الناس بالباطل، مصداقا لقوله تعالى : (( إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل)) .
9 ـ الكذب والارتشاء، مصداقا لقوله تعالى : (( سمّاعون للكذب أكّالون للسحت)).
10 ـ نقض العهود والمواثيق، مصداقا لقوله تعالى : (( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريقا منهم )) ، وقوله أيضا : (( الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون )) .
11 ـ تعاطي المعاصي والمنكرات ، مصداقا لقوله تعالى : (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ))
12 ـ موالاة الكافرين، مصدقا لقوله تعالى : (( ترى كثيرا منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )).
13 ـ شدة عداوتهم للمؤمنين، مصداقا لقوله تعالى : (( لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا )) .
14 ـ عصيان وخذلان الأنبياء ساعة الشدة، مصداقا لقوله تعالى : (( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما دموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون )) .
15 ـ الشرك بالله تعالى، مصداقا لقوله تعالى : (( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحد لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )) .
16 الانحراف من التوحيد إلى الوثنية، مصداقا لقوله تعالى : (( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون )) ، وقوله أيضا : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا )) .
17 ـ استبدال نعم الله تعالى بما دونها، واستحقاق الذلة والمسكنة بسبب ذلك، مصداقا لقوله تعالى : (( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبث الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله )).
18 ـ الجرأة على طلب رؤية الله عيانا ـ تعالى عما يقولون علو كبيرا ـ ،مصداقا لقوله تعالى : (( يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم )) .
19 ، عقاب الله تعالى لهم بالمسخ، مصداقا لقوله تعالى : (( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين )) ، وقوله أيضا : (( من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل )) .
20 ـ تسليط الله تعالى عليهم من يعذبهم إلى يوم القيامة، مصداقا لقوله تعالى : (( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب )) .
و لئن كانت هناك صفات أخرى لم نذكرها، فإن هذه الصفات العشرين كافية ، وهي تغني عن غيرها مما لم يذكر لرسم صورة واضحة للشخصية اليهودية الناكبة عن صراط الله المستقيم . وهي صفات تجعلها شخصية مهزوزة ، وفي الدرك الأسفل من الانحطاط الخلقي خبثا، ومكرا ، وظلما ،وعدوانا ، وضلالا، وجهلا ،وخداعا ، وتعاليا … إلى غير ذلك من الصفات القدحية التي إذا جمعت كانت النتيجة صورة شائهة ، وفي منهى القبح المثير للاشمئزاز بل للغثيان ،وكلها مما وثقه كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه .
والعجب العجاب أن يتلو كثير من المسلمين كتاب الله عز وجل ،ويمرون في تلاوته بكل هذه الصفات المنحطة لهذه الشخصية المعقدة نفسيا ، ومع ذلك يتعاملون معها وكأنها شخصية عادية ومتزنة ، و يتولونها ، ويثقون فيها ، ويبرمون معها الصفقات ، ويوقعون معها الاتفاقيات والمعاهدات ، ويجعلون مقدراتهم وخيراتهم تحت تصرفها ، ورهن إشارتها ، بل يرهنون مصائرهم بمصيرها ،و يجعلونها تحت تصرفها ، وقيد سلطتها وتحكمها وتسلطها ، الشيء الذي يجلب عليهم كل شر مستطير لا يقدرون عواقبه الوخيمة ، و يعرضهم لسخط وغضب الله تعالى ،بل يجعلهم منحشرين معهم دنيا وآخرة ، مصداقا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) .
والأشد عجبا من ذلك أن يتهم من يتلو ما جاء في كتاب الله عز وجل من صفات هذه الشخصية المنحرفة أو يذكرها يتهم ملفقة من قبيل معاداة السامية ، والدعوة إلى كراهيتا ، وعدم التسامح معها ، و ممارسة الإرهاب ضدها … وغير ذلك من الصفات القدحية ، الشيء الذي يعني تعمد الإعراض عما جاء في كتاب الله عز وجل . ومما يفوق شدة العجب أن يطالب بعضهم بشطب ما وصف به الله تعالى هذه الشخصية المنحرفة من كتابه العزيزالذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومنع تداولها بين الناشئة المسلمة المتعلمة أو السماح بنشرها في الكتب المدرسية.
وها نحن كمسلمين نستعرض كتاب الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل في صلاة التراويح ، وتمر بنا كل الآيات المذكورة أعلاه ، وغيرها ، والتي رسمت الصورة القاتمة للشخصية اليهودية الناكبة عن صراط الله المستقيم ، وكأننا لا نسمعها ، ولا نتدبرها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
Aucun commentaire