Home»Débats»حقوق الإنسان بين الإعدام في الواقع والإعدام على الورق

حقوق الإنسان بين الإعدام في الواقع والإعدام على الورق

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

حقوق الإنسان بين الإعدام في الواقع والإعدام على الورق

أَعلمُ أن تصنيف البشر إلى خيِّر وشِرّير صعب، وذلك بسبب اختلاف المرجعيات التي يمكن الاستناد إليها أثناء التصنيف، ذلك أن ما يُعتبر خيرا في مرجعية معينة، يمكن أن يُعتبر شرا في مرجعية أخرى، والعكس بالعكس، ومع ذلك، ودون الدخول في التفاصيل، يمكن التمييز بصفة عامة بين أنواع ثلاثة من البشر: فهناك نوع أول يعيش لمبادئه التي يستقيها من المرجعية التي يتبناها، وهناك نوع ثان يعيش لهواه، وما يراه مصلحة شخصية دون الاكتراث بالناس من حوله، وهناك نوع ثالث، يتذبذب في مواقفه حسب الظروف والمناسبات، بين النوعين الأول والثاني، بحيث من المُرجَّح أن ينطبق عليهم قول الله تعالى في الآية 143 من سورة النساء: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.

ومما لا شك فيه أن هذه الأنواع لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات الإنسانية، من بينها المجتمع المغربي، مع اختلاف في نِسب كل منها. وإذا حاولنا استقراء واقعنا المغربي، نجد قضيتا الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية، على رأس المبادئ التي يلتزم بها النوع الأول، وهم مستعدون لبذل الغالي والنفيس للدفاع عنهما، ولعل هبَّتهم لتقديم المساعدة لإخوانهم المتضررين من مصيبة الزلزال، وتفاعلهم مع مستجدات القضية الفلسطينية لخير دليل، بينما نجد أنه لا هَمَّ للنوع الثاني سوى إشباع رغباتهم المادية والجنسية، دون اكتراث بما يجري حولهم، بل قد تجد منهم من يغتنم فرصة هاته المصائب للاغتناء وإشباع نزواته. أما النوع الثالث وهو الأخطر، وهو الذي يُظهر الولاء لهذه القضايا المبدئية صوريا، بينما يعمل في الواقع على تمييعها، من خلال ممارسات قد تبدو عادية، بل قد تبدو مبدئية، في الوقت التي هي على العكس من ذلك تماما. وحتى لا أطيل أريد التعريج على حالتين اثنتين:

  • الأولى تتمثل في الإعلان عن الاستعداد لحلول المغنية اللبنانية سارة الزكريا بمراكش، لإحياء عدد من « الحفلات الفنية »، والجِراحُ التي خلفها الزلزال، إن على المستوى المادي أو المستوى النفسي، لا زالت لم تندمل بعد. ومما يزيد في الطين بلة، هو السمعة السيئة التي تتمتع بها هذه المغنية، إذا علمنا أنها ممنوعة من الغناء نهائيا في مصر، في نفس الوقت الذي دعت فيه نقابة الفنانين الأردنيين إلى إيقافها عن ممارسة كافة المهن الفنية. فلو كان للساهرين على تنظيم هذا النوع من الحفلات الماجنة، وللراغبين في الحضور لها (علما أن سعر التذكرة بلغ 1000 درهم حسب ما ورد بإحدى الجرائد الإلكترونية) ذرة من حب الوطن، لتم التبرع بتلك المبالغ للمتضررين بالزلزال، عوض العزم على دفعها لواحدة ممن يساهمن في نشر الفساد بشكل مباشر وغير مباشر.
  • والثانية تتعلق باهتمامات « المجلس الوطني لحقوق الإنسان »، التي يبدو من خلال التسمية التي يحملها نفسُها أنها تمثل لديه قضية مبدئية، في الوقت الذي يُفصِح فيه الواقع عن مؤشرات تُشكِّك في مدى صدقها في الدفاع عن هذه القضية: أيعقل إثارة عقوبة الإعدام؟ والمطالبة بإلغائها في هذا الوقت بالذات؟ مع العلم أن المغرب أوقف تنفيذ هذه العقوبة منذ سنة 1993، والأمر غير المستساغ هو تصريح رئيسة المجلس، خلال الندوة التي نظمها بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام حيث قالت: « عدم إلغاء العقوبة في القانون الجنائي ُيبقيها سيفا مسّلطا على رقابنا »، ولست أدري مَن المقصود بنون الجماعة، هل تقصد مجموع المغاربة، أم أنها تعبر عن فئة معينة، علما أن حكم الإعدام لا يصدر إلا في الحالات « المتطرفة »(Extrêmes)، ومن ثم إذا كانت تُدرِج كل المغاربة ضمن نون الجماعة، فإن أقل ما يلزمها هو الاعتذار لهم، لأنها تتهمهم بالقتل المتعمد وبالخيانة العظمى، وهما الحالتان الأساسيتان اللتان تستلزمان الإعدام، ومن ثم فلا يمكن لأحد أن يجادل في حكم الإعدام الذي صدر مؤخرا في حق أحد المتورطين في قضية قتل ذلك الشرطي الذي كان بصدد مزاولة مهامه، أما إذا كانت تتعمد الدفاع عن أمثال هؤلاء المجرمين، فعليها أن تعلم أن المرجعية التي تستند إليها غير سليمة، وإلا فما الفائدة من إبقائهم أحياء؟ فلنفترض جدلا أن طلب السيدة رئيسة المجلس قد تحقق، فما هو الحكم الذي تقترحه في حق هؤلاء؟ أهو إطلاق سراحهم ليعاودا قتلهم للأنفس بغير حق، أم الحكم عليهم بالمؤبد لِيَلِجُوا سجونا أصبحت بمثابة فنادق بالنسبة للبعض، حيث يتوفر المأكل والمشرب والملبس والتمارين الرياضية والتلفاز…وكل ذلك على حساب ميزانية الدولة المأخوذة من جيوب الشعب المغلوب على أمره.

وانطلاقا من الأرقام التي ضمَّنها المجلس الوطني نفسه في تقريره عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب برسم سنة 2022، نجد أن عدد المحكوم عليهم بالإعدام في المغرب بلغ إلى حدود نهاية سنة 2022 ما مجموعه 83 شخصا؛ حيث صدرت أحكام نهائية في حق 54 منهم، وأحكام ابتدائية في حق 14 شخصا، في حين أن 15 شخصا هم محكومون استئنافيا، يحق لنا أن نتساءل عن طبيعة حقوق الإنسان التي يدافع عنها المجلس الوطني؟ وعن أي مفهوم للإعدام يعمل على إلغائه؟ ألا يُعتبر ما يتعرض إخواننا الفلسطينيون إعداما جماعيا بامتياز؟ جنايتهم الوحيدة أنهم يطالبون باحترام مقدساتهم الدينية، واحترام حقهم الإنساني في الاستقلال وفي العيش الذي تنص عليه كل المواثيق الدولية.

وفي هذا السياق لا يمكن لعاقل أن يستسيغ دفاع من ينصِّبون أنفسهم أوصياء على حقوق الإنسان على حق شرذمة من المجرمين في الحياة، وهم متيقنون أن إعدامهم يتم على الورق ليس إلا، بينما يتم إغماض أعينهم على نفس الحق بالنسبة للمئات من الأبرياء الذين يُعدمون يوميا في أرض الواقع. وإن أقل ما يقال عند معاينة مثل هذه الممارسات هو أن لا حاجة لنا بمثل هذه المجالس والمنظمات انطلاقا من قاعدة « أخف الضررين » لأن الضرر الذي قد يترتب عن غيابها أخف من الضرر الناتج عن وجودها.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *