التضامن مع ضحايا الزلزال بين الالتزام والإلزام
علي العلوي
الالتزام هو الإيجاب على النفس، فمثلا تَعَهَّدَ بِالْتِزَامِ الصَّمْتِ؛ معناه تَعَهَّدَ بِأنْ يَفْرِضَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّمْتَ، أَيْ أنْ يُلْزِمَهَا ذَلِكَ. والقول إن الشخص التزم أحكام الله؛ معناه أنه أوجب على نفسه الأخذ بأحكام الإسلام. أما من الناحية القانونية فهو حالة يرتبط بمقتضاها الشخص بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل مطلقا أو معلَّقا.
والإلزام يفيد الإكراه؛ فمثلا أَنْجَزَ العَمَلَ إلْزَاماً: لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي إنْجَازِهِ؛ أي أنْجَزَهُ كَرْهاً. وألزم فلانا الشيء أوجبه عليه. وأَلْزَمَهُ بِعَمَلٍ فَوْقَ طَاقَتِهِ: فَرَضَهُ عَلَيْهِ.
الملاحظ أن الالتزام فعل وانفعال نابعان من الذات عن طيب خاطر ورغبة في الإقبال على العمل والانخراط فيه لإشباع دوافع نفسية وأخلاقية منبعها الدين والقيم الكونية المتعارف عليها.
أما الإلزام فمرتبط بتدخل جهة أو شخص آخر لفرض العمل أو السلوك أو غيرهما دون مراعاة تحقق رغبة الشخص المُكْرَهِ في الانخراط في ذلك. وشتان بين التضامن من منطلق الالتزام، والتضامن بمنطق الإلزام.
ولقد أعطى الشعب المغربي درسا لباقي شعوب العالم في التضامن مع ضحايا زلزال الحوز، وهذا بشهادة متتبعين غير مغاربة، حيث إن قوافل المساعدات بمختلف أشكالها انطلقت منذ اليوم الأول من حدوث الكارثة، ولم تتوقف لحد الآن؛ قوافلَ حجت، وما تزال تحج من جميع جهات البلاد بما في ذلك مدن وأقاليم الصحراء المغربية. ولم ينتظر المواطنون والمواطنات إشارات ولا توجيهات من الحكومة للإقبال على هذا العمل الملحمي البطولي، الذي أبهر العالم، وإنما المحرك كان داخليا نابعا من الذات الجماعية والذوات الفردية المشبعة بالأخلاق والقيم التي رسخها ديننا الإسلامي الحنيف.
وفي ظل ملحمة التضامن التي يسطرها المغاربة فرادى وزرافات، شيبا وشبابا، أطفالا وشيوخا، طلعت علينا حكومتنا الموقرة ببلاغ صحفي حول انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس 14 شتنبر 2023 جاء فيه أن الحكومة قد قررت أن يساهم:
– الوزراء والوزراء المنتدبون والمندوبان الساميان والمندوب العام ومندوب الوزارة بأجرة شهر؛
– موظفو وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدمو المؤسسات والمقاولات العمومية المصنفون في السلم التاسع وما فوق، أو ما يعادلهم بأجرة يوم عمل عن كل شهر على مدى ثلاثة أشهر، تقتطع من الأجرة الصافية من الضريبة على الدخل والاقتطاعات المتعلقة بالتقاعد والتعاضد (أجرة يوم عمل عن كل من أشهر شتنبر وأكتوبر ونونبر).
لقد قررت ذلك، وألزمت به الموظفين وغيرهم دونما رجوع إلى النقابات التي من المفترض أنها تمثل مَنْ فُرِضَ عليهم التضامن وتتحدث باسمهم في مختلف المحافل والمناسبات. والغريب أن الحكومة انطلقت بسرعة قياسية في الخروج بما قررته بهذا الشأن، لكنها تدب دبيب الحلزون، وتسير بخطى وئيدة ومتقطعة حينما يكون الأمر متعلقا بحقوق الموظفين والأجراء من قبيل الترقية في السلم الوظيفي أو صرف التعويضات عن التدريب وغير ذلك.
هذا لا يفيد رفض التضامن مع ضحايا الزلزال، وقد مر بنا القول إن الشعب المغربي قام بمبادرات منقطعة النظير في هذا الجانب، بمن فيهم الموظفون والأجراء وغيرهم، وإنما العتب كل العتب يكمن في الطريقة التي يتم بها فرض التضامن تحت سلطة الإكراه، وبتغييب تام وشامل للمعنيين، وكذا المؤسسات والجهات التي تمثلهم، وإن كنت أورد لفظ « تمثلهم » هنا من باب المجاز لا الحقيقة.
Aucun commentaire