تزكية النفوس التزكية المذمومة تنسف الطمع في مغفرة الخطايا
تزكية النفوس التزكية المذموة تنسف الطمع في مغفرة الخطايا
محمد شركي
تزكية النفوس كما وردت في كتاب الله عز وجل لها دلالتان: الأولى إيجابية مأمور بها، والثانية سلبية منهي عنها ، أما الإيجابية المأمور بها، فهي كما جاء في قول الله تعالى : (( قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها ))، والتزكية بهذه الدلالة فهي تطهير النفس من التدسية ،وهي الفساد ، وأما التزكية السلبية المنهي عنها، فهي عبارة عن غرور يركب الإنسان ، فيجعله يمدح نفسه بما ليس فيها مع ما تكون عليه من تدسية ، وهو ما نهى عنه الله تعالى بقوله : (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) ، وقوله تعالى أيضا : (( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا )) .ومعلوم أنه يوجد فرق بين تزكية الإنسان نفسه التزكية الإيجابية المأمور بها، وبين تزكية الله تعالى لها بتوفيقه لاجتناب معاصيه والتزام طاعته .
والذي يعنيننا في هذا المقال هو تزكية النفوس بالمعنى السلبي المنهي عنها ، وقد ذكر القرآن الكريم نماذج منها كقول أهل الكتاب نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقد سفه الله تعالى قولهم بقوله جل وعلا : (( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق ))، أو قول فرعون لقومه وقد استخفهم كما حكى عنه ذلك الله تعالى : (( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) إلى قال سبحانه وتعالى : (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) ،وهنالك نماذج أخرى في القرآن الكريم للذين زكوا أنفسهم التزكية المنهي عنها، وهم أفراد وجماعات .
والملاحظ في الآيات السابقة أن الذين يزكون أنفسهم التزكية المذمومة المنهي عنها إنما ينشدون التميز عن غيرهم ممن هم أمثالهم ، فأهل الكتاب جعلوا أنفسهم فوق الطبيعة البشرية حين ادعوا كذبا وافتراء أنهم أبناء الله تعالى عما يصفون ، وأنهم أحباؤه ، وكذلك فعل فرعون الذي ذهب أبعد مما ذهب إليه أهل الكتاب فادعى الألوهية كما قال الله تعالى على لسانه : (( وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري )) ، وبقوله : (( أنا ربكم الأعلى )).
وتزكية النفوس على طريقة أهل الكتاب، و على طريقة فرعون تختلف عند من يزكون أنفسهم وإن كانت لا تبلغ ما ادعاه هؤلاء ، ومع ذلك فهي مذمومة مهما كانت سواء كانت بالمظهر أم بالقول أم بالفعل أو بهم جميعا ، ذلك أن بعض الناس يخرجون على غيرهم بهيئات مخصوصة يتعمدون فيها المبالغة في إظهار السمت وهو الوقار والسكينة من خلالها رغبة في تقديرالناس لهم واحترامهم أو ربما كانت لهم وراء ذلك أهداف أخرى يخفونها وعلمها عند من يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى ، وقد يلبسون ما لا يلبسه غيرهم من لباس بل يزدرون ما يلبسه غيرهم مما هو لباس دونهم ، يبتغون بذلك التميز عنهم تزكية سيئة لنفوسهم، ومنهم من يزكون أنفسهم بما يصدر عنهم من أقوال فيها ما يدل على الرغبة الواضحة في إظهار التميز عن غيرهم علما وفصاحة وبلاغة وسداد رأي ، أو عكس ذلك بإظهار التواضع المتصنع الذي يفضحه واقع الحال فيتبع حديثه ذلك بقوله : » وأستغفر الله من قول أنا » يقولها تمويها على تواضع هدفه تزكية النفس المنهي عنها ، ولو تجنبها لكان في غنى عن استغفار مغشوش يخدع به الناس وما يخدع إلا نفسه .
ومعلوم أن هذه التزكية تنسف الطمع في مغفرة الخطايا ،وهو طمع لم يستغن عنه خليل الله إبراهيم عليه السلام بالرغم من تزكية الله تعالى له بالعصمة حيث قال وهو يستعرض فضل الله عليه : (( والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين )) ، فهذا خليل الله المعصوم لم يستغن عن الطمع في المغفرة ، فما بال من لا عصمة لهم و مع ذلك لا يطمعون في مغفرة الخطايا .
والطمع هو اشتداد الرغبة مع واسع الأمل والرجاء ، وهو أمر محمود كما جاء في قوله تعالىوهو وصف صفوة أنبيائه : (( إنهم كان يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين )) ، والرغب طمع وحرص .
ومما يورط الناس في تزكية النفوس المنهي عنها إطراء الناس عليهم ومدحهم إما لظنهم الخير بهم أو لمجرد مجاملتهم أو حتى كذبا عليهم ،الشيء الذي يجعل أنفسهم تبجح إليهم وتزهو بذلك ، وربما نعتوهم بنعوت تدل على التزكية، وهي مغرية تجعلهم يذهبون بعيدا في تلك التزكية الباطلة ، والوقاية منها هو إدانة النفوس ، وملازمة هذه الإدانة مع الاجتهاد في نشدان التزكية المحمودة والمأمور بها ، والتي لا تتأتى إلا بالمنهاج الذي سطره الله تعالى في محكم التنزيل ، وسطره رسوله صلى الله عليه وسلم في ما آتاه الله عز وجل من حكمة . ولا تزكية حقيقية إلا من زكاه الله تعالى كما قال في وصف نبيه الكريم يحيى عليه السلام : (( وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا )) .
Aucun commentaire