المجالس المحلية مرتع خصب للريع و الفساد …..
إسماعيل فيلالي
بعد أن تحدثنا ، في مقالات سابقة ، عن مجالس الجهات و مجالس العمالات و الأقاليم ، و الملايير التي تهدر في هذه المجالس دون جدوى ، أغلبها يذهب إلى جيوب المنتخبين ؛ سنواصل الحديث قي هذه المقالة عن المجالس المحلية ( الحضرية و القروية ) التي تعتبر من أهم الركائز الأساسية في التنظيم الجماعي في المغرب نظرا لقربها من المواطن من جهة، و نظرا لان المشرّع خصص لها اختصاصات كثيرة تهم قضايا المواطنين التنموية و الإدارية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الرياضية و البيئية الخاضعة للقانون التنظيمي 14. 113 هذا القانون الذي حاول ، عبثا ، خلق الشفافية و النزاهة في تشكيل مكاتب المجالس ، لكنه تراجع عن اشتراط الشهادة الابتدائية لتولي مهام رئاسة المجالس الجماعية ، و هذا ما أثار شكوكا كبيرة حول نية إصلاح الجماعات ، خاصة حينما تسند مهام التسيير للأميين الذين يعيثون فسادا في هذه الجماعات. و إذا كانت هذه هي العقلية البائدة في زمن مضى ، فاليوم و في القرن الواحد و العشرين يبدو انه من العيب أن نترك هذه الجماعات تحت رحمة هذه الكائنات الانتخابية التي لا تحسن سوى النهب و السلب و هدر المال العام ، و هذا ما أدى إلى انتشار الريع و الفساد بشكل مرعب في هذه الجماعات من لدن هؤلاء الفاسدين منعدمي الضمير الذين لا هم لهم سوى الاغتناء غير المشروع و التنافس على المشاريع الشخصية و العائلية ؛ مما أثر بشكل كبير على وتيرة تسيير الشأن العام و التنمية المحلية .
إضافة إلى الفساد المستشري في الجماعات فان هؤلاء المنتخبين يلتهمون ميزانية كبيرة عن طريق التعويضات عن المهام و التنقل ، و لتكتمل الصورة للرأي العام نورد هذه التعويضات كما يلي :
فطبقا للمرسوم رقم 2.16.493 الصادر في 6 أكتوبر 2016 يتقاضى رؤساء مجالس الجماعات والمقاطعات ونوابهم وكتاب مجالس الجماعات والمقاطعات ونوابهم ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم، تعويضا صافيا شهريا عن التمثيل كما يلي :
الجماعات ذات نظام المقاطعات
( ثلاثة ملايين سنتيم ) الرئيس مبلغ : 30.000 درهم
( مليون سنتيم ) نواب الرئيس مبلغ : 10.000 درهم
كاتب المجلس مبلغ : 3.000 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ : 1.500 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ : 3.000 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 1.500 درهم
الجماعات التي يقطنها أكثر من 500 ألف نسمة
( مليون و ألف درهم ) الرئيس مبلغ : 11.000 درهم
نواب الرئيس مبلغ : 5.500 درهم
كاتب المجلس مبلغ : 2.400 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ : 1.200 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ : 2.400 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ : 1.200 درهم
الجماعات التي يقطنها من 225.001 إلى 500 ألف نسمة
الرئيس مبلغ : 8.000 درهم
نواب الرئيس مبلغ : 4.000 درهم
كاتب المجلس مبلغ : 2.000 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ : 1.000 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ: 2.000 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 1.000 درهم
الجماعات التي يقطنها من 100.001 إلى 225 ألف نسمة
الرئيس مبلغ: 7.000 درهم
نواب الرئيس مبلغ: 3.000 درهم
كاتب المجلس مبلغ: 1.400 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ: 700 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ: 1.400 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 700 درهم
الجماعات التي يقطنها من 25.001 إلى 100 ألف نسمة
الرئيس مبلغ: 5.400 درهم
نواب الرئيس مبلغ: 2.600 درهم
كاتب المجلس مبلغ: 1.200 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ: 600 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ: 1.200 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 600 درهم
الجماعات التي يقطنها من 15.001 إلى 25 ألف نسمة
الرئيس مبلغ: 4.200 درهم
نواب الرئيس مبلغ: 2.000 درهم
كاتب المجلس مبلغ: 1.000 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ: 500 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ: 1.000 درهم.
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 500 درهم.
الجماعات التي يقطنها أقل 15 ألف نسمة
الرئيس مبلغ: 2.800 درهم
نواب الرئيس مبلغ: 1.400 درهم
كاتب المجلس مبلغ: 800 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ: 400 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ: 800 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 400 درهم
المقاطعات
الرئيس مبلغ: 6.000 درهم
نواب الرئيس مبلغ: 3.000 درهم
كاتب المجلس مبلغ: 1.400 درهم
نائب كاتب المجلس مبلغ: 700 درهم
رئيس لجنة دائمة مبلغ: 1.400 درهم
نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ: 700 درهم
كما يستفيد رؤساء الجماعات والمقاطعات ونوابهم وباقي أعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات من تعويضات يومية عن التنقل بمناسبة المهام التي يقومون بها داخل المغرب وخارجه لفائدة المجلس الذي ينتمون إليه. وتحدد مقادير هذه التعويضات على النحو التالي :
رؤساء الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 225 ألف نسمة يتقاضون التعويض عن التنقل الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 10 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل،
رؤساء الجماعات التي يفوق عدد سكانها عن 225 ألف نسمة يتقاضون التعويض عن التنقل الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 11 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل ،
رؤساء الجماعات ذات نظام المقاطعات يتقاضون التعويض عن التنقل الممنوح لمديري الإدارة المركزية وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل ،
نواب رؤساء مجالس الجماعات والمقاطعات وباقي أعضاء مجالس المجالس والمقاطعات يتقاضون التعويض عن التنقل الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 10 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل .
لقد اتضح لنا من خلال هذا التتبع للعمل الجماعي بالمغرب أن الفساد و الريع و تفشي الرشوة وسوء التدبير و اختلاس وإهدار المال العام ، هو السائد في أغلب الجماعات الترابية الموزعة على 12 جهة و75عمالة وإقليم و1503 جماعة تضاف إليها الغرف المهنية ( الغرف الفلاحية ، غرف الصناعة التقليدية ، و غرف التجارة و الخدمات ) حيث تهدر فيها ميزانية ضخمة تقدر ب 200 مليار درهم ، أو ما يزيد على ذلك بكثير ؛ كما أن 26 ألف منتخب جماعي يلتهمون ميزانية تعد بالملايير و تعتبر ريعا بامتياز يعطى بدون حق ؛ و قد تضاعفت هذه التعويضات في جنح الظلام دون حوار أو مفاوضات و لم تبرر بالسياق العالمي أو الدولي !! ميزانية يمكن أن نبني بها مئات المدارس و الجامعات و المستشفيات و المستوصفات و المسالك الطرقية و نحل بها ملفات آلاف الموظفين المقهورين …
و بالرغم من تقارير أجهزة الرقابة : المفتشية العامة للمالية و المفتشية العامة لوزارة الداخلية و تقارير المجالس الجهوية للحسابات و المجلس الأعلى للحسابات و غيرها من المفتشيات العامة للوزارات الأخرى التي أثبتت غياب النزاهة و الشفافية و التورط في اختلاس المال العام و نهبه و تبذيره ، فان أصحاب الحال و السلطة الوصية لم تحرك آليات الزجر و الردع ضد أعداء التنمية والعدالة والديمقراطية الذين لا يتقنون سوى بيع الوهم و الأكاذيب في الحملات الانتخابية ، مما جعل بعض هذه الكائنات تتحول من عائلات فقيرة إلى أباطرة للعقار و المال الحرام .. و الحقيقة أن كل التقارير التي تتم في الجماعات لم و لن تكون ضامنا لحماية المال العام من العبث و الاختلاس و التبذير ما لم تتم إحالتها على القضاء …، بالرغم من أن بعض الأحكام القضائية في مجال محاربة الفساد في المغرب تبقى محتشمة و لم ترق إلى المستوى المطلوب ولا تشجع على القطع مع الفساد و تلك قصة أخرى ؟؟
و إذا عدنا إلى الخطابات الملكية التي أشار فيها إلى استشراء الفساد بالواضح سنجد هذه الخطابات القوية لم تجد الآذان الصاغية لحد الآن .. ففي خطاب العرش 2016 يقول الملك
» يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده ، سواء كان شخصا ، أو حزبا ، أو منظمة جمعوية . بل أكثر من ذلك ، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده ، خارج إطار القانون. فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها ، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة ، وتجريم كل مظاهرها ، و الضر ب بقوة على أيدي المفسدين . والمجتمع بكل مكوناته ، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها ، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة ، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة …. »
كما يقول الملك في خطاب العرش لسنة 2017 . الذي كان فيه تحذير قوي لجميع المسئولين المفسدين والذين يعرقلون المشاريع التنموية وجميع المسئولين الذين لا يقومون بواجبهم. حيث يقول : » أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسئول ، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته ، ويستقل سيارته ، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس ، دون خجل ولا حياء ، وهو يعلم بأنهم يعرفون بأنه ليس له ضمير . ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم ، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله ، والوطن ، والملك ، و لا يقومون بواجبهم ؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسئول ، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه ؟؟ وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية ، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسئولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة. لأننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسئول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب … »
لكن للأسف فان الشعب المغربي و قف على تعارض هذه الخطابات الملكية القوية مع ممارسات لوبي الفساد الذي حوّل ميزانيات العمل الجماعي لمؤسسات تخدم المصالح الشخصية والعائلية فإضافة إلى التعويضات عن المهام و التنقل التي يتقاضونها بدون القيام بأي عمل أو مجهود يذكر فإنهم يلتهمون فصول ميزانيات البنزين و قطع الغيار و استغلال السيارت الفخمة في أغراض خاصة و الإطعام و الاستقبال و الفندقة و تسهيل الحصول على الصفقات العمومية لسماسرة الانتخابات دون احترام المساطر القانونية المعمول بها بتواطؤ مع السلطة الوصية و بعض الإداريين و التقنيين بالجماعات الترابية ؛ و السطو في تحت الطاولة على منح الجمعيات التي أصبحت تطرح أكثر من سؤال حيث يتحكم فيها المنتخبون وهم يمنحوها لذوي القربى و أفراد العائلة ولمن يدفع أكثر، كما أصبح هناك لوبيات متخصصة في نهب هذه المنح ، فمنهم من يستفيد من منح المجالس المحلية و مجالس العمالات والأقاليم و مجالس الجهات في الوقت ذاته و لا احد يستطيع الحد من هذا العبث و الإجرام الذي يمارسه المنتخبون الفاسدون ، لصوص المال العام ، في حق المغاربة …
إن ارتفاع حجم الفساد و الريع و تفشي الرشوة يعتبر أحد المعوقات الرئيسية أمام تحقيق التنمية بشكل عام على مستوى الجماعات الترابية؛ وهي ظاهرة خطيرة ، كما أشار إلى ذلك ملك البلاد بالواضح في خطاباته ، تكون لها آثار جد سلبية على المجتمع حيث تكلف الدولة الكثير من المآسي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي تقدر بالملايير . و إذا كانت قوة المجتمعات الديمقراطية من قوة مؤسساتها المنتخبة ، فإن المؤسسات التمثيلية في المغرب لا تعكس هذه القوة ؛ و لا تزال بعيدة كل البعد على أرض الواقع والممارسة الديمقراطية و خدمة الصالح العام ، و لا تزال مرتعا خصبا للريع والفساد والرشوة ، و لا يزال الفشل هو عنوان المرحلة بالرغم من مرور أكثر من عقد من الزمن على دستور 2011 الذي كان يروم القطع مع الفساد …
و للحد من نزيف الفساد ندعو وزير الداخلية ، أن يطبق بشكل صارم مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة ، كما أشار إلى ذلك ملك البلاد ، و العمل على تطبيق القانون 64 و 65 من القانون التنظيمي 14. 113 الذي يجيز لوزارة الداخلية ، باعتبارها الوصي على الجماعات الترابية ، التدخل لحماية الجماعات المحلية من عبث هؤلاء المفسدين المتورطين و إحالتهم على القضاء لإرجاع الثقة للمواطنين المغلوبين على أمرهم …..
و إذا تفضل وزير الداخلية أن يضع مقتطف من الخطاب الملكي حول الفساد لسنة 2017 في لافتات في كل مقرات الجماعات الترابية ( مجالس الجهات و مجالس العمالات و الأقاليم و المجالس المحلية و غرف الصناعة التقليدية و الغرف الفلاحية و غرف التجارة و الخدمات ) لعلهم يتقون و يهتدون …
Aucun commentaire