الأفعى التي أسكنتها الجزائر سدرة الصحراء ماتت
رمضان مصباح الإدريسي
بمراجعة كتاباتي عن الجزائر التي في الواقع، والتي في خاطري؛ وقد تجاوزت المائة مقالة ، تسببت لي في عنتٍ كثير؛ ولولا شساعة الحلم المغاربي، والإيمان بقوى التغيير في الجزائر، والتشبع بنداء تونس الذي دعا فيه الملك محمد السادس، صادقاً، إلى معاودة بناء اتحاد مغاربي على أسس جديدة؛ لولا هذا كله لانصرفت كلياً عن خريطة لا يصل إلي منها غير ساقط القول، كلما اقتحمت شعبة من شعابها الموحشة والآهلة.
يشهد الله أني كثيرا ما عبست في وجه غضبي، وأجهضت مشروع تخاذلي، وأنا أتذكر طفولتي في حي « لازاري » بوجدة؛ ضمن جيران صغار لم نكن نفهم معنى لنعتهم، من طرف الكبار، بالجزائريين المهاجرين. كيف؟ إنهم منا ونحن منهم، ومعا كنا لا ننتهي من إبداع مشاريع لعب لا تفشل أبدا. وُفقنا، نحن الصغار، في ما فشل فيه، حد الفضيحة، كبار جبهات التحرير والوطنية.
ذات صباح، أصبحنا على فرح الكبار باستقلال الجزائر الشقيقة، لكننا، نحن الصغار ماذا نفعل بمشاريع اللعب العالقة؟ مع من نسعد ونشقى، ونحن نرى جماعة « الدرب » تتضاءل كل يوم، لأن الأسر الجزائرية شرعت في شد الرحال، عائدة إلى الخريطة نفسها التي لم يعد تصل إلينا منها ولو كلمة طيبة؛ منذ أريد لقطار وجدة ألا يكمل سكته إلى وهران؛ ومنذ قررت جماعة وجدة- من ساسة الجزائر وحكامها- أن تمحو، بالماء القاطع، كل آثار أقدامها في ساحة سيدي عبد الوهاب، وواحة سيدي يحي.
من هنا، إصراري على ألا أفرط في أصدقاء الطفولة، أراهم اليوم في كل الشعب الجزائري الذي اغتالت حريته جبهة تنسب نفسها للحرية والتحرير ،حتى وهي تتمترس بجنرالات بقلوب من حجر،حولتهم مع الأيام إلى أوثان .
سأظل أستعيد عشرات السنين التي لم يحلم بها الجزائريون، وهم مستعمرون، بأي شيء؛ عدا الحمد والشكر للفرنسي الذي حررهم من الاستبداد التركي.
ثم حصلت المعجزة، وأذن الشعب بالقومة من أجل تحرير الأرض والهوية؛ لتنصهر ضمن جوارها التاريخي والجغرافي؛ كما سارت الأمور قروناً. ولو تواصلت، بكل مرجعياتها، لكنا اليوم خير اتحاد مغاربي أخرج للناس؛ ولما عششت الغربان والبوم، في أطرافه.
ما أشبه يأس بعضهم اليوم من الراهن الجزائري المتيبس؛ لكن المفتوح على أخطار ومغامرات شتى، بقرن من هذا اللاحلم.
ألا لا ييأسن أحد، لأن مغرب الشعوب كلها أقوى من حجة الجزائر الرسمية في التفرقة، وهي تراهن على تحفيظ التوتر، بما اتفق، ولو بزوجة مغاضبة لزوجها المغربي؛ أوبناقة شاردة تروح وتغتدي.
وما كتابي الرقمي المجاني « الجزائر بألوان متعددة .. إنتاج الزمن المغاربي الضائع »؛ إلا تأكيد على الثقة في مستقبلٍ، أراه قريباً، تنتصر فيه طلائع التغيير في الجزائر، لتستعيد الدولة التي اختطفت، تحت مسمى الاستقلال، من طرف أولئك الذين بُرمجوا على كراهية الجزائر والمغرب معا.
الاختلاف بين الجيران حيوي، وهو مدخل للبناء المتكامل؛ لكن شريطة ألا يكون خلافاً من زمن مضى، كما مضت كل شرور الحرب الباردة. نريد خلافا على أسس جديدة، لنبني اتحاداً مغاربيا على أسس جديدة كذلك.
على الأقل، سيبرهن هذا النوع من الخلاف على أن الجيل الحالي من المغاربة والجزائريين له كلمته، في ما يخص إبداع مستقبله.
فما أحوجنا اليوم، والعالم يلج نفقا جيوسياسيا موحشا، إلى إبداع سياسي مغاربي؛ يعرف كيف يروض عقد الماضي ،لينتج منها قوة دافعة نحو البناء والنماء،وصولا الى الاتحاد ؛على غرار الاتحاد الأوربي ،الذي نسي كلية أن بعضه نهش بعضا ،ذات حروب ولت.
حتى أطفال الجزائر اقتنعوا ،اليوم، بأن الحية التي أسكنها الجنرالات سدرة الصحراء،ماتت واحترقت ؛وينتظرون ميلاد الغزلان المغاربية اليافعة؛فهل يرقى القادة إلى تحقيق حلم صغارهم؟
Aucun commentaire