حديث الجمعة : » إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون »
حديث الجمعة : (( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون))
محمد شركي
من مشاهد القيامة ما أخبرنا به الله عز وجل مما يتعلق بحال المؤمنين، وهم في النعيم منعمّون ، وحال الكافرين وهم في الجحيم يعذبون ، و يتحسرون على ما فرطوا في جنب الله سبحانه وتعالى ، وهو يقرعهم على ذلك قبل أن يجعل الخسء مصيرهم ، ويمنعهم من توجيه الكلام إلى ذاته المقدسة ، وفي ذلك حجب لهم عنه يدل على غضبه وسخطه ، وعلى حرمانهم الأبدي من رحمته .
ولقد أجرى الله تعالى مقارنة بين حال المؤمنين المنعمين في النعيم ، وحال الكافرين المعذبين في الجحيم ، وذكر ما كان عليه كل في فريق في الحياة الدنيا التي جعلها ابتلاء لهم جميعا ، ففاز من فاز في الابتلاء ، وخسر من خسر فيه منهم. وبيان هذا قوله تعالى مخاطبا الخاسرين من الكفار :
(( ألم تكن آياتي تتلى عليكم وكنتم بها تكذّبون ))، ثم يذكر بعد ذلك ردهم على هذا الاستفهام: (( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون )) ،ويأتيهم الرد منه جل شأنه : (( قال اخسئوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا بك فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون )) .
ففي هذا النص القرآن كشف للحوار الدائر بين الله عز وجل وبين الكافرين، وهم في الجحيم يعذبون ، ولا يجدون ما يعتذرون به سوى نسبة كفرهم لشقاء غلب عليهم وهو عذر لا يقبل منهم يومئذ ، ولا يقبل منهم طلب العودة إلى الحياة الدنيا ثانية ، والخضوع للابتلاء مرة أخرى ليغيروا من حالهم ، ويصيروا مؤمنين خلافا لما كانوا عليه من كفر لكن طلبهم هذا يقابل بالرفض وبالخسء ، والمنع من الكلام مع خالقهم ، وفي هذا تيئيسهم لهم من الحصول على ما يرجونه ، وهو ما يزيدهم حسرة وندما وألما ومعاناة ،وهم يذوقون ألوانا من العذاب المهين في عقرالجحيم.
ويذكرهم الله عز وجل بموقفهم الساخر من عباده المؤمنين في الحياة الدنيا ، وذلك بسبب إيمانهم وإسلامهم ، وهو في الحقيقة من دين الله عز وجل . و لقد كانت هذه السخرية سببا في غفلتهم عما جاء به الإسلام من هدي محمود العاقبة في دار الجزاء بعد الرحيل عن دار الابتلاء . ومن شقاوة الكافرين وتفاهتهم وغبائهم أنهم انصرفوا عن دين الله عز وجل، وشغلوا عنه بالعبث المتمثل في التسلي والسخرية والضحك من المسلمين ، ولو أنهم تخلوا عن كبريائهم ، وشغلوا به عوض السخرية والضحك منهم لكان ذلك سبيلا إلى نجاتهم من عذاب أبدي في الجحيم . وهل يوجد أغبى أو أبلد ممن ينشغل عن الجد الذكر بالهزل منه ومن أهله ؟
ولقد نقل لنا القرآن الكريم سخرية الكافرين بالمؤمنين في قوله تعالى : (( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين )) . إن هذه الآية الكريمة تصور لنا غرور هؤلاء الكافرين وظنهم الباطل أنهم أهدى من المؤمنين، وأذكى، وأفضل منهم، وكأنهم أوصياء ووكلاء عليهم يحكمون عليهم بالضلال مع أنهم في الحقيقة هم الضالون ، وقد جرّم الله تعالى موقفهم الخسيس هذا .
إن هذا الموقف العدواني والإجرامي الصادر عن الكافرين تجاه المؤمنين يتكرر في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة ، وله أشكال وأساليب تختلف باختلاف العصور والبيئات ، ذلك أن السخرية بهم ، والضحك منهم ، والتغامز يكون بطرق شتى منها النظرة المحتقرة إما لهيآتهم ،أوأحوالهم ،أوأقوالهم ،أوأفعالهم ، مع الاستعلاء عليهم، والاستقواء بما هم عليه من ضلال في هيآتهم ، وأحوالهم، وأقوالهم ، وأفعالهم ، وهم يظنون أنها عين الصواب ، وأنها الحقيقة التي لا يأتيه باطل من بين يديها أو من خلفها ، وأنها لا تقبل النقاش أو المراجعة .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه كثير من المحسوبين على الإسلام من مغبة وخطورة تقليد الكافرين في سخرتهم ،واستهزائهم ،وضحكم من المؤمنين ، وهم يظنون أنهم أهدى منهم وأرشد . ولا بد أن نشير هنا إلى أن المحسوبين على الإسلام ،والذين يجارون الكافرين في احتقارهم للمؤمنين نوعان : نوع يفعل ذلك عن وعمد وقصد، وهم يظهرون الإسلام ويبطنون غيره ، ونوع آخر يفعل ذلك مقلدا تقليدا أعمى دون أن ينتبه إلى مغبته وخطورته ذلك .
و لهذا نجد النوعين معا يسخرون من المؤمنين إما بسبب هيئاتهم وأحوالهم ، أو بسبب شعارهم الدينية ، أوبسبب إيمانهم بالغيب … إلى غير ذلك مما يكون مادة للسخرية والاستهزاء والضحك . وينسى هؤلاء بنوعيهم أنهم بذلك يتخندقون مع الساخرين من الكفار في خندقهم ،ويتلبسون بأحوالهم دون التنبه إلى ما جاء في الذكر الحكيم من تحذير ووعيد لمن يتخذ المؤمنين مسخرة وهزءا وضحكا ، وهو في الحقيقة سخرية بدين الله عز وجل، وبكتابه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم . واشتغال الكفار ومن يجارونهم من المحسوبين على الإسلام بالسخرية من المؤمنين هو ما يشغلهم في الحقيقة عن النظر في كتاب الله عز وجل وتدبره ، ذلك أن معظم هؤلاء يجهلون ما فيه جهلا فظيعا، ومع ذلك يخوضون فيه خوض الساخرين لأن هدفهم هو التعريض به من خلال التعريض بالمؤمنين .
ومع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق، يسوق الكفار سخريتهم واستهزاءهم وضحكهم من المؤمنين عبرها ، وعنهم يتلقفها المحسوبون على الإسلام سواء منهم أصحاب النوايا و الطوايا السيئة أو المقلدون التقليد الأعمى . ولا تكاد النكات المضحكة تحلو لهم إلا إذا ارتبطت بأحوال، وهيآت، وأقوال، وأفعال المؤمنين ، ولا يقفون عند حد مجرد تداولها فيما بينهم بل يأمرون غيرهم بتسويقها ونشرها على أوسع نطاق ، والكفار مغتبطون بذلك ، وهم يسخرون من سذاجتهم وغفلتهم وتقليدهم الأعمى لهم ، وتسخيرهم للقيام بالسخرية من إخوانهم نيابة عنهم أوبالوكالة عنهم . ومن هؤلاء السذج صنف من المهرجين المحسوبين على الفن، والذين يجعلون من المؤمنين ومن دين الإسلام ، ومن القرآن الكريم ، والحديث الشريف موضوع ما يقدمونهم من عفن باسم الفن يضحكون به الكفار ، ويسلونهم به دون مراعاة مشاعر المؤمنين ، ودون الوعي بخطورة ما يفعلون ، وبمغبته يوم يرحلون عن هذه الدنيا الفانية .
و مما جاء في الذكر الحكيم ما يعزي المؤمنين المستهدفين بسخرية الكافرين وبمن يقلدونهم من المحسوبين على الإيمان من مخادعين ومن مغفلين وهو قوله تعالى : (( إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون )) وقوله أيضا : (( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون )) .
ولا بد في الأخير من تنبيه المؤمنين إلى ضرورة التزام التدين الصحيح البعيد عن البدع والضلالات التي تنسب إلى الإسلام زورا وبهتنان لأن ذلك من شأنه أن يجعل دين الله عز وجل عرضة لسخرية الساخرين من الكفار ، ومن على شاكلتهم من المحسوبين على الإسلام من مخادعين أومن سذج مقلدين لهم .
اللهم إنا نعوذ بك أن ننجر إلى تقليد ومحاكاة الكفار في سخريتهم بالمؤمنين ، ونعوذ بك أن نتسبب في جرّ سخرية أو استهزاء إلى دينك أو إلى عبادك المؤمنين غفلة منا ، ونعوذ بك من مصير الساخرين منهم يوم الدين .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
Aucun commentaire