نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(6)
نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(6)
بقلم: د – خالد عيادي
بعد هذا التقديم الموجز عن « البنيوية »، يحق لنا الآن أن نتحدث عن « البنيوية التكوينية » أو « البنيوية التوليدية » ، باعتبارها منهجا قام على أنقاض مناهج نقدية عقيمة، لم تعد ترضي الناقد الغربي، أو ترقى إلى مستوى ثقافته المعاصرة ، أوطموحاته العلمية أو ذائقته الأدبية. وعليه فقد ظهرت طريقتان أساسيتان في النقد السوسيولوجي الأدبي هما:
أولا : طريقة السوسيولوجيا التجريبية التي تدرس العناصر الخارجية عن النص الأدبي مثل: دراسة « القراء » و »الكتاب » و »الناشر »..
ثانيا: طريقة السوسيولوجيا الجدلية، والتي أطلق عليها « لوسيان كولدمان » « البنيوية التكوينية » فيما بعد، وهذه الطريقة هي التي تزعمها كل من « لوكاتش » و »كولدمان » و »جاك لينهارت » و »بييرزيما » و »ميشال زيرافا »([1]). فهؤلاء النقاد اشتغلوا بما يسمى أيضا « النقد السوسيولوجي الأدبي »، الذي يهتم بربط مجموع البنى الأدبية من « رواية » أو »مسرح » أو »قصة » أو »شعر » بمختلف « البنى التحتية » ربطا يقوم على « التناظر » أو »التماثل » أي « التشابه » إلى حد ما، وليس على الانعكاس الآلي، مثلما تفعله المرآة وهي تعكس لنا الأشياء.
إن « البنيوية التكوينية » تتكون من كلمتين: « البنيوية » و »التكوينية »، وهي أي « التكوينية » عبارة عن مرحلة متعلقة بالتكوين أو التوليد. أي ربط العمل الأدبي بالبنى الاجتماعية أو الثقافية الموجودة خارجه. وبعبارة أخرى، النظر في مجموع البنى الخارجية المختلفة التي عملت على « تكوين » أو « توليد » النص الإبداعي، وإدراك وظيفته ضمن الحياة الثقافية في الوسط الاجتماعي([2]).
وإذا كانت « البنيوية التكوينية » بهذا الطرح الجديد قد ردت الاعتبار للأدب في خصوصيته، فمعنى ذلك أن النقد كان قد انحرف عن مهامه الطبيعية لأسباب سياسية وأيديولوجية. خاصة مع المنهج النقدي الاشتراكي أوالإيديولوجي، أو مع المنهج النفسي. فجاءت البنيوية التكوينية مع « لوسيان كولدمان » لتنطلق من العمل الأدبي ذاته وتستثمر منهجية سوسيولوجية، وفلسفة خاصة لإضاءة النص في بنياته الدالة، وتحديد مستويات إنتاج المعنى([3])
إن « البنيوية التكوينية » فلسفة متكاملة ذات منظور نقدي سوسيولوجي يتجاوز سلبيات النقد الإنطباعي أو النفسي، و يسعى إلى تحقيق وحدة بين الشكل والمضمون، وبين حكم القيمة وحكم الواقع، وبين التفسير والفهم، في جدلية تعتبر جوهر »البنيوية التكوينية ». ورغم ما يبدو على هذا المنهج من التكامل والتنظير، فإنه لا يخلو من عيوب ونقائص يمكن ذكر بعضها. منها: أن المنهج يركز على الجوانب الموضوعية في تحليل الظواهر الأدبية، ويقلل من شأن الجهود الفردية، ويتجاهل الأصالة والعبقرية الذاتية.
كما أن كثيرا من مفاهيم هذا المنهج يكتنفه شيء من الغموض، مما يؤثر سلبا على نتائج العملية النقدية، وعلى استيعاب المنهج. ثم إن » لوسيان كولدمان » لا يميز بين الأعمال الرديئة والأعمال الجيدة، مما جعل تطبيقاته لا تتعدى الأعمال الأدبية المشهورة. كذلك لوحظ أن « النص الأدبي » في التحليل البنيوي التكويني يتوارى وراء الحضور المكثف للعناصر الخارجية، سواء كانت ذات طبيعة اجتماعية، أو اقتصادية، أو ثقافية… كما أن جل المقولات التي أتى بها « لوسيان كولمان » أو تبناها يمكن أن تصدر عن أي فيلسوف بعيد عن المجال الأدبي. ولقد عيب على « لوسيان كولدمان » انشغاله الكبير بإبراز المرتكزات الفلسفية لعلاقة العمل الأدبي بالواقع([4]).
والواقع أنه مهما لوحظ على أعمال هذا الناقد الفيلسوف، فإنه لا يمكن أن ينقص ذلك من قدره شيئا. وحسبه هنا أن نسوق شهادة لناقد كبير مثل « جاك دوبوا » حيث يقول: « ويفضل أن نشير إلى أن تجربة « لوسيان كولدمان » تجربة ذات أهمية وأن نشير إلى أنه في السابق لم يتم الوصول مطلقا إلى هذا العمق في التأويل المتأني لمنشأ وبنية النصوص الأدبية.« ([5])
………………………………………………………………………………………………………
([1]) أثر المنهج السوسيولوجي في الدراسات النقدية العربية د: عبد الرحمان بوعلي. مجلة الوحدة عدد 49 سنة – 5- 1988 ص34.
([2]) لمزيد من التوسع في فهم مصطلحي « البنية » و »التكوين » ينظر مقال د. جمال شحيد « في البنيوية و التكوين » مجلة المعرفة عدد 225 – 1980 ص 27/29.
([3]) البنيوية التكوينية والنقد الأدبي- جماعة من النقاد. ترجمة محمد سبيلا. .
([4]) النقد الأدبي المعاصر حول الشعر بالمغرب د: جميلة حيدة 1960- 1990. أطروحة لنيل الدكتوراه.
Aucun commentaire