لن تعرف الشعوب العربية طريقها نحو الخلاص ما لم تتخلص من وصاية الغرب عليها
لن تعرف الشعوب العربية طريقها نحو الخلاص ما لم تتخلص من وصاية الغرب عليها
محمد شركي
يجمع أهل الدراية والخبرة والتخصص أن أحداث الحادي عشر من شتنبر كانت بداية تنزيل مخطط غربي مشئوم لفرض وصاية أكبر على الشعوب العربية بعد الوصاية التي فرضت عليها إبان فترة الاحتلال الغربي السابقة .
ولقد حصل للشعوب العربية من الوعي بمؤامرات الغرب ما لم يحصل لها من قبل حيث فضحت جهات غربية تلك المؤامرات من خلال ما تم تسريبه من وثائق على غرار وثائق » ويكليكس » ، ومن خلال تصريحات بعض من كانوا في مراكز صنع القرار ، وحتى من خلال مؤلفات وأفلام وثائقية وسينمائية عالجت جوانب من تلك المؤمرات التي باتت مكشوفة . وقد ساعد الوعي الحاصل لدى الشعوب العربية على فهم واقعها فهما جيدا ، وسقطت أقنعة أنظمة تبين أنها تطبق أجندات غربية ، وأن وجودها وبقاءها رهين بهذا التطبيق .
وتأكدت الشعوب العربية بما لا يدع مجالا للشك أنها تعيش تحت وصاية الغرب ، وأنها لن تعرف طريقها نحو الخلاص ما لم تتخلص منها .
ولقد كانت انتفاضات وحراكات وثورات الشعوب العربية التي سميت ربيعا دليلا على وعي هذه الشعوب بخطورة وصاية الغرب عليها ، هذا الغرب الذي يخادعها من خلال التظاهر بأنه يدافع عن حقها في الديمقراطية التي ينصب نفسه وصيا عليها وناطقا ومتحدثا باسمها ، وفي نفس الوقت يدعم أنظمة تستبد بها وتحول دون حقها في الديمقراطية الحقيقية التي تخولها حكم نفسها بنفسها من خلال قوانين وضوابط تجعل من يحكمونها تحت الرقابة والمحاسبة لا فوقها .
ولقد بدأت شرارة الوعي من تونس بسبب بلوغ النظام المستبد فيها أوج استبداده ، ثم سرعان ما انتقلت الشرارة إلى مصر التي لم يكن النظام فيها أقل استبدادا من النظام المستبد في تونس ، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ليبيا التي قهر شعبها الاستبداد ، ثم إلى سوريا حيث يوجد أعتى نظام مستبد ، ثم إلى اليمن ولم يكن الاستبداد فيه أقل ضراوة من غيره. واستمر الحال كذلك إلى أن انتشرت تلك الشرارة في الجزائر وفي السودان وفي لبنان .
ولا يمكن أن يصدق عاقل بأن هذا الذي حدث في هذه الأقطار العربية محض صدفة أو صناعة غربية كما يعتقد البعض بل هو نتيجة بلوغ الاستبداد فيه ذروته ، وهو استبداد مدعوم من طرف الغرب الذي تتوقف مصالحه على وجود ه وبقائه واستمراره .
ولقد كان من الممكن أن يفضي الربيع العربي إلى تجارب ديمقراطية ناجحة إلا أن الغرب سارع إلى إفراغها من محتواها فبادر بإفشال أول تجربة ديمقراطية في مصر من خلال تزكية انقلاب عسكري دموي عليها أحل محل الديكتاتورية المنهارة ديكتاتورية أعتى منها . وكان إفشال التجربة الديمقراطية في مصر سببا في فشل باقي التجارب التي تلتها .
ولقد تذرع الغرب في إفشال التجارب الديمقراطية بذريعة مفادها أن هذه التجارب قد تكون نهاية للديمقراطية بحيث توصل إلى الحكم أو إلى مصادر صنع القرار ما يسميه » الإسلام السياسي » الذي أعلنه خصما ، وأعلن عليه الحرب . ولقد كانت هذه الذريعة سببا في وقف سير باقي الشعوب العربية نحو تحقيق مطلب الديمقراطية حيث حوّلت بفعل فاعلين الانتفاضات والحراكات والثورات إلى حروب وصراعات أهلية وطائفية كما هو الشأن في اليمن وسوريا وليبيا ، وذلك حتى لا تفضي إلى ما أفضت إليه التجربة في مصر وتونس . وأوكل الغرب إلى الانظمة الخليجية مهمة تمويل الإجهاز على التجارب الديمقراطية في الوطن العربي ليظل الوضع فيه على ما كان عليه قبل الربيع العربي ، وهو الوضع الأنسب لصيانة مصالح الغرب الاقتصادية ، ذلك أن خلاص الشعوب العربية من أنظمة مستبدة فاسدة وتمكنها من ديمقراطيات حفيقية سيقطع الطريق على جشع الغرب وطمعه المكشوف في مقدرات الوطن العربي من مختلف الثروات التي بها يعتبر هذا الوطن الأغنى في العالم .
ولقد اشتد حرص الغرب على ألا ينجح أي نموذج للديمقراطية في الوطن العربي لهذا لجأ عن طريق التمويل الخليجي إلى محاولة إفشال كل حراك يهدف إلى السعي نحو تحقيق الديمقراطية الحقيقية . ولنا أمثلة واضحة فيما حدث في السودان والجزائر حيث تدخل الجيش فيهما لمنع المسار الديمقراطي بغرض الإبقاء على ما كان عليه الوضع قبل الحراكات . ولقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك تورط الغرب فيما حدث في السودان والجزائر خوفا على مصالحه المهددة فيهما إن نجحت فيهما تجربة ديمقراطية . ولقد كان التمويل الخليجي لإفشال التجربة الديمقراطية في السودان واضحا حيث كان قادة الجيش يطيرون إلى عواصم خليجية لتلقي التعليمات والتمويل الذي به يكون تنزيلها . وما حصل في السودان بشكل علني حصل في الجزائر بشكل فيه بعض التمويه لطمس معالم تلقي التعليمات الخارجية التي تفضي في نهاية المطاف إلى تنزيل القرار الغربي . وما حصل في السودان والجزائر هو في طريق الحصول في لبنان والعراق ، ثم إلى كل بلد عربي ينشد شعبه الديمقراطية ، أو تنجح فيه تجربة ديمقراطية أو توشك على النجاح .
ومع أن ذريعة الخوف مما يسميه الغرب » إسلاما سياسيا » باتت مكشوفة لدى الشعوب العربية ، فإن الغرب والأنظمة العربية المستبدة التي تنزل أجندته لا زالوا يسوقونها ويرتزقون بها للتمويه على صيانة مصالحهم المشتركة بحيث يحصل الغرب على ما يريد من مقدرات الوطن العربي مقابل بقاء الأنظمة المستبدة في حكم أطول مدد ممكنة ، وهي أنظمة يضحي الغرب بين الحين والآخر ببعضها واستبدالها بما هو أعتى منها بعد استغلالها إلى أبعد حد ممكن كما حصل مع الأنظمة التي انهارت بسبب ثورات وحراكات الربيع العربي .
ولقد بات من المؤكد أن الوضع الحالي في الوطن العربي الذي يريد الغرب إطالة عمره أطول مدة ممكنة لاستغلاله وجني ثماره وعلى رأسها مصالحه المادية وهو وضع ترفضه الشعوب العربية التواقة إلى حياة أفضل ومستقبل واعد بالتقدم لا يمكن أن يستمر طويلا خصوصا مع تغيير البنيات الديمغرافية في هذا الوطن حيث صار شبابه يمثل الأغلبية ، وهو شباب على واعي تام بما يحصل في وطنه ، وهو شباب يهدد مستقبله الوضع الذي يريد الغرب فرضه عليه عن طريق دعم أنظمة لا تساير طموحاته باعتمادها المقاربات الأمنية لقمعه عوض المقاربات التي تستجيب لمطالبه وعلى رأسها تحقيق الديمقراطية والقطيعة مع كل رموز الأنظمة المستبدة والفاسدة .
ولما كان الأمل الوحيد الذي لا ينقطع هو الأمل في الله عز وجل ،فعليه المعول لتخرج الشعوب العربية من هذه الوضعية المزرية قريبا بمشيئة من يرجع إليه الأمر كله وإليه المصيرسبحانه وتعالى .
Aucun commentaire