Home»National»حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار ـ 3 ـ

حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار ـ 3 ـ

0
Shares
PinterestGoogle+

3تابع
غادرت ميناء الجزيرة الخضراء على متن القطار، ولم اجد كبير اختلاف بينه وبين قطارنا اللهم خلو الاسباني من الدرجة الاقتصادية سيئة الذكر!
لم استغرب ، لأن الاسبان كانوا قد شرعوا لتوهم في التخلص من ارث الديكتاتور فرانكو، وبدأوا يتدافعون نحو مظلة الاتحاد الأروبي الذي انتهى اختياره الى هذا المسمى.
اذا لم يكن من فضل للحاكم الشمولي على الشعوب، فان فرانكو من جانبه، قد روض مواطنيه على التعصب الأعمى للغة الاسبانية، الى درجة امتناع مواطني هذا البلد عن التجاوب مع أي لغة أخرى.
كنت وباقي المسافرين الاجانب ضحايا هذا التعصب للغة القومية كما سيتضح.
كان القطار الذي سافرنا على متنه صغيرا من صنف (omnibus),وما ان ابتعدنا عن جنوب البلد حتى شدت انتباهي مناظر طبيعية تحيل على تضاريس الاطلس الكبير.
وهكذا، لاحظت أن القطار يخترق بطون جبال شاهقة ، ثم ما يلبث أن يتسلل عبر جسور ضخمة تصرف العيون عن النظر الى الأسفل!
لقد تمكن الاسبان من ترويض تضاريس وعرة فتمكنوا من انجاز شبكة طرقية نموذجية دون أن يحجب ذلك العديد من مظاهر التفاوت الطبقي.
كان الرعاة يتبعون قطعانهم بسحنات تضاهي سحنات نظرائهم عندنا، والذين لا يختلفون عنهم الا في الاسماء، كما كان بعض الفلاحين يستنجدون بالدواب في خدمة الأرض.
شغلني غنى الطبيعة عن الاهتمام بوعثاء السفر الى أن توقف بنا القطار في محطة غرناطة بدل وجهتنا الحقيقية!
اكتشفنا أننا كنا ضحايا عدم المامنا بالاسبانية التي يوظفها اهل البلد لاستغلال السياح بشراء تذاكر اضافية!
كان علينا أن ننتظر عدة ساعات قبل أن يصل القطار الذي نكمل عبره رحلتنا.
اغتنمت الفرصة ،فقمت بجولة قادتني الى قصر الحمراء!
أنساني جلال المكان فيما كنت بصدده.
كان الصرح اية في فن العمارة الاسلامي ، غير أنه خلا من الامراء والحريم والخدم فناب الصمت، وكفت أسود الحديقة عن الزئير حزنا على فراق الاحبة حتى تحجر الماء في افواهها!
تخلص الفرنجة من المسلمين بابشع الطرق، لكن همجية الانتقام خجلت من خدش المعالم الحضارية التي تحولت الى معين رزق لا ينضب!
كنت أرنو الى جنبات القصر المنيف ففهمت سر ابداع ابن زيدون في وصف صبابته وهو يشكو حرقته لولادة بنت المستكفي.
استرجعت ذكرى حلول زرياب بالاندلس حين امتثل لنصيحة استاذه اسحاق الموصلي الذي لم يحتمل حظوة التلميذ لدى هارون الرشيد فخيره بين الهجرة الى الاندلس والنهاية المأساوية!
استقبل زرياب من طرف امير الأندلس، وتمكن من ابداع توليفة بين اهات بغداد وميس القدود الممشوقة التي ظلت توزع الانتشاء في حاضرة اجتمعت فيها كل عناصر الدعة والحياة الباذخة!
كان من المنتظر أن يهيم المسلمون في هذه الأرض الساحرة الى درجة الضياع، لان سحر الاشياء قد امتد لكل جوانب الحياة!
عندما حان موعد وصول القطار،تمنيت لو طاوعتني شياطين الشعر في نظم بكائية أعزز بها حرقة أبي البقاء الرندي حينما رثا حواضر الفردوس المفقود وهي تتهاوى كما تتهاوى النجوم مع انبلاج الصبح!
يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *