اوروبا تتخلص نهائيا من شوكة البوليزاريو ، وسياسيون جزائريون كبار يكشفون زيف الخطاب الجزائري الرسمي حول الصحراء المغربية
بقلم
: عبد الكريم الموس)
الرباط
12 – 11 – 2004 بقرار ألبانيا سحب اعترافها ب« الجمهورية الصحراوية » الوهمية، والذي أعلن يوم الثلاثاء الماضي بتيرانا أياما قليلة بعد قرار مماثل لجمهورية صربيا والجبل الأسود، تكون القارة الأوروبية، بوزنها الاقتصادي وثقلها الأخلاقي والحضاري ومكانتها الريادية على الصعيد السياسي الدولي، قد تخلصت من ألم شوكة كانت قد أصابت بعض بلدان القارة في حمأة الحرب الباردة وما تمخض عنها من أوضاع صارت اليوم في حكم الماضي .
وبذلك لم يعد أي صوت أوروبي يصطف إلى جانب الانفصاليين أو من يقف وراءهم، في وقت انكشفت فيه لعبة التنكر.
إن قراءة في هذين القرارين بسحب الاعتراف، واللذين يتوجان سلسلة من القرارات المماثلة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لا يمكن إلا أن تسترعي انتباه كل محلل مطلع، وذلك بالنظر إلى القيم التي تمجدها أوروبا والتي تحكم المعيش اليومي للأوروبيين.
إنه لمن نافلة القول التذكير بأن أوروبا، هي مهد كرامة الإنسان وحقوقه في كليتها، هي منبت الديمقراطية ومستلزماتها وملتقى الثقافات المختلفة، وبوثقة الحضارات المتنوعة، والنموذج الحي لسيادة القيم الاجتماعية والفضاء الأكثر ضمانا لاحترام الأقليات وتلاحم المجموعات البشرية.
من هنا إذن عمق وثقل الرسالة الأوروبية، والتطمين الذي عززت به موقف المغرب بشأن قضية الصحراء، ومن هنا بالطبع قوة الصفعة التي وجهتها للآخرين.
إن الإنجازات في مجال السياسة تقاس بداهة بقيمة منجزيها وتتعزز بالطبع بتصميمهم . والمغرب لا يمكن إلا أن يبدي ارتياحه لذلك، وهو الذي لمس، مؤخرا أيضا، كيف أن طرحه الرامي إلى إيجاد حل سياسي متوافق بشأنه لقضية الصحراء، يحظى بدعم منظمة الأمم المتحدة، ذلك الدعم الذي تأكد في قرار مجلس الأمن رقم 1570 الذي تم اعتماده بإجماع أعضاء المجلس.
وإذا عدنا إلى منطقتنا، منطقة المغرب العربي، غير بعيد عن أوروبا، حيث زمجرت أصوات وازنة، صارخة في وجه الجزائر نفسها، أمس واليوم، للتأكيد على عدالة طرح المملكة المغربية ودعم مواقفها الصائبة ورفع الستار، عن الانشغالات الحقيقية للشعب الجزائري، المهتم أساسا بمعيشه اليومي وبالجهد المضني الذي يتعين القيام به من أجل بناء مستقبله. إن « الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية » لم تعد البتة ضمن اهتمامات الشعب الجزائري. وهو في هذا يبقى غير آبه ، بل ممتنع، عن الدعاية التي تنشرها الدائرة الضيقة للجهات الرسمية
ومن بين هذه الأصوات التي دوت بقوة، ومن قلب الجزائر ذاتها، هناك في المقام الأول صوت الجنرال خالد نزار الذي تولى مهام سامية مدنية وعسكرية في بلاده والذي يعرف تمام المعرفة وأكثر من غيره المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تشكل سلطة داخل السلطة
.
ففي رده على سؤال لـ« إذاعة فرنسا الدولية » حول تصوره لتسوية قضية الصحراء لم يتردد الجنرال خالد نزار، الرجل الذي يزن ما يقول وما يفعل، في استبعاد خيار الاستقلال، وهو الطرح المفضل عند السلطات الجزائرية، ودعا بالمقابل إلى إيجاد حل وسط كفيل بتسهيل بناء الصرح المغاربي.
وهو في ذلك لا يقول شيئا آخر غير ما يقول به المغرب، ليتبنى بالتالي وبشكل علني الفكرة المركزية التي تنادي بها بلادنا، والتي تطلب منها تنفيذها، توظيف رصيد ديبلوماسي مع ما يتطلبه ذلك من أسلوب سياسي بناء ومبادرات منفتحة.
وفي سياق رياح الحقيقة القوية هاته، التي تهب على الطبقة السياسية الجزائرية ومن خلالها الجماهير الشعبية كشف الشيخ عباس مدني، الزعيم الروحي للحركة الإسلامية والقائد التاريخي للجبهة الإسلامية للإنقاذ زيف الخطاب الرسمي الجزائري حول قضية الصحراء مؤكدا أن « الصحراء مغربية وأن ما يجري حاليا ما هو إلا مزايدات حول الموضوع، بهدف إذكاء الحقد والكراهية بين شعبين« .
فماذا بعد هذا الخطاب الواضح والصريح ؟ وهل من شيء أكثر إقناعا من إحالة هذا الرجل على التاريخ وعلى أحداثه، والوقائع ،كما يقال، تشبه الأكياس، فهي لا تنتصب واقفة عندما تكون فارغة.
ويضيف عباس مدني « لا أرى كيف يمكن للمملكة المغربية أن تتنازل عن متر واحد من الصحراء » مذكرا بأن الشعب الجزائري لا يشعر بأنه معني بقضية الصحراء.
ومن جبال القبائل، ردد الوزير السابق وزعيم حزب « التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية » السيد سعيد السعدي الموقف ذاته، ألا وهو عدم اكثرات الشعب الجزائري بقضية الصحراء مشيرا إلى أن أزيد من 90 بالمائة من الشعب الجزائري لا تهتم بالبوليساريو وأن قضية الصحراء هي مسؤولية الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في الجزائر.
فإلى متى سيتغاضى النظام الجزائري عن أصابع الاتهام الموجهة إليه والتي انضمت إليها هذا الأسبوع السيدة لويزة حنون الناطقة باسم حزب العمال حيث أكدت أن حزبها لا يدعم لا البوليساريو ولا مخطط بيكر، داعية حكومة بلادها إلى الكف عن تقديم الدعم لهذه الحركة الإنفصالية.
ويبدو من خلال مجمل هذه التصريحات أن الخطاب الرسمي الجزائري، حول ملف الصحراء، فقد مصداقيته داخل الجزائر ذاتها، وأن النظام الجزائري بات يتخبط لوحده بعيدا عن توجه الرأي العام وفي قطيعة تامة مع قواه السياسية
.
كما أنه يتضح جليا من خلال هذه المواقف أن الشعب الجزائري لا يساند على الإطلاق أطروحة التقسيم التي يلوح بها عدد من قادته، ويؤكد بالمقابل أنه يفضل تحقيق المصالحة والوحدة والتعايش الأخوي وهو نفس الشعور الذي يبرهن عنه بقوة مجموع الشعب المغربي، وهو الشعور الذي لم يتبدل ولم يعاكس مجرى التاريخ، الذي يغلب، في مبادراته ، التفكير العميق على ردة الفعل المتسرعة وروح التوافق على المواقف المتشنجة.
ومن هذا المنطلق، فإن التنازل عن شبر من أرض الصحراء، لم يكن أبدا، في المغرب لا فرضية ولا حتى موضوعا للنقاش. فالمغربي متعلق بقوة بأرضه ويتوفر، في سبيل الدفاع عنها ، على خزان لا ينضب من العزم والإصرار.
وفي سياق هذه الروح يحتفل سنويا بذكرى المسيرة الخضراء لاستحضار بعدها واستخلاص العبر منها. وفي ذكرى هذه السنة التي تم تخليدها في السادس من نونبر تلقى جلالة الملك محمد السادس برقية تهنئة من العقيد معمر القذافي، قائد الثورة الليبية ، تهنئة تتضمن في طياتها رسالة تحمل دلالة أكثر عمقا، وهي دعم ليبيا لحقوق المغرب واحترام وحدته الترابية وهو ما يؤكد أن الأمور تنتهي دائما بالعودة إلى نصابها مع مرور الزمن .
Aucun commentaire