حكايا استاد متقاعد ـ الحلقة 14 : 5 من المكاسب الثقافية بالجامعة
صادف حلولنا بالجامعة نماذج من الطلاب الذين لبسوا هذه الصفة فكانت على المقاس.
لقد عبر هؤلاء عن تكوين رصين عكسته مناقشاتهم للقضايا التي كان يمور بها مجتمعنا يومئذ،ولكن وبالخصوص عندما ينظم نشاط ثقافي: عرض مسرحيات أو إلقاء محاضرات.
مازلت أتذكر الموقف الذي وجد فيه الفنان المسرحي الراحل،محمد تيمد،نفسه بعد عرض مسرحيته،،الفال والمحال،،حيث كان على موعد مع مداخلات تنم عن مستوى غير متوقع مما اضطر صاحب المسرحية إلى نوع من الإقرار ،،بالهزيمة،،!
لقد تمكن معظم هؤلاء الطلبة المرموقين من احتلال الأماكن التي يستحقونها في الأحزاب التي ينتمون إليها،وفي الوظيفة العمومية كذلك.
لم يكن من الغريب أن تثمر الجامعة مثل هذه النماذج المتميزة،فقد كانت كانت الظرفية تغلي بالأفكار الجديدة التي عكستها مؤلفات صدرت في تلك الفترة.
عندما بدأنا حياتنا الدراسية بفاس،كان المثقفون العرب ينتشون بمضامين رواية،،موسم الهجرة إلى الشمال،،للمرحوم ،،الطيب صالح،،وهي من الروايات التي بصمت الساحة السياسية شرقا وغربا.
وبالموازاة مع هذه الرواية،القنبلة،كان الدكتور ،صادق جلال العظم،يعيش على وقع المحاكمة التي تعرض لها مؤلفه الشهير،،نقد الفكر الديني،ثم جاء دور الدكتور ،طيب تيزيني،ليشغل الناس بكتابه،،مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط،أما السوري،بوعلي ياسين،فقد أصدر بدوره كتابه الذي فتح افاق الشباب المثقف،وهو،،الثالوث المحرم،.
لقد توالت الإصدارات الهادفة،ولم يكن المغاربة خارج السرب،فقد تمكن السيد مبارك حنون من رج الساحة الثقافية من خلال بحثه الرائع والذي كان بعنوان،،ظاهرة ناس الغيوان، وهو ما زاد من شهرة هذة المجموعة الغنائية الخالدة!
إن العناوين التي فعلت فعلتها في الساحة الثقافية يومئذ لا يتسع المجال لاستعراضها جميعا ولا ترتيبها قيميا،وإلا تطلب الأمر جردا طويلا ليس هذا مجاله بقدر ما أود تبرير ازدهار الفعل الثقافي عندما اجتمعت الشروط.
ولعل مناقشة الرسائل الجامعية،من الفرص التي لا ينبغي لطالب العلم تفويتها على نفسه لما تتيحه من إمكانيات الاطلاع على التجارب الغنية،واكتشاف للمؤهلات العلمية لدى الاخرين.
كان أحد المدرجات على موعد ذات يوم لمناقشة رسالة ،،دبلوم الدراسات العليا،،كما كان يسمى حينئذ،وكان موضوعه حول،النكبة والبكاء في الشعر الأندلسي،،.
كان المشرف أستاذا مغربيا معروفا،كما لجنة المناقشة باستثناء أستاذ واحد من مصر ،كان يدعى د.درويش.
تولى الأستاذ المشرف تقديم ،طالبه،وقد أسهب في الثناء على العمل الذي قام به إلى درجة أنني اعتقدت بأن المرشح سيحرز على الشهادة بامتياز،ولاسيما حينما سار باقي الأساتذة المغاربة في الاتجاه ذاته!
قبل أن ينعم الطالب بالإطراء الذي كان موضوعا له،جاء الدور على السيد ،درويش،،الذي تخلص رأسه من كل الشعر الذي زانه يوما ما،وكأني بهذا الاختفاء يوفر له وقتا إضافيا في البحث بدل تسريح الشعر!
قام الرجل بجولة شاملة على محتوى الكتاب تبرهن على أنه قرأه حتى تمثله!
بعد ذلك انصرف لمناقشة الشكل،فرأيت الطالب وباقي أعضاء اللجنة يقومون بحركات تنم عن بداية الانهيار!
وحين انتقل الرجل إلى المحتوى،وراح يعدد ،السرقات الأدبية غير الموثقة،ثم الأخطاء بعد تصنيفها إلى لغوية ونحوية و….أحسست بالخجل قبل صاحب الرسالة ومحاميه!
أما في المرحلة الأخيرة،فإن السيد درويش قد انتقل إلى سجال مباشر مع الطالب الذي سرعان ما نفذت ذخيرته وصارت أجوبته تشي بنوع من الندامة على اختيار هذا الموضوع الذي تورط فيه!
عندما أنهى هذا،القاضي البارع،مرافعته المجردة من الانفعال،كان قد أشر على الأخطاء باللون الأحمر وصنفها،ثم أعلن موافقته لإعلان نجاح الطالب بشرط أن يعيد الطبع ويصحح الأخطاء!
لأجل هؤلاء الأساتذة،أحببنا الجامعة،وبفضلهم كان لبلادنا نصيبها من الأدمغة،ونرجو لها المزيد.
Aucun commentaire