كل خطيب جمعة عندنا مهدد ببطاقة صفراء لا يعلم بها ولا يدري متى يحصل على البطاقة الحمراء
كل خطيب جمعة عندنا مهدد ببطاقة صفراء لا يعلم بها ولا يدري متى يحصل على البطاقة الحمراء
محمد شركي
تنشر المواقع الإعلامية بين الحين والآخر نبأ توقيف هذا الخطيب أو ذاك ، وتتضارب الآراء حول سبب توقيفه ، ولا يعلم حقيقة التوقيف إلا الجهة التي أوقفته ، ويختلف الرأي العام بين متعاطف معه وشامت به . ويوم أمس نشر أحد المواقع نبأ توقيف خطيب مسجد يوسف بن تاشفين بفاس . وأعتقد أن نشر هذا الخبر كان سببه سخط المصلين واحتجاجهم داخل المسجد على قرار توقيفه وإلا لم يعلم أحد بذلك كما يحصل في كثير من حالات التوقيف التي تمر في سرية تامة. ويبدو أن كل خطيب جمعة في بلادنا مهدد ببطاقة صفراء لا يعلم متى قررت الوزارة الوصية على الشأن الديني استعمالها في حق حتى يفاجأ ببطاقة حمراء تشهر في وجهه. وإذا كان لاعب كرة القدم يتوقف عن اللعب بعد حصوله على البطاقة الحمراء مباراة أو اثنتين حسب ما يقرره حكم اللعبة ، فإن خطيب الجمعة إذا تلقى بطاقة حمراء لا يخطب بعدها أبدا لأن قواعد اللعبة في الخطابة غير قواعد لعبة كرة القدم . وإذا كان الموظف في الوظيفة العمومية حين يخضع للمسطرة التأديبية يتوقف عن العمل لمدة تقررها لجنة التأديب ثم يعود إلى وظيفته ما لم تكن جنايته مما يوجب العزل ، فإن خطيب الجمعة يؤدب تأديب الآخرة ، وقد يغفر الله عز وجل في الآخرة ، ولا تغفر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للخطيب إذا ما أوقفته عن الخطابة . وإذا كان الموظف في الوظيفة العمومية يتمتع بحق مقاضاة إدارته أمام المحاكم الإدارية إذا ما شعر بغبن أو تعرض لشطط في استعمال السلطة من طرف رؤسائه ، فإن خطيب الجمعة لا حيلة له ، ولا حق له في التظلم ، وعليه إذا ما تم توقيفه أن يلزم بيته ، وينتهي أمره كأنه لم يعل المنبر في يوم من الأيام ، ولم يخطب في الناس ، وعليه ينطبق قول الشاعر :
أيذهب يوم واحد إن أسأته = بصالح أعمالي وحسن بلائيا
وبالفعل قد تنسف كلمة أو عبارة أو فقرة من خطبة لا يلقي لها الخطيب بالا خطابته وإن دامت سنين عددا ، وما أشبه حاله بحال من يهوي سبعين خريفا في جهنم بسبب كلمة فاه بها ولم يلق لها بالا كما جاء في الأثر. ولا زال أمر توقيف الخطباء سرا لا تعلمه إلا الوزارة الوصية على الشأن الديني . وقد يتلقى بعض الخطباء استفسارات في شأن بعض ما يثيرونه من قضايا في خطبهم ، فيجيبون عنها إما موضحين أو حتى معتذرين ، فلا تقبل منهم الوزارة توضيحا ولا اعتذارا . وغالبا ما يتلقى الخطباء قرار توقيفهم دون سابق إنذار، الشيء الذي قد يعني أن هؤلاء ربما تفتح لهم ملفات على ما يبدو تدون فيها عليهم المآخذ ، فإذا بلغت حدا معلوما حسب تقدير الوزارة يتخذ في حقهم قرار التوقيف . ولم يحصل أن أحيل الخطباء الموقوفون على لجان علمية بالرغم من وجود مجالس علمية لمناقشة ما تنكره الوزارة عليهم من الناحية الشرعية أو العلمية أو الأخلاقية، علما بأن هذه المجالس هي صاحبة قرار تزكية الخطباء ، ويقتضي المنطق أن الجهة التي تزكي هي الجهة التي لها حق التراجع عن التزكية والتوقيف أو العزل. ومن المعلوم أن خطب الجمعة لا تراقبها الوزارة الوصية على الشأن الديني وحدها ، بل تشاركها في ذلك جهات أخرى توفد من يتابع الخطب، ويبلغ عما جاء فيها . وقد يتخذ قرار توقيف الخطباء بناء على ملاحظات أو تقارير تلك الجهات ، وحسب فهمها و تأويلها وتقييمها للخطب . وقد يعود سبب توقيف الخطباء إلى انتماءاتهم ،علما بأن بعض تلك الانتماءات تسقط الخطابة في حين بعضها الآخر لا يسقطها بل يزيد أصحابها تزكية وقربا من الوزارة . وإذا ما كان الخطأ واردا عند كل خطيب لأن الخطباء لا عصمة لهم ، فلا يمكن أن تطلق الوزارة يدها في توقيفهم متى شاءت ، و دون وجود ضوابط تقيدها ، ودون وجود قوانين تحمي الخطباء من كل شطط أو تعسف محتمل . وفي حال متابعة الخطباء في أخطاء مسجلة عليهم لا يعقل أن يتم الإجهاز على بلائهم فوق المنابر وجعله هباء منثورا ، وألا يرعى لهم قدر أو فضل أو سابقة خير أو حسن سيرة أو رسوخ قدم في علم . والخطيب الذي يقدر مهمة الخطابة ينأى بنفسه عن كل ما يقدح في مصداقيته ، ويربأ بنفسه أن يلحقه التوقيف والمنع من الخطابة لسبب من الأسباب التي لا تليق بمقام الخطابة ، والتي تكون من مخارمها . وفي المقابل عليه ألا يخشى في الله لومة لائم ، وأن يجهر بالحق لأن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلابسه باطل ، ولا يجامل باطلا ولا يخشاه ولا يتملقه . وعلى الخطباء ألا يتخذوا من هذا المنبر منصة لتمرير قناعاتهم الشخصية أو الدعاية لأحزاب أو جماعات ينتمون إليها بل عليهم بالحياد الكامل .ولا يحق لهم النيل من أشخاص وهيئات في خطبهم وتحريض أو تأليب الرأي العام عليهم . ولا يحسن بالخطباء أن يروا حيث لا يجب ، وألا يخالطوا أهل السياسة وأصحاب السلطة وأصحاب الجاه والثروة والمال والأعمال ، وألا يتقربوا منهم بشكل أو بآخر لئلا تركب ظهورهم ، وتستغل مكانتهم بين الناس لأغراض سياسية أو إدارية أو غيرها . ولا يجب في المقابل أن تخضع الوزارة الوصية على الشأن الديني في تقييمها وتعاملها مع الخطباء لابتزاز أو ضغوطات أشخاص أو هيئات يستهدفونهم لسبب أو لآخر . وأخيرا نأمل أن يتحرك المجلس العلمي الأعلى وهو أعلى هيئة علمية للنظر في إجراءات توقيف الخطباء ومراجعتها وضبطها صيانة للمنابر ولكرامة الخطباء ، واحتراما لمشاعرهم ومشاعر من يحضرون خطبهم . ولا بد أن ترعى الآثار السلبية الناجمة عن توقيف الخطباء والتي قد تفقد ثقة الناس في المساجد وفي الوزارة الوصية على الشأن الديني ، ومن شأن ذلك أن يفسح المجال لأماكن أخرى غير المساجد لتصير بديلة عنها ومنافسة لها بل ومشككة في مصداقيتها .
Aucun commentaire