لِتذهب الشفافية والنزاهة إلى الجحيم
لم يخطر ببال أحد، ولا حتى أولئك الذين حباهم الله تعالى بموهبة الخيال الواسع، أنه سيأتي يوم يسعى فيه حزب العدالة والتنمية لتغيير بعض مقتضيات بنود قانونه الأساسي، من أجل أن يحظى شخص بولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة، وكأنه بطل خارق عجزت نساء الحزب على أن يلدن مثله.
من الطبيعي أن يسجل التاريخ عشرات من فظائع التمديد في الحكم، لكنه لا يسجل أبدا، واقعة تمديد لحكم شخص ديمقراطي، كما لا يسجل أن مؤسسة ديمقراطية عمدت لتغيير قانونها، فقط من أجل إطالة عُمر حكم لأحد أعضائها، فالتمديد لا يكون إلا للمستبد الطاغية، الذي التهمت شخصيته شخصيات الآخرين، فبدا أمامهم عملاقا لا يُبلغ شأوه، ولا يُشق غباره، وبالمقابل بدوا أمامه أقزاما لا قيمة لهم بدونه، ولا قدر لهم إلا بقربه.
هكذا تحول حزب العدالة التنمية من حزب مؤسساتي يحترم مبادئ الشفافية، ويقدس آليات الديمقراطية والنزاهة، إلى كائن عجيب الخِلقة، غريب الأطوار، لا يُعرف كُنهه، ولا يُصَنّف نوعه، وهكذا التحق سيده ومالك أمره إلى قائمة الزعماء الخالدين، لأنه بكل صدق، الوحيد القادر على أن يتنصل من الشريعة العصماء، دون أن يثير ذلك حفيظة الغيورين على المشروع الإسلامي، ويستطيع أن يتراجع عن مكتسبات الموظفين، دون تأنيب ضمير، بل وهو يشعر بالفخر، مثلما صرّح بأن أكبر إنجاز حققته حكومته هو أنها اقتطعت أيام الإضراب من أجور الموظفين، ويستطيع أن يغازل صحافية شابة أمام زوجته وأمام العالم، دون أن يخشى مِن أن يتهمه أحد بالتحرش الجنسي، ويستطيع أن يتحدث عن فحولته في البرلمان، كما لو أنه في جلسة حميمية مع أصحابه، وفوق كل هذا، فهو الوحيد القادر على أن يشنق الشعب، ويجعله يدفع ثمن الحبل الذي يشنقه به.
إننا أمام حالة « قيادية » فريدة، تدّعي معرفة كل شيء، حينما يقتضي الظرف ادعاء المعرفة، وتدّعي الجهل بكل شيء، حينما يكون الجهل بوابة للنجاة، حتى سماه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالسيد « ما فراسيش »، فهو لا علم له بالهراوات التي تلغ في دماء الأساتذة المتدربين كل يوم، ولا علم له بصندوق الدعم الفلاحي الذي فقد فيه صفة الآمر بالصرف، ولا علم له بالمذكرة التي أصدرها وزير التعليم بفرنسة المواد العلمية، ولا علم له بالشهادة المزورة التي قدّمها عضو حزبه وعمدته بالرباط لشركة « ريضال » للحصول على عشرات الملايين كتعويض، ولا علم له بالمنحة التي تحصل عليها ابنه دون أبناء الشعب، ولا علم له بعشرات الملايين التي كانت تتوصل بها مطبعته دعما من المال العام، ولا علم له بمراسلة وزير المالية لحزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بخصوص قانونية إجراء توظيف الأساتذة المتدربين دفعة واحدة.
إن قدرة بنكيران على الاحتيال فاقت قدرة الناس على أن تفطن لحيله الرخيصة، وألاعيبه العرجاء، والتي ظاهرها عسل مصفى، وباطنها سم زعاف، ولأن معظم قراراته لا تحمل في طياتها عناصر الإقناع أو التبرير، فنحن في الحزب « الإسلامي » في حاجة ماسة إلى شخصية فكاهية واستعراضية مثل شخصيته، تخلط الجد بالهزل حتى يعسر التمييز بينهما، وتلبس الحق بالباطل، حتى يصعب الحكم عليهما، فنعوض بمرحها ما تهافت من قراراتنا المخبولة، ونستدرك بجاذبيتها ما تناقض من مواقفنا البلهاء، لهذا كله، كان لزاما علينا أن نجدد ثقتنا في السيد بنكيران، إذا كنا نود أن يجدد الشعب ثقته بنا، ولتذهب الشفافية والنزاهة إلى الجحيم.
Aucun commentaire