السلسلة الصحية « شَــرَّحْ…مَــلَّــحْ »

« الحسين الوردي » يُبايع « محمد بن عَرَفَة » مَلكًا للممرضين…

العنصر البشري نخاع الثروة اللامادية الذي تتطور بتطوره كل النظريات و الثورات و الأنظمة و تتقهقر بتقهقره… و لنا في قصة الصينيين موعظة، عندما ابتغى هؤلاء العيشَ في أمان فبنوا سور الصين العظيم معتقدين أنه ما من مخلوق يستطيع تسلقه لشدة علوه و صلابة بنائه الخارجي، لكن و خلال المائة سنة الأولى بعد بناءه تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات و في كل مرة لم تكن فيالق العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه من الخارج، بل كانوا يدفعون رشوة للحارس ثم يدخلون عبر البوابة… حيث انشغل الصينيون ببناء السور و تسليحه ونسوا بناء « الحارس المواطن الأمين »… تغافلوا عن بناء الإنسان، و نسوا ان يبنوا عظمةَ سورهم من الداخل قبل تزيينه من الخارج وهذا تماما ما تحتاجه وزارة الصحة حتى لا أقول الدولة و المجتمع ككل…

مجموع الأوراش و الإصلاحات التي باشرتها وزارة الصحة منذ أن دخلها « الفاتِح » السيد « الحسين الوردي » و إن بدت للعيان خارقة مذهلة فإن جلها مازال يشهد تعثرا أو تشوها خلقيا في التنزيل و التكيّف مع الواقع العفِن الذي ينبعث من المنظومة الصحية، و لعل فتوحات الوزير  » سيف بن ذي يزن  » قد شملت مجمل مكونات الخدمة الصحية إلا محركها الأساسي و أخص بالذكر الموارد البشرية…

إن المتصفح للموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة الصحة المغربية و بالتحديد ركن التقنين سيلمس لامحالة التعامل اللامسؤول للوزارة مع معضلة التأطير التنظيمي القانوني لثلة من الفئات و الأطر الصحية، فغالبية النصوص القانونية المُشهَـرَة عبر الصفحة هي إما مَنسوخة لم يعد يُعمَل بها أو قديمة لا يُشَرِّف تبنيها من طرف مؤسسة من مؤسسات الدولة، أما عن الأولى فأعطي المثال بالمرسوم رقم 308-93-2 الصادر في 29 أكتوبر 1993 الخاص بالنظام الأساسي للممرضين و المساعدين الطبيين الموجود على نفس الموقع علما أنه تم نسخه بالمرسوم رقم 620-06-2 الصادر في 13 أبريل 2007 بشأن النظام الأساسي الخاص بالممرضين و الذي يحمل بين طياته تعديلات مهمة جدا لكنه غير مُدرَج بالموقع الرسمي لوزارة الصحة. أما عن الثانية فتتمثل في ظهيرين اثنين الأول صادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 5 نونبر 1954 متعلق بمزاولة مهنة النظاراتي، و الآخر صادر في 1 أبريل 1955 مرتبط بإحداث هيئة الممرضات المتخصصات في التوليد، الغريب في الأمر أن كلا النصين الموجودين على الصفحة موقعين من طرف المقيم العام للاستعمار الفرنسي « فرانسيس لاكوست » و مختومين بختم « محمد بن عَرَفَة » كملكٍ للمغرب آنذاك !!!… علما أنهما غير مُفَعّلين حاليا و لا يُؤخَذ بهما فلماذا تصر الوزارة على إشهارهما؟! هل هي عاجزة كل العجز على صياغة مشاريع قوانين تغطي العراء التنظيمي الذي يسبح في فلكه مجموعة من أطرها؟! هل هو دليل على استهتارها و تجاهلها لبناء و تطوير وضعية موظفيها؟! أليست لمغرب القرن 21 من خلال وزارة الصحة الكفاءات القادرة على سَنّ قوانين مُجَدِّدة و مواكبة للتطورات الكونية؟! أليس في إدراج هذه القوانين الاستعمارية خدش و تبخيس و تقليص من تحفيز الموظفين؟! …

لطالما طالب ممرضات و ممرضو المغرب بإحداث هيئة وطنية تنظمهم أخلاقيا و قانونيا و مهنيا على غرار هيئة أطباء الصيدلة المحدثة قانونيا سنة 1977، و هيئة الأطباء جراحي الأسنان التي رأت النور في نفس السنة، و هيئة الأطباء التي صدر ظهير تأسيسها في 21 مارس 1984. على الرغم من مناداة المرحوم الحسن الثاني في أحد خطاباته لسنة 1970 بضرورة توحد الممرضين على غرار العُدول و القضاة، إلا أن هيئتهم ما تزال حبيسة العدم و الاعتقال، اللهم الظهير السالف ذكره المختوم من طرف « بن عَرَفَة » بمعية المقيم العام و المُحدِث لهيئة خاصة بالقابلات و الذي أنصف فيه « الخَوَنة و الاستعمار الغاشم » فئة الممرضين من خلال القابلات، الأمر الذي لم تبادر به الوزارة الوصية منذ استقلال المغرب تاركة أطرها التمريضية تتخبط في غياب هيئة وطنية، و قانون مزاولة المهنة، و كذا الأنظمة الأساسية الخاصة بحراس المصالح الصحية و الأساتذة الممرضين… أضف إلى ذلك الضبابية و سوء التنظيم الذي يعيشه باقي الأطر من أطباء و إداريين و تقنيين و تقنيي الإسعاف و مهندسين… إلى متى إذن ستُبايع وزارة الصحة « بن عَرَفَة » ملكاً على ممرضيها؟!!…

و اعذروا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي .