القطة تأكل صغارها
ليس هذا بحثا في القطط وأنواعها و فصائلها و أسمائها و أعمارها و المناطق الجغرافية الملائمة لكل صنف منها،و ماذا تأكل وكم تعيش،و كيف تربي صغارها؟. ان هذا الأمر بعيد عن ما نريد الإفصاح عنه وهو بحث يهتم به العلماء الذين يدرسون الحيوان.
العنوان اختير للدلالة على شان آخر لا يتعلق بعالم القطط.
نسجل من باب الفكاهة أن أحد الصحابة من رواة الحديث أطلق عليه لقب سجله التاريخ عليه،ويذكر في كل مناسبة نتحدث عن الرسول عليه السلام و عن رواية الحديث.انه (أبو هريرة) و هو اللقب المعروف به حتى أن الناس لا تبحث عن اسمه الحقيقي الذي أغفل من شدة رواج اللقب ،و إن كان بعض الكتاب يستغربون من هذا الشخص الذي روى أحاديث لا تعد(517 حديثا في الصحيحين ،و يقال انها بلغت 5374 مدونة في « مسند بقي بن مخلد » نقلا عن الدكتور أكرم العمري في كتابه » بقي بن مخلد و مقدمة مسنده » الصفحة 19)عن رسول الله صلى الله عليه و سلم،رغم انه لم يصاحب الرسول إلا 3سنوات فقط( هذا ما يذكره الدكتور أحمد صبحي منصور في مقالاته استنادا على المراجع القديمة) .و هريرة تصغير لكلمة(هرة).و العرب كانت تستحسن الشيء فتصغره كاسم (الحسين:تصغير لكلمة حسن).
ألف الجاحظ كتبا كثيرة من بينها كتاب الحيوان ذكر فيه أصناف الحيوان و خصائصه و مميزاته و طبائعه،ومن هذه الحيوانات القطط.كما كتب عن نوادر البخلاء،وفيه وصف دقيق لمهارة البخلاء في التقتير(ضده التبذير)وكيف يتصرفون هم و زوجاتهم في الاقتصاد في أمور الحياة اليومية،وفي هذا البخل يتنافسون أيهم أكثر بخلا من الآخر،فمنه يتعلمون.
كما أن الباحث الأمريكي الذي ينتمي إلى المدرسة السلوكية (ادوارد ثورندايك(1874م- 1949) كان يجري تجاربه على القطط لمعرفة قياس عملية التعلم عندها و قياس ذكائها لارتباط التعلم بالذكاء.و اعتمد في تجاربه على المحاولة و الخطأ و التكرار عن طريق استعمال المثير أو المحفز و ملاحظة استجابة الحيوان أو ردود فعله عندما يدرك المثير،و يسجل على الحيوان عدد المحاولات الفاشلة التي يقوم بها حتى يتوصل إلى الحلول الصحيحة. و يطلق على هذه النظرية (النظرية الترابطية أو الارتباطية:ربط المثير بالاستجابة)
جاء في العنوان لهذا الموضوع (أن القطة تأكل صغارها) من شدة حبها لهم أو خوفها عليهم من أن تؤكل من قطط أو حيوانات أخرى.هل هي حقيقة أم خرافة؟ لا نستطيع اليقين من الإجابة… قد تكون هذه تفسيرات الأدباء، لكن علماء بيولوجيا الحيوان لهم تفسيرات أخرى مثل ان القطة تلتهم صغارها إذا كانوا مرضى أو ضعافا تنعدم فرص الحياة عندهم فتقتلهم رحمة بهم،أو إذا كان المكان الذي يختبئون فيه غير آمن،أو إذا أحست أنها ستهلك من الجوع فتنقذ نفسها،أو أنها غير مستعدة للاهتمام بصغارها بذلك يستنتجون أن القطة هي أسوأ الأمهات في عالم الحيوان.انها تطبق قانون الانتخاب الطبيعي الصارم : البقاء للأقوى والأصلح…
ومناسبة إدراج العنوان كموضوع اليوم و ليس غدا، ما يلاحظه أي إنسان عربي مهتم بقضايا أمته إلى هؤلاء الحكام العرب في الوقت الحاضر و كيف يتصرفون بعضهم مع بعض.و ما هي الأمور التي يتقنونها؟و ما هو مستوى تعليمهم عندما يتناولون الكلمة ارتجاليا في المؤتمرات الدولية أو في حديثهم العادي، أو في الندوات الصحفية التي يتحاشاها أغلبهم خوفا من ظهور جهلهم ليس باللغة بل بالقضايا الدولية بالاستراتيجيات و الخطط التي يضعونها لتنمية شعوبهم،وضحالة إلمامهم بالقضايا الدولية أو حتى بقضاياهم الوطنية أو الإقليمية أو العربية أو الإسلامية.فالسياسة عندهم تقودها العواطف و الارتجال و ليس الخطط و العقلانية، وضعف المستشارين المحيطين بهم و يظهر ذلك في القرارات التي يتخذونها بدون تفكير في العواقب.
مؤتمراتهم التي تعقد في العواصم العربية، كانت عبارة عن تبادل التهم و السباب وفي بعض الأحيان المبارزة الكلامية و الجسدية. و ينصرفون إلى حالهم حاملين أحقادهم معهم …
العروبة و الأمة العربية، أصبحت كالقطة التي تأكل صغارها، ليس حبا فيهم أو خوفا عليهم- كما أشرنا سابقا لا كما يقول العلماء بل كما يقول الأدباء- بل خوفا من بعضهم بعضا و الكيد لبعضهم بعضا. و الأمور التالية تبين ذلك: ساعدوا الرئيس صدام حسين بالمال و السلاح على إعلان الحرب و مقاتلة إيران إبان قيام ثورة الخميني.كان ذلك خوفا من المد الثوري الشيعي أن يمس أوطانهم.و عندما انتهت الحرب التي دامت 8 سنوات، عقد الصلح بين إيران الخميني و صدام بوساطة جزائرية في الجزائر. و سرعان ما انقلبوا على حليف الأمس: الرئيس العراقي و ورطوه في مشاكل اقتصادية، بدسائس و مؤامرات من دول الخليج العربي(السعودية والإمارات العربية و قطر و الكويت). فحاصروه اقتصاديا ووضعوا الحبل على عنقه وهو القائل قولته المشهورة (قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق)،و استدرجوه إلى حرب الكويت و الاستيلاء عليها و إعلانها محافظة عراقية. تلك الحرب التي جلبت له الويلات و الدمار و الخراب،و كانت الدول العربية التابعة لأمريكا كلها قد اشتركت في الحلف الأمريكي الصهيوني لتدمير العراق.
وننظر الآن الحالة التي يوجد عليها هذا البلد العربي صاحب أقدم حضارة مع (سوريا و مصر و اليمن ) كيف تحول إلى دولة فاشلة. كان ذلك بفعل التآمر العربي على هذا البلد .حالة عراق اليوم هي حالة الخراب و الدمار و الفتن الطائفية و القتل و التهجير و إشاعة الفقر بين من تبقى من السكان حيا.
و كذلك فعل العرب مع الرئيس الليبي الذي قتل بطريقة وحشية ومذلة، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الدينية و الإنسانية و حقوق أسير الحرب المستسلم عرض الحائط.حقا إن قتله مسالما هو جريمة حرب مكشوفة لا لبس فيها و لا تحتاج إلى أدلة مادامت موثقة بالصوت و الصورة .
و يفعلون الآن نفس الأمر مع الرئيس السوري في سوريا تحت ذريعة انه نظام شيعي نصيري علوي .(هذا الظاهر أما الباطن فحسابات سياسية و حضارية و اقتصادية أخرى).
و في بلاد اليمن قاموا بنفس الفعل: تدمير و تهجير و تخريب وقتل و إشاعة الفوضى و الفتنة و الفقر و المجاعة و المرض في السكان الآمنين…
إنها نفس العقلية المليئة بالحقد و الحسد أن يروا بلدا عربيا يحاول أن يتخطى مرحلة التخلف بكل صورها الاقتصادية و السياسية و العلمية…و عقلية يدفعها المال و الثراء إلى تسخيره في إثارة الفتن و الأحقاد بين أفراد الوطن الواحد.
بل إن كل ثورة تقام في بلد من البلدان العربية إلا ويكون أحد ساسة العرب الأغنياء و الأثرياء فرادى، أو مجموعة، وراء هذه الدسائس و المؤامرات.
والأعراب يتحالفون مع الأعداء: مع أمريكا و إسرائيل من اجل تدمير بلدان عربية أخرى حبا و استمتاعا بتدمير الآخر.أليست هذه نزعة سادية إرهابية بدوية(عقلية الأخذ بالثأر)،و أنانية نرجسية؟
أليست هذه وسيلة لإلهاء الناس عن قضاياهم المصيرية؟فإلى متى تبقى الدول العربية في هذا المستوى المنحط في الرؤية إلى أمور الحاضر و المستقبل و هي تبدد و تبذر أموال الأجيال اللاحقة في حروب عبثية؟
إلى متى تبقى هذه الدول تكيد لبعضها البعض و خاصة تلك الدول التي اجتمع فيها المال و الجهل المركب و البداوة المتعصبة،وتريد أن تعيش عهد ملوك الجاهلية، الذين يقضون وقتا من يومهم في القنص و الصيد و الشراب و النساء و الاستمتاع بشعر المداحين الذين يطربون الملك:
كأنك شمس و الملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن واحد
وهي قصيدة قالها الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني في مدح الملك النعمان بن المنذر وهو ملك من ملوك الحيرة عرف انه أشهرهم وأشرسهم وأقدمهم…
متى يستفيق العرب من جاهليتهم المتعصبة؟ وغرورهم و إحساسهم بالاستعلاء و الكبر؟ و جهلهم و غفلتهم بما يدس لهم من الدسائس و المؤامرات على بعضهم بعض؟ ألا يعيد التاريخ نفسه؟ فليعد العرب قراءة التاريخ من جديد، فذاكرتهم كما يقول العدو الصهيوني ضعيفة كذاكرة المعتوه(و العته يصنف في أدنى درجة الذكاء ويصنف من الإعاقات الذهنية الصعبة) ؟ فلينظروا و ليقرأوا كيف ضيعوا الأندلس؟و كيف ضيعوا بقاعا أخرى شرقا و غربا؟ بل كيف ضيعوا حضارتهم التي لم تكن تغرب عنها الشمس؟
السياسة و الدبلوماسية لها فرسانها ،و الاقتصاد له علماؤه و باحثوه و أمور العسكر و العلم كذلك، و بناء الاستراتيجيات على المدى البعيد أصبح اختصاصا و مدارس و معاهد يزود الساسة بما يجب فعله في المستقبل و التحضير له على المدى البعيد (من20الى30سنة كما أشار الباحث الاستراتيجي المغربي المعروف الراحل الدكتور المهدي المنجرة الذي لم يستفد المغرب من دراساته بل عاش التهميش والنسيان من ساسة بلده ).التخطيط للمستقبل ذلك ما تفعله دولة إسرائيل و الدولة الأمريكية و سائر الدول الغربية التي نهجت سبيل التقدم .إنها تبني سياساتها على المدى البعيد بعقلانية( التحضير ،البرمجة،التقويم)، ومواقفها لا تتحكم فيها الغرائز و الشهوات و الميول و العواطف. هي سياسات تبنى على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بناء على الكفاءات و المهارات و القدرات العقلية العليا، و ليس بناء على العلاقات العائلية و المصاهرة و الحزبية والزبونية و الرشاوى.
و العبرة بما نراه من حالة الأمة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي أو الفارسي( رغم أن الاسم فيه خلاف بين بلدان الخليج وإيران).
و السؤال الذي به نختم المقال و في ارتباط بالعنوان: متى تتحول الأمة العربية من قطة تأكل صغارها إلى لبؤة تحمي أشبالها و تدافع عنهم بشراسة في سبيل إنقاذهم؟
انجاز:صايم نورالدين
Aucun commentaire