لوبيات المعارضة 

بقلم د. محمد بالدوان

bouddiouan76@gmail.com

لا غرابة في توجه بعض النقابات إلى تبني خط معارضة الحكومة، غير أن ما يثير الاستغراب تطابق مواقفها واستراتيجياتها بمواقف واستراتيجيات أحزاب المعارضة ! فكيف نفسر مقاطعة بعض النقابات تظاهرات فاتح ماي؟ ومن يملك هذه القوة العظيمة التي رَصّتْ الأحزاب وبعض النقابات في صف واحد ضد حكومة بنكيران؟ أم أن فساد هذه الحكومة وغطرستها عَظَّما سواد معارضيها؟ وما الرهانات السياسية المرحلية لقوى المعارضة؟ وهل التقاطب السياسي في مغرب ما بعد الربيع حُسم فعلا بخيار الإصلاح، أم لا زالت المخاطر تحف هذا الخيار من كل جانب؟

لو انطلقت من اصطفاف النقابات إلى جانب أحزاب المعارضة، فلا أحد يطمئن إلى مبررات مقاطعتها تظاهرات فاتح ماي 2015، حيث كان الأولى أن تستثمر المناسبة إعلاميا وميدانيا لتعبئة الشارع ضد الحكومة، وعرض وجاهة مطلب الزيادة في الأجور، وتهييئ الشغيلة للمحطات النضالية القادمة. لكن يبدو أن نقابات المعارضة قدرت وَقْعَ بعض الانجازات الحكومية غير المسبوقة(التعويض عن فقدان الشغل) التي جعلت الطبقة العاملة تتعاطى بموضوعية وواقعية مع الوضع، فتحاشت التظاهر على أساس مطلب مغري (الزيادة في الأجور) بكتلة جماهيرية متواضعة مقارنة بالكم الجماهيري المنخرط في الأشكال النضالية للنقابات المؤمنة بقيمة الانجازات التي يراكمها الحوار مع الحكومة، أو ربما فضلت نقابات المعارضة تأجيل الحشد المكلف إلى محطات سياسية ما فتئ نقابيون ينذرون بخوضها. 

لا يمكن فصل ما يجري عن السياق السياسي الوطني، إذ تقدمت أحزاب المعارضة  بشكاية غامضة ضد بنكيران لدى مستشاري الملك، ويبدو أنها ركزت على إبراز عدم أهلية الرجل لقيادة الحكومة. لكننا تابعنا غياب تفاعل إيجابي من جانب الملك، ولم نسمع غير كلام رئيس الحكومة معلقا أن الجواب الملكي كان في المستوى، كما سمعنا منه أن التقاطب في المغرب حُسم لخيار الإصلاح.

وعليه فإن المعطيات المتوافرة تقودنا إلى استبعاد نجاح أجنحة المعارضة بالتمكين لسيناريو إقصاء  بنكيران من تدبير الانتخابات القادمة أو مواصلة حزبه إدارة ولاية ثانية، أو العودة إلى الأشكال البائدة في تنصيب الحكومات وتدبير الانتخابات والنكوص عن الخيار الديمقراطي.

قد لا نحتاج إلى استنتاج ذكي يُستنبط من كلام رئيس الحكومة القوي الموجه إلى خصومه في عدة مناسبات مفاده اطمئنان الرجل إلى وضوح خيارات الدولة الداعمة للإصلاح والرافضة لمناورات النكوص، لأن الدولة ممثلة في الأجهزة الأمنية والقضائية أبانت منذ 2014 عن حركية وصرامة غير مسبوقة في ملاحقة أباطرة المخدرات والحكم على المسؤولين والمنتخبين المتورطين في الفساد بالسجن النافذ.

إن هذه المؤشرات الدالة على عزم الدولة على القطع مع ماضي الريع والمخدرات والإفلات من العقاب، قد يدفع بعض أطراف المعارضة إلى التحرك رفقة الشبكات الوطنية والدولية الخطيرة من خلال أجندة تهديد أمن الدولة بهدف تخفيف حدة الملاحقات الأمنية والقضائية لأباطرة المخدرات ورموز الفساد.

قد يكون السبب في تسخينات ومناورات المعارضة المتواصلة اقتراب الاستحقاقات والخوف من الفشل بكسبها، لكن لا ينبغي إغفال السياق السياسي الدولي الذي يشهد تواصل الصراع بين أنصار الديمقراطية وعرّابي الديكتاتورية، إذ لا يُستبعد عرض معسكر التحكم واللاستقرار خدماته على بعض رموز المعارضة لإسقاط الحكومة والانقلاب على الخيار الديمقراطي في المغرب.

إن مغرب اليوم أصبح أكثر من أي وقت مضى يغلي تحت مَوْقد هادئ بسبب المساعي الحثيثة الرامية إلى تقويض الخيار الديمقراطي من قبل الدولة العميقة ونخبها القديمة المبثوثة في الأحزاب والنقابات، أو لنَقُل بسبب انتفاضة دولة اللاشرعية والجور واللاقانون بوجه خيارات دولة الشرعية والحق والقانون وبوجه نخبها الجديدة التي تأبى التطويع.