Home»International»الأسباب المستترة للثورات العربية

الأسباب المستترة للثورات العربية

0
Shares
PinterestGoogle+

الثورة مفهوم سياسي، يقصد به تغيير الوضع القائم ،. وهي ظاهرة اجتماعية ظلت مصاحبة للتاريخ البشري ،غايتها إعادة التنظيم الجذري والشامل ، للمجال الاقاصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي، عن طريق التغيير السياسي ونظام الحكم  .  تحدث في الغالب بسبب غضب الشعب المتراكم ، وعدم رضاه عن أداء حكوماته ، ووزاراته ، واتهامها بالتقصير وبالفساد الإداري والسياسي والمادي والديني  … تقوم الثورات في الغالب  بواسطة أدوات ووسائل قد تكون اقتصادية ( وسائل الإنتاج ) أو ثقافية فكرية  (إديلوجية معينة ) أو دينية  … يختارها الشعب ، بوعي أوبدون وعي ، ومن خلال شخصيات مرموقة يسمح لها وضعها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي …بتأطيرالحركات الشعبية وتمويلها  وقيادتها نحو تحقيق أهدافها ومشاريعها وطموحاتها الهادفة إلى التغيير…

وانطلاقا من هذا التعريف ، أرى أن ما يقع الآن في العالم العربي ليس بثورة ، لأن التغييرانصب على قمة الهرم السياسي دون ركائزه وقواعده ، ودون الاهتمام بتغيير وسائل الإنتاج الاقتصادية ، والبنى الفكرية والثقافية ، والفلسفة التي تصنع العقلية الاستبدادية   والذهنية  التسلط  ، والإديلوجية السياسية  التي تدعو إلى الخضوع والخنوع  وتشجع على تطبيع المجتمع عليه ليراه قدرامقدورا  …

إن المجتمعات العربية ، في تقديري لن تتجاوز كل هذا بسهولة ، ولن تستطيع تغييره أو معالجته ، إلا إذا تخلصت من كل الشوائب الفكرية والسياسية المنحرفة ، التي زيفت معتقدها وشككتها في دينها وكرست لديها  مشروعية التسلط والتهميش بأنواعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي …. ، وأكسبتها القابلية لذلك  ….  .

إن الإطاحة بالرؤساء ، هو انقلاب وليس ثورة ، فهو تغيير لرأس السلطة مع الاحتفاظ على قاعدتها  .وهذا ماوقع في تونس . ( بن علي اهرب ، بن علي اهرب ، بن علي اهرب … وما زال النظام مستمرا ) وفي مصر ( عزل المجلس الأعلى للعسكر ، حسني مبارك  ومازال أتباعه يناورون … ) وفي اليمن ( تعرض عبد الله صالح لمحاولة اغتيال ورحل ولكن الحرس الجمهوري ما زال ينوب عنه في القتل والتقتيل … ) وفي ليبيا مازال نيرونها يقاوم ، ويدمر ، ويحرق الأخضر واليابس ، ويسيل الدماء وديانا ،وبعض أتباعه غير جلده ليلتف على الثورة  وفي سوريا يذبح بشار أبناءها ويهدم صوامعها ….كل هذا ولم يتحقق للمجتمعات استقرار، ولا نظام ديموقراطي ، و لا أمن ، و لا رخاء ….بل ازدادت الشعوب تذمرا ، وخوفا ، وقهرا ، وفقرا ، واكتسبت عدم الثقة ، فهي لها قرين …

إن ما حدث في عالمنا العربي فاجأ الجميع ، فلم تتنبأ به ولا بتبعاته ، لا الأنظمة ولا الشعوب ولا قوى التجسس العالمية . بل ذهبت ضحيته ميشال اليو ماري وزيرة خارجية فرنسا ، التي أقيلت ،لأنها  لم تقدر حجم الثورة التونسية ولا تبعاتها السياسية والاقتصادية ، فعرضت التعاون والمساعدة على  شرطة الرئيس التونسي . صحيح هناك العديد من المفكرين والسوسيولوجين ، الذين حاولوا دراسة ظاهر حراك المجتمعات العربية  و تشخيص أسبابها ، فأرجعها بعضهم إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كالدكتور محمد سبيلا الذي يقول  : » إن المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في فهم تطورات الحراك العربي  ، حيث تظافرت مجموعة من الأسباب ، حولت فئة الشباب من فئة عمرية إلى طبقة اجتماعية موحدة تتبنى نفس المطالب بالرغم من اختلاف  الانتماءت . » ( محمد سبيلا عن هسبريس الجامعة الصيفية لمنبر الحرية2011 ) ولاينسى الدكتور سبيلا العامل التكنولوجي كقوة تعبوية هائلة غيرمرتبطة بإديولوجية معينة ، الذي ساهم بشكل فعال في نشر الأفكار المنادية للحرية ، فيقول : » … بقدر ما مثلت الثورة التيكنولوجية  الحامل الرئيسي لأفكار الحرية ، ساهمت عوامل أخرى معقدة في إنتاج تفاعل مكن الشباب من الانتقال من فئة عمرية إلى طبقة لها نفس المطالب  » ( المصدر السابق ) . أعتقد أن مفهوم الطبقة لا تحدده المطالب المشتركة . بل التفاوت الاقتصادي والاجتماعي ، والتجمع من أجل عملية  إنتاج اقتصاد معين . والدكتور عبد الكريم محمد العامري هو الاخر ، ينفي مفهوم الطبقية عن الفئات التي تحركت من أجل إسقاط النظام . ( الشعب يريد إسقاط النظام ) . فيقول :… » كذلك فهي ثورات غير طبقية، بمعنى أنها لم تتولد إثر صراع طبقي، هي ليست ثورات طائفية أو عرقية . لقد انضوت تحت لوائها طوائف المجتمع كافة . »

لقد أرجع المهتمون بالتغير الاجتماعي ، انطلاق الحراك  الاجتماعي العربي بالدرجة الأولى إلى العديد من الأسباب المادية والسياسية ، كأسباب رئيسية  نذكرمنها : ثقافة التسلط  ،غياب العدل والمساوات وتكافئ الفرص ، سيطرة العقلية القبلية ، (الولاء للقبيلة أوللحزب ) ،الفقر، التهميش ، سياسة التحقير ، طغيان المصلحة الخاصة على المصلحة العامة والتسلط الاقتصادي والاستأثار بخيرات البلاد  والكسب الغير شرعي ( تحدثت وسائل الإعلام عن مئات الملاييرمن الدلارات كان يملكها  كل من أطيح بهم بن علي ، مبارك  ، عبد الله صالح ، القدافي  ) ، احتجاب المسؤول عن العامة ، تزوير إرادة الشعوب … ويرى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه : أن السبب يعود إلى الاقتصاد ، ومن ثم لا بد من تشجيع الاستثمار بكثافة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلدان التي تشهد مرحلة ديموقراطية بجنوب  المتوسط إلى جانب الإصلاح السياسي . ويرى الدكتور عبد الكريم محمد العامري ، أن مسببات الحراك الاجتماعي بسيطة تتلخص في التطلع إلى الديموقراطية : يقول الدكتور العامري  » ….. هذا عن طبيعة هذه الثورات ، أما عن مسببات انطلاقها فهي بسيطة تعتلج في صدر كل مواطن عربي من المحيط الي الخليج: رغبة الشعوب في حكم نفسها بنفسها من خلال انتخابات حرة « 

 الواقع أن كل أنواع  الظلم المشار إليها سابقا ، والتي رأى فيها المحللون والمفكرون السبب الرئيسي للحراك الاجتماعي العربي ، عايشها المجتمع العربيى منذ العهد الأموي إلى الآن،وتشبع بها لا شعوريا ، حتى أصبحت جزءا من موروثه الثقافي يجب الدفاع عنه بكل الوسائل – ( وهذا مايفسر مساندة البعض للديكتاتوريات والوقوف في وجه الثورات ، ومحاربة شعوبها ) –  أقول إذا كانت الأسباب المشار غليها سابقا والتي حددها المهتمون بالحراك الاجتماعي ، هي السبب في الثورات العربية ،  فلماذ لم ينتفض المجتمع العربي ؟ وظل ينتظرانتحار محمد البوعزيز ، طيلة أربعة عشر قرنا ، لينتبه إلى أن هناك  ظلم واستبداد يمارس عليه . مع العلم ، – ولن أكون مبالغا  – إذا قلت ، إن هناك الملايين من الذين انتحروا في العالم العربي ، بسبب الظلم الاجتماعي والقهر السياسي ، منذ العهد الأموي إلى اليوم . ( قبل البوعزيزي وبعده ) ومع ذلك لم يتسببوا في أي حراك اجتماعي ،  فلماذا تسبب انتحار البوعزيزي وحده  وفي هذا الوقت بالذات ، في كل هذا الحراك الاجتماعي ؟ صحيح ، لقد أجمع السوسيولوجيون والمفكرون  المهتمون بالتغيير الاجتماعي على أن انتحار محمد البوعزيزي ، كان السبب الرئسي والمباشر لقيام الثورة في تونس ، التي منها أطلقت الشرارة الأولى  في كثير من البلدان  العربية . حيث اشتعلت  الاحتجاجات بسرعة كبيرة تحت شعار » الشعب يريد إسقاط النظام  ، الشعب يريد …  » ثم تلتها ثورة مصر،  فاليمن ، فليبيا ، فاحتجاجات الجزائر ، ثم الأردن ،  والبحرين …ولم ينج من هذا الحراك  : إلا قطر، والسودان ، ثم المغرب (مع تشويش بعض المنحرفين : كجمعية كيف كيف ( اللواطيون ) ، وجمعية منا وفينا ( السحاقيات )، وجمعية مالي ( وكالين رمضان … ).

ولكن إذا لم يكن انتحار البوعزيزي ، ولا أنواع الظلم والقهروالقمع والفقر التي عايشت المجتمع العربي  منذ الزمن القهقري ، هي السبب الرئيسي في الحراك الاجتماعي الذي نعرفه حاليا ، فماهي الأسباب المستترة ، التي جعلت نار الثورة تحرق  بعض البلاد العربية ، وينجومن حريقها السودان وقطر والمغرب ؟ سؤال مشروع في نظري ، وإن لم يطرحه من قبل أحد من المهتمين بالتغير الاجتماعي في حدود علمي  ، وإن كان البعض تحدث عن الاستثناء المغربي بشكل عام ، دون أن يذكر الأسباب الحقيقية لهذا الاستثناء .

إن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الحراك العربي  في تقديري كانت بسسب  عدم نصرة أهل غزة والتآمر عليهم ، ومن ثم أكلت نار الثورة من الأنظمة العربية بحجم حصارهم و ظلمهم وتآمرهم على أهل غزة ووقوفهم وتعاونهم مع الصهاينة  ، فهذا حسني مبارك ، أغلق معبر رفح ليبتز الغزاويين ويقدم خدماته لبني إسرائيل ؛ في الوقت الذي يمنع مساعدات الشعوب العربية من الوصول إليهم  ( المسعدات القليلة التي كانت تصل أهل غزة  كان يدفع عنها رشاوى ، وإتاوات للحرس الحدودي ) ناهيك عن تدمير الأنفاق وقتل من فيها مبالغة في حصار غزة ، والمحافظة على أمن إسرائيل … ولم يكتف بهذا التآمر وهذه الخيانة ، بل طار إلى الغرب ليؤلبهم على حماس ويحذرهم من انتصار حماس كما كشف محمد حسنين هيكل إذا قال في برنامجه الأسبوعي بقناة الجزيرة : » …إن الساسة الأوروبيين الذين قابلوا مبارك نقلوا عنه كلاما مفزعا »، فـ « الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نقل للإسرائيليين أن مبارك قال إن حماس لا يجب أن تنتصر في هذا الصراع  » . أي تواطئ هذا  مع الكيان الصهيوني  يامبارك ؟ وأي علاقة خبيثة معهم ؟  و نبيل العربي نفسه ، لما سئل عن موقف الخارجية المصرية من حرب غزة ، قال:  » أن موقف مصر من حرب غزة كان موقفا مخجلا » لأن مصر شاركت في حصار غزة وهو موقف لا يشرفها بل ذهب برأسها . وليس مصر وحدها  ،بل إن موقف العديد من الأنظمة العربية من حرب غزة كان موقفا مخزيا ، جبانا ، انكماشيا ، انبطاحيا ، تثاقليا فاجأ العدو الصهيوني قبل الأصدقاء ، وهذا ما صرحت به وسائل الإعلام الصهيونية إذ ذكرت أن إسرائيل تفاجأت من موقف الأنظمة العربية تجاه حربهاعلى غزة

إن هذا الموقف التخاذلي وهذه الخيانة لأهل غزة ، هي السبب في الحراك الاجتماعي ، والإطاحة بالرؤوس والكبراء … ولحسن حظ الشعوب ، أنها ساندت أهل غزت منذ إعلان أول رصاصة من بندقية بني صهيون تجاه أهل غزة ونددت بالعدوان الصهيوني وطالبت بفتح الحدود لإتاحة الفرصة لمن يريد الجهاد في سبيل الله ولولا تلك المسادة لأصابه ما أصاب رؤسائها . ولحسن حظ من شملهم الاستثناء مثل السودان وفطر والمغرب…. أنهم نددوا بالعدوان الصهيوني منذ انطلاقه ودعوا إلى توحيد المواقف من العدوان ووقف مسلسل التطبيع مع العدو الإسرائيلي وبعثوا بالمساعدات لأهل غزة …. وهذا أمير قطر يرفع صوته عاليا في وجه إسرائيل فيقول :  » إن حربا تشن بهذه الأدوات على مثل هذه الأهداف لا يمكن إلا أن تكون جريمة حرب، وذلك وفق ما نعرفه من مواثيق وقوانين وأعراف دولية  »   « . ثم قوله: « يجب وقف هذا العدوان ووقف إطلاق النار حقنا للدماء بشكل يضمن وقف الحصار، فالحصار غير إنساني وغير قانوني، وكذلك فإن أي تبرير له وتعاون معه غير قانوني وغير أخلاقي، ونحن نستغرب أن يبرر التعاون مع حصار غير قانوني قانونيا ».

 إن موقف دول الاستثناء ( السودان المغرب قطر ) الشجاع  من العدو الصهيوني وتعاطفهم  مع غزة أهلها  وشجبهم للحصار والحرب على غزة وتقديم السعادات لها ، هو الذي أنجاهم مما  ابتلى الله به الأنظمة الساقطة التي صدق عليها قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل  إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير } ( سورة التوبة آية 38- 39 )

                                              بقلم عمر حيمري 1/9/2011

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *