التلميذ… والمراهقة، إشكالية من منظور واقعي
التلميذ… والمراهقة، إشكالية من منظور واقعي
بعيدا عن النظريات و إعمالا بالأسلوب المنطقي في معالجة الأمور وانطلاقا من الواقع العملي، لفت إلى انتباهي بحكم تجربتي المتواضعة داخل المؤسسات التعليمية، أن التلميذ عبر مختلف مراحله الدراسية-الابتدائية،الإعدادية،الثانوية،الجامعية- يمر بمجموعة من المراحل النفسية، ولعل أخطرها مرحلة المراهقة التي تصادف مستواه التعليمي الثانوي.
فهده المرحلة النفسية تصاحبها العديد من السلوكيات السلبية التي تؤثر على التلميذ وعلى محيطه الدراسي، كتشكيل مجموعات من تلاميذ لتخريب و تعاطي المخدرات والتهكم على الأساتذة والطاقم الإداري الذي يدير مؤسستهم الدراسية ويسهر على راحتهم.
فلي التعمق في الموضوع أكثر سوف نعرض مجموعة من المسببات التي تساهم في تفاقم المشكل – الشق الأول- لنتطرق لمجموعة من الحلول العملية والبسيطة التي تعالج الإشكالية – الشق الثاني-.
المسببات:
1- المدرسة:
فالجو لدراسي المتمثل في الاكتظاظ داخل القسم –يصل إلى 50 تلميذ في بعض الأقسام- وغياب المناظر الجمالية سواء داخل القسم أو في المؤسسة، زيادة على المناهج الدراسية التي تعتمد على التلقين والحفظ دون إشراك عقل التلميذ في العملية التعليمية، كلها أمور تساهم في استفحال مرحلة المراهقة لدى التلميذ، ففي وقت نجد فيه الدول المتقدمة والتي تستعمل المنطق في التعلم تفتح مجالات واسعة أمام التلميذ وخصوصا في سن المراهقة من أجل التواصل، و مص طاقاته الهائلة التي تعرفها هده المرحلة عبر انخراط جل الفاعلين التربويين في العملية، ودلك من خلال زرع المواطنة في التلميذ والإكثار من الورشات العلمية والتربوية والمسرحيات و مختلف الأنشطة التي توعي التلميذ بقيمة وأهمية المؤسسة التي يدرس بها، و نجد التلميذ مهتم بالمجال الذي فتح له وينخرط بكل مسؤولية في مختلف الأنشطة التي تنظمها المدرسة عبر مساندة الأسرة له، و مراقبتها سواء من قريب، أو بعيد لأنشطته وسلوكياته داخل المؤسسة، هذا في حين نجد مناهجنا التعليمية محتشمة في هذا المجال.
فالبرامج الدراسية أصبحت مملة تحس التلميذ بالملل والرتابة، فإما نجد التلميذ لا يستوعب الدروس نظرا لكونها لا تواكب مستواه في الفهم والاستيعاب، وإما نجد المنهاج التعليمي تتسم غير مواكبة لتقنيات الحديثة لتعليم، و إما أن الدروس ليست مرتبطة بالواقع العملي للتلميذ لتجلب اهتمامه وتركيزه وتحببه في الاختراع والابتكار.
فمنطلقنا هنا تلك الفيديوهات التي تعرض على شبكات التواصل الاجتماعي كثيرة تبين قدرات التلاميذ في اختراع أشياء من مواد بسيطة تكشف عن ذكائهم وقدراتهم الهائلة.فالقياس هنا كثير، والهدف منه أن طاقة التلاميذ في سن المراهقة يمكن أن يصنع منها الكثير.
كما ان الامتحانات التقليدية التي تشجع على الحفظ السريع حتى في المواد العلمية تشجع على اخطر نقطة سلبية في سن المراهقة هي الكسل والغش، و التي تكبد الطاقة الفكرية الموجودة في التلميذ، وتعتمد فقط على الامتحان الكتابي في ظل غياب الامتحان الشفوي الذي يعتبر ايجابيا في خلق ثقة لذا التلميذ وتهيئه للمرحلة المقبلة من الامتحانات الجامعية والمهنية و التي تعتمد بدورها بنسبة كبيرة على الامتحانات الشفوية.
2- المحيط الخارجي والشركاء
مما لا شك فيه أن التلميذ هو ابن بيئته والنتائج السلبية الناجم عنه داخل المؤسسة التربوية هي نتاج لسلسلة من التراكمات من أسرته مرورا من أزقته التي ترعرع فيها وصولا إلى المؤسسة، فغياب القدوة الحسنة لدى التلميذ – عائلته- الأب، الأخ، العم، الخال….- تأثر سلبا على توازنه النفسي، مما يتجه به إلى خلق قدوة من الأفلام والمسلسلات والمغنيين والممثلين من دراما …الخ، يحاول أن يطبقها في المكان الذي يقضي فيه اغلب وقته اليومي – المؤسسة التعليمية-.
كما أن دلك يختلف بين المجال الحضري والقروي، ففي الوقت الذي نجد فيه أن التلاميذ في المستوى القروي اقل انفعالا وشغبا بحكم أن المؤسسة تتواجد في مجتمع ديق ومعروف تحكمه التقاليد والعادات، فالتلميذ مراقب من داخل المؤسسة و من طرف والديه وعائلته التي بدورها لها علاقة دائمة مع الطاقم التربوي والإداري بالمؤسسة. أما على المستوى الحضري فبحكم طبيعة المدن الواسعة وكثرة سكانها و أماكنها، تجعل الأسرة منشغلة بالحياة اليومية مما يجعل التلميذ في آخر اهتماماتها، وبالتالي تقل معه المراقبة والتواصل مع المؤسسات التعليمية كشريك رئيسي من اجل التحكم في السلوكيات السلبية الناجمة عن التلميذ في مرحلة المراهقة ومعالجتها.
فضعف احتضان الأسرة لأبنائها وتزويدهم بالحنان والعاطفة نتيجة لعدم الاهتمام بالمسألة أو للتفكك الأسري الناجم عن الطلاق إلى غير ذلك ، يؤثر على التلميذ في اخطر مرحلة من حياتهم التي تؤدي إلى خلل في عاطفة التلميذ التي تنعكس عليه سلبا في تصرفات عدوانية وعصبية، فغياب الحنان والعاطفة تؤدي بالتلميذ-ذكر وأنثى- إلى البحث عنها في علاقات غير شرعية – الصحوبية- التي بدورها قد تتسبب في نزوة خطيرة تتجلى تبعاتها على المؤسسة التعليمية والمجتمع والتلميذ بذاته.
3- التلميذ
فالتلميذ لا يحاول التفكير بطريقة ايجابية فكل ما يشده هو التفكير السلبي الذي يضره قبل أن يضر محيطه، فكمثال: الفكر الذي يحول القسم الذي يدرس فيه إلى مكان مكسر الطاولات والزجاج ودو رسومات في الطاولات والجدران بعبارات لا تربوية ولا أخلاقية، في حين يمكن لنفس الفكر من نفس التلميذ أن يحول القسم الذي يدرس فيه إلى مكان تربوي جميل من خلال تفريغ طاقاته بشكل ممنهج عبر رسومات توضع في ألواح وتعلق على جدران الأقسام …الخ.
كما أن العلاقات الغير الشرعية – الصحوبية- تزيد في استفحال المراهقة لدى التلميذ فهو يضل منشغلا بصديقته –صديقها- سواء داخل المؤسسة أو خارجها مما يفقد التلميذ التركيز والانتباه بل وتصير سببا مهما في مجموعة من السلوكيات العدوانية جدا إن تكلم الأستاذ أو الإداري مع التلميذ وصديقته أمامه فحينها يعتبر دلك التلميذ عبر تفكيره الخاطئ والديق أن هده المسألة تنقص من رجولته ونظرة صديقته إليه، فهده الأمور تؤدي الى مشاجرات بين التلاميذ وانتحارات سببها الفشل في العلاقات الغرامية.
فالتلميذ بدوره قد تصاحبه في حياته عيوب سواء جسمية –عيب خلقي- أو عقلية- نقص الذكاء- أو نفسية كالخجل، هده الأمور قد تأثر على التلميذ المراهق وتحسه بحالة من عدم الرضا والسخط على الوضعية بصفة عامة، وهي أمور تنعكس على مستواه التعليمي وتأثر سلبا على وضعيته داخل مؤسسته التعليمية بين زملائه فيعمد إلى لفت الانتباه عبر سلوكيات من الشغب والفوضى.
كخلاصة لكل ما حاولنا تحليله لواقع معيشي مؤسف فالمراهقة مسألة طبيعية لكن الغير طبيعي هو عدم التحكم فيها من طرف الأسرة والمؤسسة التعليمية والتلميذ بذاته، أو جعلها عذرا لمجموعة من التصرفات التي تؤدي التلميذ أولا والمجتمع المحيط به ثانيا.
الحلول الممكنة:
على مستوى الأسرة:
– الاهتمام بالوازع الديني للتلميذ؛
– غرس قيم المحبة والتسامح واحترام الغير؛
– الاهتمام بالقدوة الحسنة من داخل الأسرة؛
– تتبع التلميذ بطريقة غير محرجة أو مزعجة لتقييم والتقويم سلوكياته؛
– التعامل مع الحالات المستعصية بنوع من الحكمة والرزانة في معالجة الأمور؛
– فتح مجلات التحاور والنقاش البناء مع التلاميذ ويستحسن هنا أن تكون المسألة خارج المنزل؛
– إدماج التلاميذ في نوادي رياضية من اجل تفريغ طاقاتهم واكتساب الانضباط وشغل أوقات فراغهم درءا للانحراف؛
– الاهتمام بمواهبهم سواء الفنية وعدم البخس بها لأنها وسيلة فعالة للتواصل مع التلميذ المراهق؛
على مستوى المؤسسة التعليمية:
– تكتيف التواصل مع التلاميذ عبر خلق أيام تحسيسية وتوعوية مفتوحة – 3ايام-؛
– تفعيل دور مراكز الاستماع بالمؤسسات التعليمية؛
– تفعيل النوادي المدرسية بشكل ممنهج عبر غرس مبادئ المواطنة وحب الوطن في التلميذ؛
– العمل بأسلوب الامتحان الشفوي زيادة على الامتحان الكتابي من اجل إعطاء ثقة أكثر للتلميذ وكسبه تجربة في الامتحانات.
على مستوى التلميذ:
– إدراك أن المؤسسة هي ملك له وجب عليه المحافظة عليها، وأن الطاقم التربوي والإداري هم في خدمته ويجب عليه احترامها؛
– إدراك ان العلاقات الغرامية الغير المؤطرة شرعا هي مسائل تضر بالتلميذ(ة) دراسيا واجتماعيا وسابقة لأوانها؛
– التشبع بالأفكار الإيجابية؛
– التسلح بالإرادة والعزيمة القوية؛
– قراءة ومشاهدة التجارب الإيجابية لأشخاص طموحين نجحوا في حياتهم رغم الصعوبات الكبيرة وخير مثال:رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛
– استثمار طاقتهم في الأمور الإيجابية التي تعود عليهم بالنفع وعلى أسرهم؛
– جعل حب الوالدين حافز لتحقيق أحلامهم؛
– التشبع بروح المواطنة وعدم الاستسلام للأفكار المحبطة والفاشلة.
انجاز
إبراهيم كركور الميعاد
ممون بثانوية عبد المومن التأهيلية وجدة
Aucun commentaire