دُستور الإمبراطوية اليابانية في خمس دقائق !
أين المشكلة في أنظمة الحكم العربية؟
هل سبق لك أن قرأت دستور اليابان؟ أو على الأقل هل تعرف ما هي القوانين التي تحكم سلوكات الأفراد والسلطة اليابانية بدءاً من الإمبراطور إلى آخر عضو في مجلس الوزراء ؟
هذه هي فرصتك لذلك، لأننا سنعرض عليك أهمّ الفقرات التي جاءت في الدستور الياباني والتي تهمّنا كمواطنين في دول عربية لمحاولة الوصول إلى الأسباب التي جعلت من أنظمة الحكم العربية في الورطة التي وضعت نفسها فيها منذ سنوات، بغض النظر عن كونها أنظمة حكم ملَكية أو جُمهورية أو إمبراطورية، كما نرفق كلّ فقرة وفصل بتعليق يضعنا في السّياق الصحيح لما تعنيه تلك الفقرات.
الفصل الأول: الإمبراطور
الفقرة (4) : يقوم الإمبراطور بأداء الأعمال الرسمية التي ينص عليها هذا الدستور فقط، وليس له أية سلطات تتعلق بشئون الدولة السياسية.
– هذا معناه أنّ الإمبراطور ليس له أيّ دخل بأعمال الحكومة ولا يؤثر في مُجريات الأحداث السياسية.
الفصل الثاني: نبذ الحروب
المادة (9) يتطلع الشعب الياباني بصدق وإخلاص إلى السلام العالمي القائم على أسس من العدل والنظام، ويتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة وعن القيام بأية أعمال عدوان أو تهديد بواسطة العنف كوسيلة لحل النزاعات الدولية.
ومن أجل تحقيق الغاية من البند السابق، لا يتم امتلاك قوات برية أو بحرية أو جوية أو غيرها من القوات العسكرية، ولا تعترف الدولة بحقها في خوض الحروب.
– هذا يعني أن كلّ ما يؤدي للحرب سواء كانت حرباً داخلية أو تدخلا في الشّأن السياسي لدولة أخرى هوَ منبوذ بنصّ من الدستور. وفي هذا تتقدم اليابان على الدول التي تدّعي الدفاع عن السلام وحقوق الإنسان، والتي وقّعت معاهدات حفظ الأمن والسّلام ومع ذلك يعلم الجميع أن لغتها هي الحرب والإحتلال فقط. وهذا الإحترام الدستوري للشعوب الأخرى مُتجذر في ذهن المواطنين أيضاً.
الفصل الثالث: حقوق المواطنين وواجباتهم
المادة (15) : يمتلك الشّعب الحق الثابت في اختيار مسؤوليهم الرّسميين وعزلهم. كل المسؤولين الحكوميين خدَم للمجتمع ككل، وليس ولاية لمجموعة منه.
المادة (16) : أي فرد له الحق في تقديم التماس بشكل سلمي للحصول على تعويض عن الأضرار، أو طلب فصل موظف عمومي أو طلب إلغاء أو تعديل قانون أو أمر أو قرار أو لائحة أو غير ذلك من الأمور، ولا يتلقى أي فرد أي معاملة سلبية بسبب تقديمه مثل ذلك الالتماس.
– هذه المادة تسمح لكل المواطنين بتقديم شكوى من أي مسؤول أو موظف حكومي، لأنه في اليابان يعتبر الوزير موظفا حكومياً بمعنى الكلمة وبموجب من الدستور، وقرار عزله يمكن أن يصدر نتيجة ثبوت مخالفته لهذا الدستور. وبالتالي نلاحظ غياب كل أنواع التقديس للرئيس، أو الحاكم أو الوزير.
المادة (17) إذا تعرض أي فرد لأضرار بناء على فعل غير قانوني لموظف عمومي، يستطيع طبقا لما ينص عليه القانون أن يطلب من الدولة أو الهيئة الإدارية العامة تعويضا عن ذلك.
المادة (18) لا يجوز إخضاع أي فرد للتقييد في العبودية أي كانت. كذلك لا يعاقب بالسجن من خالف العبودية، إلا في حالة العقوبة بالحبس لجرم آخر ارتكبه.
المادة (19) لا يجب انتهاك حرية الفكر والضمير.
– أتساءل هنا هل توجد كلمة « ضمير » في أحد الدساتير العربية؟ وإن حدث وَ وُجدت بمحض المُصادفة، هل تفهم تلك الدولة وتحترم فعلاً هذا « الضّمير »؟
المادة (20) حرية العقيدة مكفولة إلى كل فرد. ولا يجب أن تتلقى أي هيئة دينية كانت امتيازات من الدولة أو أن تمارس أي سلطة في مجال السياسة.
لا يمكن إجبار أي فرد على الاشتراك بالقوة في أنشطة أو احتفالات أو شعائر دينية.
لا يجب على الحكومة أو أجهزتها القيام بأية أنشطة دينية مثل نشاطات التعليم الديني أو غيرها.
المادة (21) ضمان حرية التعبير بأنواعها مثل حرية التجمع وتكوين الجمعيات وحرية الرأي مكفولة.
لا ينبغي عمل أية رقابة. ولا يجوز انتهاك سرية الاتصالات.
المادة (25) جميع المواطنين لهم حق التمتع بصحة جيدة والعيش في حياة بها الحد الأدنى من الثقافة.
يجب أن تجتهد الدولة في رفع مستوى جميع أوجه الحياة المعيشية من الرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي والصحة العامة، وتوسيع رقعتها باستمرار.
– فلنلاحظ أنهم هنا يتحدثون عن « اجتهاد الدولة في رفع مستوى جميع أوجه الحياة المعيشية » وليس فقط تأمين الحد الأدنى، في حين أن الدساتير العربية معظمها يتحدث عن الحد الأدنى من المعيشة وإن تحدث عن رفع المُستوى لا يكون ذلك سوى حبراً على ورق.
المادة (27) يتمتع جميع المواطنين الحق والإلتزام بأن يعملوا.
يحدد القانون المعايير المتعلقة بظروف العمل من راتب و عدد ساعات العمل والراحة وغيرها.
لا يجوز استغلال الأطفال في العمل.
– هنا يمكننا أن نركز على لفظي « الحقّ » و « الإلتزام »، فكما أن الدولة تحدد لك حقوقك وتضمنها لك فإنك مجبر على الإلتزام بما هو مضمون لك.
المادة (33) لا يمكن إلقاء القبض على أي شخص، فيما عدا حالة التلبس بالجريمة، إلا بعد إظهار أمر صادر من مسؤول قضائي مؤهل موضحاً فيه الجريمة و سبب إلقاء القبض عليه.
المادة (34) لا يتم حبس أو احتجاز أي شخص إذا لم يتم تبليغه على الفور بالسبب وإعطائه الحق في طلب محامي على الفور. كذلك لا يمكن احتجاز أي شخص بدون سبب كاف، وإذا ما طُلب يجب على الفور تقديم السبب في جلسة علنية في حضور الشخص ومحاميه.
– بهذا الصدد لا يزال العالم العربي يعاني من الإعتقالات التعسفية للأفراد من بيوتهم دون أدنى حق في الحصول على توضيحات بخصوص الجرائم المرتكبة ولا أدلّته ولا حتى بتفويض عادل. وحتى المكان الذي ينبغي تفتيشه يجب أن يكون محدداً في دستور اليابان، إلى جانب الأشياء التي يمكن لمسها. وإلاّ فإن لمسها بدون تفويض قضائي يعتبر جريمة ضد المواطن.
المادة (36) يمنع منعا تاما قيام الموظف العمومي بالتعذيب أو العقاب بالعقوبات الوحشية.
المادة (37) يعطى المتهم الجنائي الفرص الكافية لسؤال جميع الشهود، وله الحق في طلب شهود للشهادة لصالحه باتخاذ إجراءات إجبارية لهم وذلك على نفقة الدولة.
– كما يستطيع المتهم الجنائي في أي حالة كانت توكيل محامي مؤهل يدافع عنه. وعندما لا يكون في قدرة المتهم توكيل محامي تقوم الدولة بذلك. إذن في كلّ الأحوال وسواء كان المواطن غنياً أو فقيراً فإنه يحظى بمحاكمة عادلة. وتنفق عليه الدولة لأجل كفالة هذا الحق.
المادة (38) لا يجوز أن يُجبر أي شخص على الشهادة ضد نفسه.
لايمكن اعتبار أي اعتراف ناتج عن الإكراه أو التعذيب أو التهديد، وكذلك أي اعتراف بعد الحجز أو الاعتقال غير القانوني لمدة طويلة، لا يمكن اعتبار ذلك دليل إدانة.
أي شخص يكون الدليل الوحيد ضده هو اعترافه الشخصي ضد نفسه فقط لا يعتبر مذبنا ولا يعاقب بعقوبة جنائية.
– وليس هذا فقط، بل إن المادة 39 تضمن للمتهم الذي تم الحكم ببراءته حقّ طلب تعويضات من الدولة على الخسائر التي تسبب بها له جراء التهمة غير الصحيحة،
الفصل السابع : الميزانية المالية
المادة (88) كل أملاك العائلة الإمبراطورية تخضع للدولة. وجميع مصاريف العائلة الإمبراطورية تضاف لميزانية الدولة ولابد أن تُعتمد بقرار من البرلمان.
– حتى الإمبراطور أملاكه وأملاك عائلته معروفة لدى الجميع وتدخل في إطار ممتلكات الدولة.
المادة (89) ينبغي ألا تستخدم الأموال العامة وغيرها من الممتلكات العامة، من أجل الصرف على مؤسسات أو جمعيات دينية أو لحماية مصالحها أو الحفاظ عليها، وينبغي كذلك ألا تُصرف أو تُقدم للصرف على أعمال خيرية أو تعليمية أو إحسان لا تقع تحت سيطرة الحكومة.
هذا وتؤكد المادة 98 على أن الدستور هو القانون الأعلى لليابان، ولا يعد أي قانون أو أمر أو مرسوم إمبراطوري أو أي عمل حكومي نافداً من حيث الشرعية أو الصلاحية إن عارض أحكام هذا الدستور.
ويجدر الإشارة إلى أن هذا الدستور صدر في 3 نوفمبر 1946 ودخل حيز التطبيق منذ 3 مايو 1947.
الآن بعد هذه النظرة الشاملة على أهم ما ورد في دستور اليابان يمكننا الخروج باستنتاجات كثيرة، منها أنه لا يهم إن كان نظام الحكم في بلد ما جمهورياً أو إمبراطوريا أو ملَكياً، المشكلة لا تنحصر في شكل الحكم بل في مبادئه وأسسه التي بُني عليها، وعلى الضّمير الذي يحكم الأفراد القائمين عليه، على اعتماد مبدأ المساواة والسّلم والعدالة في كل السلوكات اليومية والحكومية، وعلى احترام الدستور بشكل كبير، أما من يحكمون فهم مجرد موظفين يتم انتخابهم لأجل الحفاظ على حقوق الشعب وضمانها.
ألسنا إذن بحاجة إلى هذا الدستور في حياتنا السياسية العربية؟ وكيف يمكننا أن نخرج من حالة الفوضى السياسية التي تحكم أنظمتنا العربية ونكتب الدستور الذي يضمن حقوقنا ؟
كلّ هذه وغيرها أسئلة لم نصل بعد لمرحلة القدرة على الإجابة عليها مادام هناك فرق شاسع جدا بين الحِبر – الورق وَ الواقع.
للإطلاع دستور اليابان باليابانية : http://www.wipo.int/wipolex/ar/text.jsp?file_id=191548
للإطلاع عليه بالإنجليزية : http://web-japan.org/factsheet/en/pd…nstitution.pdf
Aucun commentaire