التفتيش التربوي بالمغرب قراءة في التاريخ والمآلات
رشيد الكنبور
إن من أهم الجوانب المرتبطة بالإشراف التربوي أو التفتيش، توضيح مصطلحه وتتبع نشأته وتطور مجالاته وهيكلته التنظيمية إقليميا وجهويا ومركزيا. فلقد تطور هذا المفهوم بموازاة تطور المجتمع المغربي وفلسفته التربوية متأثراً في هذا المسار بعوامل تاريخية وسياسية وسوسيو اقتصادية محلية وإقليمية وعالمية، عرف خلالها النظام التربوي المغربي سلسلة من عمليات الإصلاح التي كانت ترمي إلى تحسين جودة عملية التعليم والتعلم، بوصفها هدفا يلعب المفتش في سبيل تحقيقه دورا محوريا ومتشعبا يطال منظومة التربية والتكوين في شموليتها.
إن لمصطلح الإشراف التربوي قدرة على رفض الطواعية، فهو يبدو أكبر من أن تحتويه ذات المصطلحات حتى بين أهله من ذوي الاختصاص. نسوق لذلك مثالا من كتاب « دليل التفتيش التربوي بالتعليم الأساسي والثانوي » لمؤلفه إبراهيم الباعمراني، مفتش تربوي للتعليم الثانوي، الذي فضل مفهوم « التفتيش » على مفهوم « الإشراف التربوي » المنتسب للأدبيات التربوية الأنجلوساكسونية، مانحا بذلك الأولوية للمفهوم المهني والقانوني، على غرار الوزارات الأخرى التي نجد فيها مفتشين. أما الأستاذ درفوفي أحمد فريد، مفتش تربوي آخر من نفس السلك، فقد آثر اعتماد مصطلح الإشراف في مؤلفه « الإشراف التربوي مقوماته وتقنياته »، وهو بذلك يتبنى نفس المصطلح الذي تبناه « الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المادة 137 والذي لم يعتمد بين دفتيه مصطلح التفتيش، وفي هذا إشارة إلى أن دور هذه الهيئة يجب أن يتغير كليا « فمن الآن فصاعدا سينصب العمل بالدرجة الأولى على تأطير وتوجيه الفاعلين بالمؤسسات التعليمية بدل مراقبتهم ».
إن هذا نفس ما ذهبت إليه ندوة نظمها مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط سنة 1984 تحت عنوان: » الإشراف التربوي: واقع وآفاق »، والتي طلب خلالها السيد وزير التربية الوطنية « من المشاركين في الندوة أنذاك أن يبحثوا عن تسمية لهذا المجال، واقترحت تسمية « الإشراف التربوي » في بداية الندوة، تسمية مؤقتة، غير أن المتناظرين توصلوا خلال هذا اللقاء إلى تسمية أخرى هي » التأطير التربوي »، ثم ما لبثوا أن انتبهوا إلى أن ندوة دمشق كانت قد سبقت واعتمدت تسمية » الإشراف التربوي »، فانتهت الندوة إلى الأخذ بهذه التسمية الأخيرة ». ويمكن إقامة نفس الملاحظة في مختلف الملتقيات التربوية والجمعوية والمجلات التي تتبنى أحد المصطلحين أو هما معا، تَبَنيها لمجموعة من المصطلحات الأخرى من قبيل التنشيط والتوجيه والإرشاد والتأطير والتعهد والتفقد والمراقبة. إن هذه المصطلحات تتضمن حمولة دلالية تحيل بشكل أو بآخر إلى إشكالية أولى في المصطلح.
يحظى التفتيش التربوي في جميع الأنظمة التربوية بمكانة مهمة، بصرف النظر عمن يقوم به أهم المفتشون أم غيرهم، ففي الكيبيك مثلا، تخلى النظام التربوي عن المفتشين منذ أربعة عقود وتم الاعتماد على مجموعة من الآليات التنظيمية التي تشرف عليها مجالس المؤسسات التعليمية تحت إشراف التنظيم الجهوي. وفي فرنسا يطالعنا تقرير لجنة مباراة توظيف مفتشي التربية الوطنية سنة 2008 أنه « يجب التذكير مرة أخرى أن وظائف مفتش التربية الوطنية لا تنحصر فقط في البيداغوجيا أو الكفايات التقنية بل إنها تتطلب قفزة نوعية من وظائف المدرس إلى وظائف إطار مغاير ضمن وزارة التربية الوطنية يستحضر أبعاد السلطة والمسؤولية. »
أما في المغرب، فقد خصص لهذا الإطار مركز للتكوين يقوم بتأهيل الطلبة المفتشين لممارسة المهنة بدءا من انتقائهم من بين أساتذة التعليم حاليا، إلى تكوينهم تكوينا علميا ومهنيا يؤهلهم لممارسة المهنة ثم إلى توفير تكوين مستمر مناسب، بموازاة التكوين الذاتي، والذي لم يغفله الخطاب الافتتاحي للسيد وزير التربية الوطنية في ندوة 1984 بمركز تكوين مفتشي التعليم المشار إليها سابقا حيث أشار إلى أنه » إذا كانت الأطر التربوية العاملة في الأقسام، تتجدد، والأطر التربوية المشرفة عليها لا تتجدد بنفس الوتيرة ولا يمكن للدولة أن تجددها، فعلى المفتش أن يجدد نفسه، حتى لا يصبح ـ لا قدر الله في بعض الحالات ـ دون مستوى الأطر العاملة في الأقسام. »
وتشير الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش في معرض حديثها عن الوظيفة الرئيسية للتفتيش إلى أن هذا الأخير يسعى » في أبعاده وامتداداته إلى الرفع من جودة التربية والتكوين الجيد والنافع للتلميذ(ة) عن طريق التنظيم المحكم والتدبير الجيد لمؤسسات التربية والتكوين وبنياتهما ووسائلهما » كما تتحدث ذات الوثيقة عن المهام المحورية للتفتيش، والتي فصلتها المذكرات الوزارية من 113 إلى 118بتاريخ 21 شتنبر 2004 وما يلاحظ من خلال قراءة متأنية لهذه المذكرات تعدد المواقع التربوية التي ترتبط بها المهام المهنية للمفتش. إذ أنها تتدرج انطلاقا من فضاء الفصل، إلى الفضاء المدرسي، إلى منطقة التفتيش الخاصة بالمفتش، إلى المنطقة التربوية المشتركة مع أطر التفتيش الأخرى من مختلف المجالات والتخصصات، إلى المجلس الإقليمي للتنسيق فالمجلس الجهوي للتنسيق وصولا إلى المجلس المركزي للتنسيق. هذا بالإضافة إلى مواقع مهنية أخرى يمكن له أن يشغلها على المستوى الإقليمي أو الجهوي أو المركزي. إن هذا التنوع في المهام والمواقع المهنية يفضي إلى تنوع الوضعيات المهنية المرتبطة بالتفتيش. وهذا كفيل بتوضيح الموقع الاستراتيجي الذي تحتله هيئة التأطير والمراقبة التربوية في منظومة التربية والتكوين، لما لها من أدوار متعددة تستهدف تحسين وتجويد الأداء الفردي للمدرسين والجماعي للمؤسسات التعليمية ولمجالسها التربوية.
مهام التفتيش التربوي في ظل مستجدات الساحة التربوية:
تعرف الساحة التربوية زخما إصلاحيا أفرز مجموعة من المستجدات التربوية التي أضافت للمفتش التربوي مهام أخرى فرضها تنزيل هذه الإصلاحات على أرض الواقع، وسنهتم في هذه الورقة برصد هذه المهام من خلال مجموعة من المستجدات من قبيل: مشاريع البرنامج الاستعجالي وتقرير المجلس الأعلى للتعليم حول تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي، ومقترحات نقابة مفتشي التعليم المرتبطة بهيئة التأطير والمراقبة التربوية، وأخيرا وثيقة الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم المتعلقة بآليات تنظيم التفتيش.
البرنامج الاستعجالي ( المشروع E3P2)
خص البرنامج الاستعجالي هيئة التأطير والمراقبة التربوية بمشروع مستقل ( E3P2)، يهدف إلى تعزيز آليات التأطير والتفتيش بالتعليم المدرسي، لضمان تأطير ناجع ومعقلن وفعال للأطر التربوية وللمؤسسات من أجل تحسين المنتوج التربوي، في أفق إعادة الثقة بين المجتمع والمؤسسة التربوية العمومية. وقد جاءت هندسة هذا المشروع على شكل مكونين يستهدف أولاهما ضمان تأطير فعال وتقويم ناجع لمختلف مكونات العملية التربوية. أما الثاني فاهتم بإعطاء نفس جديد لمهنة التفتيش للقيام بأدوارها التأطيرية على أحسن وجه وتندرج تحت كل مكون تدابير ومؤشرات للتتبع.
ويمكن أن نلاحظ من خلال هندسة هذا المشروع أنه يهدف بالأساس إلى تعزيز آليات التأطير والتفتيش بالتعليم المدرسي و يدعو إلى بناء مرجعية لتنظيم التفتيش وتحديث إستراتيجية التكوين الأساس والمستمر لجهاز التفتيش، كما يمكن أن نستشف تركيزه على المهام التالية:
à مهمة التأطير، ويعتبرها من أولويات عمل الهيئة؛
à مهمة المراقبة؛
à مهمة التقويم؛
à مهمة افتحاص المؤسسات التعليمية كمهمة جديدة لهيأة التفتيش.
من جهة أخرى فقد فرض تنريل هذا البرنامج بالميدان على هيئة التأطير والمراقبة التربوية وضعيات مهنية أخرى من بينها:
à المشاركة في مختلف اللقاءات مركزيا وجهويا وإقليميا؛
à حضور تكوينات على الصعيد المركزي والجهوي والإقليمي؛
à إنجاز برامج التكوين جهويا وإقليميا؛
à الإشراف على بعض مشاريع البرنامج الاستعجالي.
تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2009 حول تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي:
أشار المجلس الأعلى للتعليم في تقريره لسنة 2008 « إنجاح مدرسة للجميع » إلى أن » هيئة التفتيش لا تقوم دائما بدورها تجاه المدرسين في التوجيه والتأطير والدعم، ويبقى عملها، في الغالب، منحصرا في المراقبة التربوية. » وأكد أنه من المفروض أن يحظى المدرسون في أداء مهامهم بمواكبة ودعم المفتشين الذين تقع على عاتقهم مهام التأطير والإرشاد وكذا بناء علاقة دائمة مع المدرسين تمكنهم من الاضطلاع بأدوارهم، على النحو الأمثل. بيد أن الظروف المادية لعمل هيئة التفتيش، لا تشجعها على الانخراط التام في عملها، ولاسيما، بالنظر إلى ضعف وسائل العمل اللازمة، ومحدودية التواصل والتنسيق مع الإدارة المركزية وعدم انتظامها.
وبناء عليه عمل المجلس على اقتراح مشروع، سنة 2009، يتمثل هدفه في تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي والذي يندرج في سياق الاهتمام الخاص الذي يوليه المجلس للنهوض بمهام كافة الفاعلين التربويين ولاسيما المفتشين منهم، نظرا لدورهم الفاعل في المنظومة التربوية. لهذا فهو يهدف إلى « جعل أدوار التفتيش التربوي أكثر انسجاما وملاءمة مع خيارات ومتطلبات الإصلاح التربوي وديناميته، ولاسيما بتمكينه من جهاز فعال للتقويم والافتحاص الداخلي متمتع بالاستقلالية اللازمة لأداء هذه المهمة على الوجه الأمثل، بشكل يهدف إلى الارتقاء المطرد بمحصلات عمليات التدريس والتعلم في مختلف المؤسسات التعليمية ».
وقد أشار التقرير إلى « »تعدد المهام التي تسند للمفتشين التربويين من قبل الإدارة، علاوة على مهامهم الأصلية، مما يكون في الغالب، على حساب اضطلاع المفتش التربوي بدوره الأساس المتمثل في التأطير والتكوين والتنشيط والتقويم البيداغوجي والبحث التربوي ».
لهذا فقد دعا إلى ضرورة تدقيق مهام وكفايات التفتيش التربوي وتطويرها ضمن المرجعيات التشريعية والتنظيمية والبيداغوجية والتكوينية، مع ملاءمتها لمتطلبات التخصصات التعليمية.
وفي هذا الصدد ميز التقرير بين نوعين من المهام:
à مهام المراقبة التربوية والتأطير والتكوين والبحث والاستشارة؛
مهام الافتحاص البيداغوجي للمؤسسة التعليمية بواسطة فرق متعددة التخصص للتفتيش تتمتع بنوع من الاستقلالية الوظيفية التي تستلزمها مقتضيات التقويم الموضوعي
مقترحات نقابة مفتشي التعليم المرتبطة بجهاز التفتيش:
تناولت مقترحات نقابة مفتشي التعليم (أكتوبر 2009) جملة من التدابير سنشير فقط إلى ما يتعلق منها بمهام التفتيش بالمنظومة التربوية.
• إن الوضعية الحالية لجهاز التفتيش في رأي نقابة مفتشي التعليم تعرف نوعا من التناقض بين الخطاب وواقع الحال فعلى مستوى الخطاب تلعب الهيئة دورا استراتيجيا في المنظومة أما على مستوى الفعل فيبقى دورها استشاريا في أحسن الأحوال. كما أن الاختصاصات غير مؤسسة على سحنة معلومة ومدققة لمهام المفتش يميزها غياب خطة وطنية للتفتيش على مختلف المستويات مركزيا وجهويا وإقليميا. وبالتالي فالمقترحات في هذا الصدد تتجه نحو تفعيل الأدوار الاستراتيجية لجهاز التفتيش على مستويات القرار -التخطيط –التنفيذ – التقويم –التتبع – والمعالجة للتحكم في المنتوج التربوي وتفعيل الوكالة الوطنية للتوجيه والتقويم.مع ضرورة الاتفاق على دليل للوظائف والكفايات الخاصة بالمفتش بمثابة مرجعية قانونية مفصلة لعمل المفتش. إضافة إلى ضرورة التطابق بين الاختصاصات المنصوص عليها في المراجع القانونية والمهام المزاولة فعليا والتعويض عن المهام التي لا تدخل ضمن الاختصاصات.
الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم
تشير وثيقة الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم تحت بند مهام و مسؤوليات المفتشين إلى اضطلاع المفتشين العاملين بالجهات والأقاليم بمهامهم تحت إشراف المنسقيات الجهوية التي تعمل بدورها تحت إشراف المنسقيات المركزية المنضوية تحت لواء المفتشية العامة التي تضمن تناسق وانسجام عمل هيأة التفتيش.
وتعتبر الوثيقة المهام التي يقوم بها المفتشون أساسية لضمان حسن سير النظام التربوي اعتبارا للدور الهام لهيأة التفتيش في تأطير مؤسسات التربية والتكوين، وتشير إلى ضرورة تنظيم هذه المهام مركزيا وجهويا وإقليميا وفقا لما جاء في النصوص التنظيمية وخاصة الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش والمذكرات الملحقة بها. وتصنف مختلف المهام المنوطة بالهيأة كما يلي:
à التقويم: تتطرق الوثيقة إلى نوعين من التقويم:
تقويم فردي: حيث يقوم المفتش بالتقويم الفردي لأداء الموظف التربوي والتزامه في مختلف مراحل حياته المهنية بالتوجيهات التربوية الرسمية، وهكذا يقوم المفتش مثلا بتقويم الكفايات المهنية للمدرس ومدى احترامه للمقررات الدراسية وقدرته على تحسين جودة التعلمات، كما يأخذ بعين الاعتبار مدى انخراطه في تحسين جودة الحياة المدرسية. وتتوج المراقبة التربوية بتقرير مكتوب يذيل بنقطة تحتسب في ترقية المدرس، وينبغي أن تتم في إطار مجموعات عمل المناطق التربوية التي تهيئ لها باجتماعات تخصصية تضع منهجية موحدة لتنفيذ هذه المهمة.
تقويم المؤسسات: إلى جانب التفتيش الفردي للموظف التربوي تقوم هيأة التفتيش بافتحاص مؤسسات التربية والتكوين مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا اعتمادا على مرجعية وطنية للجودة. ويمكن هذا الافتحاص من تشخيص حالة المواد الدراسية والتقدم الحاصل في تنفيذ البرامج الوزارية ومشاريع الإصلاح وملاءمتها لحاجات المنظومة واقتراح الحلول المناسبة للتدخل
à التأطير: على المفتش أن يقوم بتأطير الموظفين التربويين خاصة المبتدئين منهم والذين تواجههم صعوبات وعندما يتعلق الأمر بإرساء إصلاح جديد. كما ينبغي أن ينشط ندوات تربوية ولقاءات مع المعنيين لتطوير كفاياتهم وتأهيلهم للقيام بمهامهم على أحسن وجه وضمان انخراطهم في مشاريع الإصلاح.
à التكوين: يساهم المفتش في تخطيط وتنظيم وتتبع التكوين الأساس والمستمر للموظفين التربويين ومواكبتهم في أولى خطواتهم المهنية، ويلعب دورا أساسيا في وضع مخططات التكوين المستمر مركزيا وفي تتبع تنفيذها وتقويم أثرها على الأداء المهني، كما يساهم في تحديد حاجات المستهدفين من التكوين. ويقوم المفتش أيضا بتأطير الدورات التدريبية التي يخضع لها الموظفون التربويون في طور التكوين.
à الخبرة: نظرا للخبرة التي راكمها المفتش، يمكن اللجوء إلى خدماته من طرف المديريات المركزية أو الأكاديميات أو النيابات للعمل على ملفات معينة. كما أن هذه الخبرة تسمح له بتأطير بحوث تربوية ذات طبيعة تدخلية أو صياغة مذكرات وزارية وجهوية أو قيادة لجان إعداد الامتحانات الإشهادية والمهنية.
. يتبع …./…
1 Comment
en attente de la suite