دعي الحمار جاهزا
محمد شحلال
كان للدواب دور لا بديل عنه ذات زمن في بلدتنا،حيث كانت الفلاحة تعتمد تهيئة الأرض عبر المحراث الخشبي الذي تجره هذه الدواب،وذلك بسبب طبيعة الأرض التي تتزاحم فيها الشعاب والعقبات،وتضن بالحقول المنبسطة،وكأنها تأبى إلا أن تظل في غنى عن المكننة!
لم يكن جر المحراث وتبعاته ،هو كل ما ينتظر هذه الحيوانات التي طالما نالتها غلظة البدو،بل كانت منذورة لكل الأعمال على مدار السنة،بما فيها نقل ماء الشرب من الابار وحمل الحطب،ثم الاستعداد ليوم السوق الأسبوعي مبكرا لحمل رب البيت ومقتنياته ذهابا وإيابا،وبالإجمال،فإن الدواب كانت عنصرا لا يستغنى عنه في حياة الأهالي إلى زمن قريب بعدما انتشرت وسائل النقل ولم يعد هناك من حاجة لهذه المخلوقات التي اختفى أثرها بشكل لافت امتثالا لسلطة التحولات المتسارعة.
عندما كان الأهالي يتوجهون في الغسق إلى السوق التماسا للرزق وهم يحملون بعض البضاعة لمقايضتها بما يستجيب لحاجياتهم،فإنهم كانوا يتحملون كثيرا من صور الحرمان المادي والمعنوي التي تنتهي في ظهور الدواب البريئة وخزا وضربات قاسية،وكأني بهؤلاء البدو يطفئون رغبة الانتقام من عدو مجهول بإيذاء مخلوقات خرساء !
كان اقتراب عشية السوق بمثابة امتحان عسير لجل الأهالي الذين يتمثل جلهم الأمثال، لتوفير ما يضمن شراء متلازمتي السكر والشاي بالدرجة الأولى،وهو ما كان يجعل هذا الموعد مرادفا للهم والمرارة اللذين يلازمان شريحة عريضة من الناس.
وبالرغم من كل مظاهر الحاجة وانعدام مصادر قارة للدخل،فإن الأهالي كانوا يجدون في القطعان والحبوب وبعض المنتجات الأخرى،بضاعة تسمح لهم بالتسوق والعودة بما يحفظ ماء الوجه،أما الان وقد توالت السنوات العجاف وجف معها الزرع والضرع،فإن ساكنة البلدة ،لم يعد أمامهم ما يواجهون به توالي الأيام السوداء،ولست أدري كيف يواصل هؤلاء الناس حياتهم في أرض لا يسود فيها إلا الصقيع والأحراش القاتمة وكأنها تدعوهم للفرار.
إن الحالة مزرية في بلدتنا كغيرها من العديد من المناطق التي يجثم على رقابها جفاف قاتل،ولا يبدو في الأفق ما يحد من مخاوف الناس لا سيما وأن كل حاجيات البدو لم يعد للأرض فيها دور كما كان الأمر في الماضي ،بينما لا يظهر للجهات المعنية تدخل مشهود، يعيد للنفوس أملا في غد أفضل.
ولعل مما يغذي مرارة الأهالي،أن الأسواق قد تناسلت،وتقلصت المسافة بين مواعد السوق،وهو الأمر الذي عبر عنه أحد الأقارب منذ عقود حينما عاد من سوق بلدتنا الأسبوعي،ذلك أنه لما استقبلته ابنته كالعادة ،وشرعت في إنزال ،،التسويقة،،من على ظهر الدابة،خاطبها قائلا :
– أورتكسذ ثاحلاسث قام أيتشا ذالسوق !( أتركي الدابة ببردعتها،فالسوق غدا)!
لقد كانت عبارة بليغة،تجمع بين عناصر متداخلة وذات شجون : تسارع الأيام،وقلة ذات اليد،وصعوبة تلبية الرغبات…
لم تجتمع شروط الحياة الكريمة يوما في البلدة لشخص،لكن العودة من السوق،لم تخل من لحظات دعة بما يتخللها من أخبار ومقتنيات بسيطة تصنع فرحة عابرة للأسرة،أما الان فإن للحياة طعما اخر، لا يمت بصلة لزمن امتزج فيه البؤس بلحظات سعادة مأسوف عليها.
Aucun commentaire