مصلحة التكوين بجماعة وجدة تحقق التميز بدون إمكانيات
مصلحة التكوين بجماعة وجدة
تحقق التفوق بدون إمكانيات
بدون إمكانيات، وبدعم مادي صوري محتشم ممنوع من الصرف، وبدون طابعة ولا حاسوب ولا ناسخة، بل وحتى بدون مكاتب محترمة أو قاعة مجهزة، وقف جنود أقوياء من موظفين وموظفات، سلاحهم الوحيد حب الوطن والغيرة على الإدارة بطموح تجاوز الحدود..طموح نحو تنزيل البرنامج السنوي التكويني مهما كانت الظروف وفي ظل كل الصعوبات، برنامج يروم الرفع من مستوى الإنتاج والتحرك بالإدارة العمومية نحو التميز والإبداع وإعطاء الصورة المشرفة للوطن ولتكون أنموذجا يحتدى، ومثلا أعلى يقتدى به من طرف كل الإدارات على امتداد التراب الوطني الشاسع.
إنها ثاني دورة تسجلها مصلحة التكوين، وكأنها إصابة من زاوية مستحيلة أملتها ظروف وتحديات وإكراهات لا تشجع على فعل أي شيء، ووقع الحدث، الحدث الدورة، دورة لا كالدورات، يقول موظف ممن حضروها، ويقول آخر دورة ندم كل موظف لم يحضى بشرف حضورها والاستمتاع بها، دورة جعلتني أستيقظ من سبات عميق دام أربعين سنة يقول آخر، دورة عرفتني على نفسي من أكون وما دوري كمواطن في بلاده أولا، وكموظف في إدارة ثانيا يقول رابع، ويقول خامس وسادس وسابع..
وخلاصة القول من قال: إننا لا نستطيع كإدارة عمومية ( محكورة) أن ننظم دورة احترافية عالمية بكل ما تحمل الكلمة من معنى؟ من قال: إننا لا نملك أطرا وعلماء ومفكرين وأكاديميين ومدربين احترافيين في مستوى أن يصنعوا الحدث بكل امتياز؟
ومن قال: إننا – حتى بدون إمكانيات- يمكن أن نبني من خشاش الأرض وقصب السواقي قصرا مهيبا وجميلا؟ فقط عندما يكون تمة إصرار على الفعل وبإرادة لا تقهر وعزيمة لا تعرف التراخي أو الذبول.
لقد كانت دورة التواصل وفن التعامل مع الآخرين، أحسن دورة حضرتها في حياتي، دورة أحدثت إنقلابا في مفاهيمي، لقد اشتغلت في الإدارة لأزيد من عشرين سنة وكنت أظن نفسي أنني موظف جيد ويحترم وظيفته ويقوم بكل مسؤولياته، ولكن تبين أنني في وظيفتي كنت ظالما لنفسي ولوطني وأبناء وطني ولزملائي وحتى للمسؤولين الذين تولوا أمري, لقد تبين لي أن العديد من المشاكل التي وقعت لي في الإدارة طيلة هذه السنوات، والتي على إثرها غيرت موقع عملي عشرات المرات، لقد كنت مخطئا في معالجتي لها وفي تعاملي مع من كان خصما لي فيها، فيا ليتني كنت أعلم حينها ما أنا على علم به الآن، ولو كان الأمر كذلك لكنت أنا النقطة البيضاء التي تتسع وتتسع حتى يعم البياض كل إدارتي، ولنظرت إلى نفسي معالجا ومصوبا أكثر من تركيزي على أخطاء الآخرين التي تغييرها رهين بتغيير ما بي.
رغم أن هذه الدورة كانت بامتياز تخاطب فينا وفي عقولنا وعواطفنا الجانب الإداري الواعي الغير منعزل عن البعد الحضاري الذي يسهم في بنائه كل المغاربة وفي كل المواقع وفي كل الإدارات والمؤسسات والشركات، فإنها قد خاطبت في الوجدان الإنساني كمجرد إنسان ينتمي للبشر، وكزوج لامرأة ظللت عمري كله أخطئ في تواصلي معها، وكأب لم يرى مني أبنائي لحظة عناق أو أنس ومتعة.
لقد كنت بحق كمن كان أعمى وقد رد عليه بصره. إنني لن أنسى نشوة الزملاء وهم يتتبعون بكل عطش كل كلمة قالها المؤطر وكل حركة قام بها إما شارحا أو موضحا أو مسليا أحيانا بمرحه المدهش حتى لا يتسرب إلينا الملل .. بكل صدق لم أرد لهذه الدورة أن تنتهي لشعوري بأن كل كلمة قيلت فيها وكل فيلم أو مثل ضربه المؤطر إلا وكنت أرى نفسي فيه،
ولن أفشي سرا وهو سر يحمله كل زملائي الموظفين الذين حظوا بهذه اللحظات التي لا تنسى أبدا، أن من أغرب ما سمعنا طيلة هذين اليومين الجميلين، هو أن هذا المؤطر العالمي الفذ يقول عن نفسه أنه مجرد موظف في الجماعة الحضرية ومثله مثل سائر إخوانه الموظفين , وأن حبه لإخوانه هو فقط من جعله يقبل بتأطير هذه الدورة مجانا وبدون أي مقابل، لقد ضجت القاعة بالتصفيق الحار وهم يتلقون هذه المعلومة من رئيس مصلحة التكوين، إعجابا منهم وإقرارا أن هذا السلوك ينم عن تضحية كبيرة وحب خالص للموظفين وللإدارة. لقد استأذنته بنشر هذا المقال وقلت له أنني سأقول كل ما اعتراني وكل ما أذهلني وعشته طيلة هذين اليومين، فكان طلبه الوحيد هو ألا أذكر اسمه في المقال وليبقى العمل خالصا لوجه الله الكريم وأنه لا يريد منا جزاء ولا شكورا.
هذا التواضع يشهد به كل الذين حضروا هذه الدورة، وخير دليل أن حتى الذين اشتغلوا معه لسنوات لم يكونوا يعرفون عنه أي شيء سوى كونه موظفا عاديا يقوم بواجبه كسائر الموظفين.
شكرا لك أستاذي الفاضل, وأرجو أن تتكرر مثل هذه الدورات التي لو علم الرجل قيمتها لسافر من أجلها لآلاف المسافات، فكيف لا يأتيها موظفون منازلهم أقرب إلى قاعة الدورات من مقر عملهم، وكيف لا تدعم من طرف المسؤولين الذين بخلوا عنا حتى باستراحة تكون في المستوى، على الأقل تقديرا لما قدمه هذا الدكتور الكبير وهو ابنها، وتشجيعا لباقي الموظفين ليحضروا لمثل هذه الدورات التي تعمل على وضعهم في المسار الطبيعي الذي هو مسار الإبداع والعمل والجدية وتحمل المسؤولية، أم أن أموال إدارتنا تصرف فقط في تكريم من لم يقدموا شيئا لمدينة وجدة، أو تصرف على الراقصات والمغنيات في المهرجانات المنحرفة التي تفسد أخلاق الناس وسلوكهم، شكرا لك وسأظل مدينا لك ولمصلحة التكوين مدى الحياة. وأخيرا أرجو من كل زملائي الذين حضروا معي هذه الدورة أن يدلوا بشهاداتهم فيها وليصححوا لي ما قلت إن رأوا أنه مجرد مزايدات أو مغالطات.
أ.ب
Aucun commentaire