أحمد الزايدي، ورقة اليازغي الأخيرة والخاسرة
أحمد الزايدي، ورقة اليازغي الأخيرة والخاسرة عبد السلام المساوي: ونحن أطفال، ونحن صغار، ونحن تلاميذ، كنا عندما نجتاز الامتحان في نهاية كل سنة دراسية، ننتظر إعلان النتائج المحددة للمصير؛ ينتقل، يكرر، يفصل… كنا ننتظر هذا الإعلان بفارغ الصبر، وبكثير من القلق والخوف، وبعد الإعلان يبدأ الفرح والاحتفال بالنسبة للبعض، الحزن والمأساة بالنسبة للبعض الآخر، وكان عندما يسأل احدنا عن النتيجة، إن كان ناجحا يجيب بنوع من الانتشاء والافتخار، “نجحت” ويرجع أسباب النجاح إلى مجهوداته اليومية واجتهاداته الذاتية، ويصبح بالنسبة للأهل موضوع تباهي وافتخار، وان كان راسبا يجيب “سقطوني”، ويرجع أسباب السقوط إلى تهاون المدرسين، وكسلهم، طول المقرر وغموضه، طبخ النتائج والتلاعب بها، وكان بعض اباء هؤلاء لا يجدون حرجا في ترديد عبارة ” ولدي باعوا بلاصتوا، ولدي نجح لكن عوضوه بفلان اللي كان ساقط”. مناسبة هذه العودة إلى الطفولة وشغبها، هو ما صرح به احمد الزايدي عقب فشله في الوصول الى منصب الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ، فاذا كان المؤتمرون، كما وكيفا، في الدور الثاني لانتخاب قائد حزب القوات الشعبية، اختاروا ادريس لشكر زعيما، صوتوا لصالحه عن قناعة واختيار، فالزايدي كان له تفسير آخر، تفسير يبرر الهزيمة، ارجع فوز لشكر إلى تدخل جهات خارجية ! وسنحاول بقليل من الموضوعية وكثير من المنطق مناقشة “رأي” “الزايدي” أو على الأصح رأي من أوهمه يوما بأنه سيقود الاتحاد. لما فاز الزايدي في الدور الأول، متفوقا على ولعلو والمالكي، استبشر منصبا، وانصرف جاهدا، هو وجماعته، إلى كسب أصوات المؤتمرين ليتفوق على منافس مزعج، اسمه ادريس لشكر، لم يتحدث عن تدخل الجهات الخارجية ولم يشكك في نزاهة التصويت واستقلالية الاختيار لدى المؤتمرين، ولكن الرجل/ المرشح غير حديثه مع ظهور مؤشرات قوية دالة على فوز واضح لمرشح ناجح، ادريس لشكر. نتائج الشوط الأول استقبلها الزايدي بغبطة وانتشاء، بفخر واعتزاز، مصرحا أنني “نجحت”. مزاج الرجل لن يدوم طويلا، نتائج الشوط الثاني كشفت عن المستور وأسقطت القناع، أفقدت الزايدي الروح التي ينبغي أن يتحلى بها كل سياسي آمن بالاحتكام إلى الديموقراطية.. لم يفز بمنصب الكاتب الأول واعتبر ذلك نتيجة لضغوطات خارجية “سقطوني” يتكلم عبد الاله بنكيران عن التماسيح والعفاريت لتبرير اخفاقاته حكوميا، وتكلم عبد الواحد الفاسي بالأمس القريب عن الأيادي الخفية التي مكنت حميد شباط من اعتلاء منصب الأمين العام لحزب الاستقلال، واليوم يتكلم الزايدي عن تدخلات خارجية حرمته من قيادة قطار الاتحاد.. إن ما يجمع بين هؤلاء هو الارتماء في أحضان الخطاب الميتازيقي لتبرير الفشل، ومعلوم أن هذا الخطاب سهل ومريح، لأنه يفسر كل شيء بارجاعه إلى قوى خفية وغيبية، بعيدا عن قلق السؤال، عناء التفكير ودقة البحث، إن الخطاب الميتافيزيقي يروم الارتفاع عن الواقع والتهرب من الحقيقة التي تقوم أساسا على الدليل والبرهان، العمق والدقة… إن ما صرح به الزايدي كلام في كلام، كلام مرفوض منطقيا ومتهافت واقعيا. ماذا يقصد الزايدي بالجهات الخارجية؟ كيف تدخلت؟ نريد وقائع وأدلة، نريد كلاما مؤسسا وتصريحا معقلنا، نرفض النكوص إلى سلوكات طفولية “سقطوني” كنا نعتقد أن الزايدي تجاوزها وبلغ الرشد الثقافي والسياسي لما تنطع فرشح نفسه لقيادة حزب قاده زعماء اسطوريون؛ المهدي، بوعبيد، اليوسفي.. ويظهر لي أن الاتحاديين كانوا رحماء بالزايدي لما أراحوه من مسؤولية لا يستطيع تحملها، فهو غير مؤهل لها فكريا وسياسيا وتبين انه غير مؤهل لها أخلاقيا، إن الواجب الأخلاقي كان يقتضي أن يبادر الزايدي إلى تهنئة منافسه/ أخيه تعبيرا عن رفعة سياسية ونبل سلوكي، وهذا ما لم يفعله ! بكل بساطة لانه غير متشبع بقيم الديموقراطية وقواعدها. على القناة الثانية، وفي برنامج “مباشرة معكم” الذي استضاف المرشحين الخمسة لقيادة الاتحاد الاشتراكي، ردد الزايدي مرارا، وفي شرود واضح، القولة المأثورة لعبد الرحيم بوعبيد “السياسة أخلاق” عبد الرحيم كان يعي ما يقول، يومن بما يقول، ويشهد التاريخ أنه جسد هذه القولة عبر مساره السياسي والشخصي، مارس وبامتياز استثنائي السياسة باخلاق رفيعة، مما جعله يراكم احترام الأعداء والخصوم قبل الإخوة والأصدقاء. لقد أسس عبد الرحيم بوعبيد لمدرسة يشكل فيها الزايدي نشازا، انه في البدء والختم ليس من تلامذتها، انه نما وتربى في مدرسة أخرى، مدرسة مناقضة لمدرسة بوعبيد من حيث الأسس والأهداف، أنه “النسخة الفاشلة لمصطفى العلوي، حيث كانت نشرات الأخبار في التلفاز لا تعرف من الأخبار غير الأنشطة الملكية والعهد الميمون، والديموقراطية الحسنة ومغرب البناء وأمطار الخير والبركات.” الايام العدد 550 – 27 دجنبر 2012. على القناة الثانية مباشرة مع المغاربة ومع الاتحاديين صرح الزايدي بان “برنامجه” يتأسس على استقلالية وسيادة القرار الحزبي وكأن هناك قرارات حزبية تدخلت فيها جهات، أو أن هناك من بين المرشحين من يمكنه أن يسير في هذا الاتجاه ! ونسجل بتقدير كبير رد حبيب المالكي بأن الاتحاديين لو اشتموا رائحة تفيد أن قرارهم الاتحادي ليس مستقلا لانتفضوا فرادى وجماعات، إن المالكي هنا شاهد على الحزب، على تاريخه العصي عن كل تدخل، بالأمس واليوم وغدا. طبعا الزايدي يجهل هذا التاريخ جهلا يكاد يكون مطلقا، لأنه لم يكن فاعلا فيه بل انه لم يكن منخرطا فيه، فحين كان الاتحاد يعلنها “لا” علانية وجهارا، بكل وجرأة وشجاعة، كان الزايدي غارقا في التلفزيون ينافس مصطفى العلوي في سحر البيان وقوافي المديح، كان ينظر إلى المغرب، إلى الاتحاد بعيون تلفزية وكان يعدم استقلالية الخبر والتعليق، استقلالية التحصيل والحكم، لقد كان خديما طيعا يستقبل التعليمات وينفذ الأوامر. وليعلم الزايدي ومن خلفه بل أمامه، أن تاريخ الاتحاد الاشتراكي هو تاريخ استقلالية القرار وسيادة الموقف” وهذا سبب صموده وسر تميزه، وحده حزب القوات الشعبية من رفض التدخل في سيره وصيرورته، وهذا ما كلفه الثمن غاليا والفاتورة عند هيئة الإنصاف والمصالحة، لنتذكر موقف الاتحاد من الاستفتاء في الصحراء المغربية، لنتذكر عبد الرحيم بوعبيد وهو يتلو قوله تعالى ” رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”، لنتذكر لاءات عبد الرحيم في وجه المرحوم الحسن الثاني، لنتذكر رفض الالتحاد اقتسام الغنائم الانتخابية، لنتذكر رفض الاتحاد التدخل في تعيين كاتب أول خلفا لعبد الرحيم بوعبيد، لنتذكر… أن من فقد ذاكرة الاتحاد الاشتراكي أصبح خارج الاتحاد وخارج التاريخ، وكذلك هو الزايدي. ونسجل بكل احترام وتقدير موقف الأستاذ حبيب المالكي الذي يؤكد حكمة الرجل وهدوءه، تقبل بروح ديموقراطية وسمو إنساني، انسحابه من المنافسة على قيادة الاتحاد في الدور الأول استجابة لإرادة المؤتمرين والمؤتمرات، استقبل النتيجة واحتكم إلى العقل والمنطق متحررا من الطاعة العمياء للعاطفة والوجدان تجنبا لأوهام الذاتية المعذبة وإغراءات الأنانية المدمرة، وهذا شأن الكبار، وحبيب المالكي أحدهم، أستاذ بادق ما للكلمة من معاني فكرية وكفاءات تربوية وعطاءات إنسانية، لنستمع إلى ادريس لشكر “لن يفوتني أن أوجه إلى أخي ورفيقي في المسؤولية لسنوات الحبيب المالكي الذي كان سباقا لإضفاء طابع الانفتاح والشفافية في تحضير هذه المحطة (المؤتمر الوطني التاسع) فكلكم تعرفون مقدراته النظرية والتنظيمية التي تجعل منه كفاءة تغني الحزب، سياسيا وفكريا وتنظيميا”. الحبيب المالكي، إذن، استقبل نتيجة الدور الأول بنضالية عالية، لم ينفعل ولم يغضب لم يعلق “هزيمته” على أحد، ترفع عن التبريرات المرضية والاتهامات الخبيثة، وكانت نهاية الدور الأول بداية للدور الثاني، المالكي لم يتهرب من المسؤولية الملقاة عليه ككفاءة اتحادية وازنة، بل فكر فقرر؛ السياق ينادي لشكر، إنه عنوان المرحلة. بكل جرأة وشجاعة، وقبل ذلك بكل إيمان واقتناع دعا إلى التصويت لصالح لشكر، وهكذا جنب الحبيب مسانديه الارتباك، لذلك عانقوا الوضوح. فتح الله ولعلو مناضل يستحق ألف التفاتة وألف تحية، إنه كما قال لشكر ” أخي فتح الله ولعلو الذي أقول أنه قائد قد عايش المؤسسين وصاحب المراحل الكبرى للنضال، وسيظل بالنسبة لي أخا نستقي منه الرأي النافذ”. طبعا فتح الله ولعلو واجه “الهزيمة” بصيغة مختلفة واجهها بعزلة الأنا، غادر المؤتمر بلا استئذان، انسحب ليغلق ابواب عالمه الداخلي في وجه الاتحاديات والاتحاديين، انسحب وأغلق هواتفه النقالة، قطع قنوات الاتصال والتواصل… انه أراد أن يعود إلى ذاته، انه المناضل الجريح الذي انكسر في هذه المحطة بعد سلسلة من النجاحات المتراكمة هنا وهناك، وبذكاء الأستاذ المفكر وتجربة المناضل المحنك وعى ان اسباب الهزيمة في هذه المحطة عند الاتحاديات والاتحاديين، لذلك تجنب مغالطة الوعي وخداع الذات عندما تفادى الصاق التهمة بالقوى الخارجية. انسحب إذن، وترك لمسانديه حرية الاختيار والتصويت، ولما قارنوا بين الزايدي ولشكر، قال اغلبهم ادريس أفضل، انه اتحادي في الماضي والحاضر، إذن قائد المستقبل. وحده احمد الزيادي استثناء، استثناء ينم عن بؤس نضالي وخبث سياسي، انه يتخبط في قلق انطولوجي، عندما يتأمل فشله يصدمه نجاح ادريس لشكر، وهو الذي بنى حملته من البداية إلى النهاية على الإساءة إلى لشكر، تجاهل المنافسين الاخرين ليتفرغ للهجوم على ادريس بكثير من السب والشتم والقذف والتجريح، انه هجوم يعكس باطنا خزانا للبغض والكراهية. وللهروب من ألم الهزيمة يخادع الزايدي نفسه فيبحث عن التبريرات كآلية لا شعورية للدفاع عن مرشح للكتابة الاولى فاقد للشرعية التاريخية والنضالية والديموقراطية، فقد وصلت به الوقاحة إلى تضخيم الأنا بالكذب والتحريف، وذهبت به قلة الحياء إلى ادعاء أن هناك جهات خارجية ضغطت على المؤتمرات والمؤتمرين، وهذه ليست إساءة في حق ادريس، بل إساءة إلى كل الاتحاديات والاتحاديين، طعن في نزاهتهم ومصداقيتهم، وهذا ما لم يجرؤ عليه الخصوم والاعداء. ان ما ذهب اليه الزايدي يفرض على الاتحاديات والاتحاديين مساءلته ومحاسبته، مقاضاته ومحاكمته، طبعا كل متهم برئ ما لم تثبت إدانته، والزايدي متهم ومدان. تفرغ الزايدي في حملته للشكر وأهمل الآخرين، لأنه كان واعيا بان ادريس هو الأقوى بجميع المقاييس، وهذا ما يفسر هجومه الشرس والقذر على هذا المنافس المشاغب والمزعج، الزايدي طبعا كان مجرد لعبة في ملك العراب محمد اليازغي الذي كان يناور ويخطط وراء حجاب… منذ بدايات التحضير للمؤتمر كان التفكير في إسقاط لشكر، وتم تبني جميع الآليات التي من شأنها إفشال ادريس، من التجييش إلى الإنزال، الى اعتماد انتخابات الكاتب الأول في دورتين إلى… وفي النهاية تحطمت الأساطير أمام عناد المؤتمرات والمؤتمرين. يقول لشكر “في الحقيقة استغرب لما صدر عن الزايدي، أريد أن أعود إلى الوراء قليلا، فطيلة مرحلة التحضير للمؤتمر الحزبي، قدمت مجموعة من التنازلات لان الذي كان يهمني هو أن نصل إلى المؤتمر في حد ذاته، وكنت اسعى من خلال هذه التنازلات إلى الحفاظ على وحدة الحزب واجماع المناضلين. بالنسبة إلى الجهات الخارجية فإنني لاحظت انه طيلة التحضير كانت هذه الجهات تتدخل في عمليات التجييش، كما وقع في قلعة السراغنة، وحشد المؤتمرين لصالح مرشح بعينه، ومع ذلك كنت اعتبر أن الإخوة كلهم مؤتمرين، وان منهم من قدم إلى الحزب من بوابة الانفتاح. ما صدر عن الزايدي فاجأني، واعتقد انه محاولة للتشويش على العرس الاتحادي، وأنا ارفض الابتزاز والمساومات في مناقشة قضايا التنظيم”. يتميز المشهد السياسي في المغرب بعدد من المميزات، من بينها اللامنطق، ففي المغرب وأمثاله من الدول العالمثالثية، قد تجد ثاني مسؤول في الدولة يتحدث عن تماسيح وعفاريت تعرقل مساره في التسيير الحكومي، كما تجد بغزارة من يتحدث عن عوامل خارجية في عدم فوزه بمسؤولية حزبه… وقد وجد هذا السلوك انتعاشا كبيرا في الوسط السياسي مؤخرا، إذ تحدث عبد الواحد الفاسي، المرشح السابق للأمانة العامة لحزب الاستقلال عن “أياد خفية تدخلت في اختيار منافسه حميد شباط، أمينا عاما”، وهي نفس اليد التي اتهمها احمد الزايدي، لتتدخل لصالح ادريس لشكر في فوزه بالكتابة الأولى لحزب الاتحاد الاشتراكي، عندما يتحدث عن وجود “جهات خارجية تدخلت في انتخاب الكاتب الأول للحزب ومارست ضغوطات على بعض المؤتمرين من اجل التصويت لصالح لشكر”. وفي نفس السياق سبق لعبد الاله بنكيران رئيس الحكومة أن تحدث عن “عفاريت وتماسيح، تعرقل مساره الحكومي.” هي إذن مظاهر متعددة لما يسمى بنظرية المؤامرة وهي تعني رمي المسؤولية على الآخر سواء كان ماديا أو معنويا، ملموسا أو ميتافزيقيا، تتوخى الدفع بمبررات مفادها ” ان فشلي في الحصول على مكسب مادي أو منصب حزبي مرده هو تدخل هذا الطرف الخفي او تلك الجهة الخارجية؟؟ وحسب عدد من أطباء النفس… فان هذه العملية، ترمي المسؤولية على الاخر، تترك نوعا من الارتياح والأمن النفسي وتزيل القلق وتخفف اثر العجز والإحباط والشعور بالنقص أو الخلل وان كان بشكل خادع… كما يصنف المختصون رمي العامة والسياسيين وغيرهم للمسؤولية على الآخر، بكونها تندرج في إطار “الحيل الدفاعية” فعندما يتحدث عبد الإله بنكيران أو عبد الواحد الفاسي أو احمد الزايدي أو غيرهم عن أطراف تدخلت لصالح خصومهم ومحاولة إقناع مناصريهم أن الأمر اكبر من دعمهم، فهم بذلك يحاولون إنكار عجزهم وفشلهم في كسب ما يتطلعون إليه.” الوطن الآن – العدد 499. في رده على عبد الواحد الفاسي لم يتحرر شباط من متاهات الخطاب الميتافزيقي، الفاسي تكلم عن “الأيادي الخفية”، وشباط عن “الأيادي الربانية”، إنهما معا لم يخرجا عن النسق المتعالي عن الواقع، ولكن لشكر لم ينشغل بهذيان الزايدي المزعوم، فينجر إلى جدال مؤسس على مقدمات مغلوطة، يعرف لشكر ويعرف الزايدي، ان ايادي الاتحاديين والاتحاديات/ المؤتمرين والمؤتمرات هي التي رفعته إلى منصب الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هي التي رفعته إلى فوق، وإدريس لا يخشى السقوط، لأنه لم يرفض منصبا ولم يغتصب موقعا، إنه مناضل تدرج صعودا من القاعدة الى القمة، عقله في القيادة ورجلاه متجذرتان في الأرض، أرض، المناضلين والمناضلات، الذين امنوا فاختاروا، فكروا فصوتوا، هؤلاء الذين تحدوا بالأمس سنوات الجمر والرصاص لن يسمحوا لأي كان أن يتهمهم لأنهم خضعوا لضغوطات خارجية، ويظهر لي هنا ان الزايدي احتمى بالية نفسية لا شعورية هي الإسقاط باعتبار أنه أراد أن يطهر نفسه الملوثة الانصياع والتبعية باتهام الآخرين، ونحن نعرف أن الزايدي ترشح امتثالا لرغبات سيده/ اليازغي، وشكك في نزاهة التصويت، استجابة لاملاءات العراب اليازغي، انه في البدء والختم بدون استقلالية ولا سيادة. على القناة الثانية مباشرة مع المغاربة ومع الاتحاديين تاه احمد الزايدي وفقد البوصلة، أدرك متأخرا بأنه يواجه مناضلين كبار وكفاءات وازنة، ينافس مناضلين، وان اختلف المسار، لهم من الشرعيات التاريخية والنضالية والديموقراطية ما يجعله يتقزم أمامهم، من هنا راح يبحث عن شرعية تكسبه مصداقية الترشيح في شرود تام واجهاض للسياق، توجه الى الاتحاديين ليرحب بهم في بوزنيقة وفي ابن سليمان، انه ابن المنطقة وكذلك المهدي بنبركة كما زعم ! لنصدق الزايدي القول ونسلم بان المهدي من ابن سليمان، وماذا بعد؟ ! طبعا الزايدي الفاقد لكل شرعية استنجد بالشهيد الأسطوري المهدي بن بركة، اعتقادا منه أن هذا سيرفع من شأنه ويكسبه تزكية نضالية ومصداقية اتحادية وهذا اعتقاد متهافت ، ان المهدي شهيد يتعالى عن الزمان والمكان، زعيم وطني بل زعيم كوني وليس من حق احد ان يقلص امتداده العالمي واشعاعه الاممي… ان الشرعية تكتسب بالنضال والتضحية وليس برفع شعار “انا والمهدي من ابن اسليمان”، هل اهل ابن اسليمان كلهم في النضال بن بركة، هل اهل الجهة الشرقية كلهم في النضال عمر بن جلون، هل السلاويون في الذكاء والاخلاق كلهم عبد الرحيم بوعبيد، هل اهل الريف في المقاومة كلهم عبد الكريم الخطابي، هل اهل فاس في الفكر والسياسة كلهم علال الفاسي، هل اهل طنجة في النبل والنضال كلهم عبد الرحمان اليوسفي؟ هؤلاء وغيرهم عظماء التاريخ، لا احد يحق له ان ينتسب اليهم الا بالتشبع بالمبادئ والقيم التي امنوا وناضلوا من اجلها اما الانتساب البيولوجي والجغرافي فلا تجدى ولا يكسب احدا قيمة مضافة، فليخجل من نفسه الزايدي الذي اراد ان يحصد ما زرعه المهدي، شافاه الله، وصفق المؤتمرون وعلى الزايدي السلام. على القناة الثانية مباشرة مع المغاربة ومع الاتحاديين في لحظة استدراكية فجر الزايدي المكبوت وصرح بالمسكوت عنه عندما اكد انه ليس مرشحا فردا بل مرشحا جماعة، انه، اذن، ترشح ليمثل مصالح جماعة محددة داخل الاتحاد الاشتراكي، طبعا ولعلو والمالكي ولشكر ترشحوا لمنصب الكتابة الأولى لخدمة، كل حسب تصوره وبرنامجه، مصلحة الحزب والوطن، لا خدمة مصالح فئة معينة، داخل الحزب كما هو الشأن بالنسبة للزايدي.. ونحن نعلم ان ترشيح الزايدي لم يكن تلبية لنداء ذاتي، ولم يكن مؤسسا على قناعة مبدئية واختيار شخصي، بل كان امتثالا لرغبة محمد اليازغي الذي يرقد فيه المناور الماكر والساعي دائما الى التحكم في الحزب وأجهزته، ان اليازغي الذي لم يعد فاعلا مركزيا في الحزب ومتملكا اول لقراره بعد اقالته من المكتب السياسي، يرفض ان يأتيه الموت وهو ميت… لهذا يسخر جميع اسلحته، ومنها ما استنزف واستهلك، ليعلن انه ما زال حيا ويفعل سياسيا ويقرر حزبيا، وطبعا، وكما هو دابه دائما يركب اسلوب المكر والمناورة لبلوغ اهدافه ، في الماضي، اما الان فانه يروم تحقيق غنائم لاولاده، فالتوريث البيولوجي لا يستقيم عنده الا بالتوريث الحزبي، لكي يضمن اليازغي مقعدا مريحا لابنه “علي” في المكتب السياسي كان عليه ان يدفع بمرشح طيع ومطيع وكذلك هو احمد الزايدي، اليازغي لم يرتح ولا يرتاح لفتح الله ولعلو وكذلك حبيب المالكي، اما لشكر فهو عصي على الامتثال، وما زالت الام صفقة ادريس لسي محمد موشومة في ذاكرة الرجل تستيقظ كرها وحقدا في كل محطة حزبية كما هو الشأن هذه المرة في المؤتمر الوطني التاسع. اليازغي لم يستوعب الضربة القاضية التي وجهها اليه لشكر، الضربة التي أبعدته عن قيادة الاتحاد الاشتراكي بشكل مهين، لقد حقق لشكر ما عجزت عنه القيادة الحزبية في مناسبات كثيرة، كبار الاتحاد وزعماؤه حاولوا اكثر من مرة التخلص من اليازغي، التخلص من مكره وخبثه، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، لم يستطع الفقيه البصري، عبد الرحمان اليوسفي، الراضي ولعلو المالكي، الأشعري… وضع حد لجبرت اليازغي. نعم سي محمد كان ينتهي دائما منتصرا كان داهية، ذكاؤه جعله ينتبه الىقوة لشكر وشجاعته، لهذا كان يحتمي به كلما حاصره الاخرون… في التسعينيات مع عودة الفقيه البصري عمل عبد الرحمان اليوسفي جاهدا على اعلان نهاية اليازغي، وفعلا عاش سي محمد اسوأ ايامه، كان في ضعف بين، خصوصا وانه كان مثقلا بملفات لو وصلت الى المحاكم لكانت الادانة ثابتة، واجتمعت اللجنة المركزية باغلبية اعضائها في دار لشكر وتم انقاذ اليازغي الذي كان غارقا في يم الانهيار، بعد استقالة عبد الرحمان اليوسفي من الكتابة الاولي واعتزاله العمل السياسي، الاخوة ولعلو، الاشعري، المالكي، عليوة، منشد… بايعوا عبد الواحد الراضي، الا ان ادريس كان له رأي آخر، سي محمد كاتب اول، طبعا بعد مخاض عسير استغرق شهر رمضان كاملا. وفي المؤتمر الوطني السابع تم انتخاب اليازغي كاتبا اول بطريقة سلسة وكان لشكر المايسترو الذي يضبط اللحن الجميل. هذه بعض المحطات الحرجة، وقبلها وبعدها محطات اخرى قفزت عليها، التي كان فيها لشكر سندا لمحمد اليازغي. إلا ان هذا الاخير بالطبيعة والثقافة غدار، معروف عن اليازغي عدم وفائه، يستطيع في لحظة مصلحة ذاتية ان يتنكر لأعز اصدقائه، خصوصا اذا ادرك بان هذا الصديق فقد قوته، وجاذبيته… ومعروف عن اليازغي انه رجل تنظيم، وكانت له علاقات متينة مع اغلب كتاب الاقاليم، لكن بمجرد ان يعفى كاتب اقليمي ما ويفقد قوته القاعدية، اول من يتنكر له هو محمد اليازغي، لا صديق دائم هناك مصلحة يازغوية دائمة.. لنتذكر كيف انقلب ببشاعة على اصدقاء الى درجة اتباع؛ على الحبابي، منشد، جواهري، الاشعري، لبريني، لكحص.. والقائمة طويلة في المركز والمحيط. يلبس لباس المناضل الكبير والقائد الضرورة والانسان الصادق عندما تستدعي المصلحة ذلك، لكن ينزع القطن عن الشفرة ليحدث جروحا مزمنة في من حمله الى الاعلى ومكنه من المطلق. منافق بالمعنى الماكيافيلي وسادي بالمعنى الفرويدي.. اليازغي كاتب اول ووزير دولة بدون حقيبة طبعا، وصل القمة وحان الاوان لينزل الى السفح، نزولا يليق بمن وصل أرذل العمر بيولوجيا وسياسيا واخلاقيا. بعد نكسه 2007، دبر اليازغي مشاركة الحزب في حكومة عباس الفاسي، هرب المفاوضات والغى المكتب السياسي وكانت مشاركة الاتحاد تافهة تفاهة الحقيبة الفارغة ومن عض عليها بالنواجد. هذه المرة سقط القناع عن القناع، وبانت حقيقة الرجل، التضحية باقرب الاصدقاء من اجل بلوغ الهدف، اليازغي خانه ذكاؤه هذه المرة، لقد رسم نهايته المأساوية بنفسه اعتقد ان رصاصاته ما زالت قاتلة، ولما أطلقها على لشكر تبين بانها خاوية، لم تصب الهدف ولكن اصابت صاحبها فاردته مقالا بنكهة مستقيلا. اعتقد اليازغي ان الدور جاء لشكر سقط في تشريعات 2007، وتوهم سي محمد ان ادريس انتهى لذلك وجب وضعه على الهامش في انتظار محوه في المؤتمر الوطني الثامن.. في اقتراحه للوزراء باسم الاتحاد الاشتراكي في حكومة الفاسي كانت الاسماء غير مقنعة والوزارات باهتة؛ محمد عامر، جمال اغماني، رضا الشامي، هؤلاء تملكتهم الدهشة بالمعنى السيكولوجي لا الفلسفي، وصدمهم التعيين.. اطر وكفاءات الحزب اقصيت، المناضلون القادة ابعدوا وتم استبدالهم بمن يفتقد الى الكثير والكثير جدا من مواصفات المؤهل للاستوزار باسم الاتحاد الاشتراكي.. اليازغي حاول ان يبرر للشكر ما لا يبرر، زعم ان الملك رفض استوزار الساقطين في الانتخابات وهو ادعاء وافتراء، وتأكد كذب اليازغي لما عين صاحب الجلالة ادريس لشكر في التعديل الحكومي وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان. لم يكن يتصور اليازغي ابدا، وهو الذي التف حوله اغماني ومن معه، ان ادريس هو من سيسدل الستار ويعلن موت “البطل”وهذه لم يحسبها اليازغي جيدا، كان عليه ان يتذكر ان ادريس هو مفتاح سبر اغوار لا شعوره، هو المناضل العارف لادق تفاصيل مناورات اليازغي، لشكر يعرف كيف يفكر سي محمد، كيف يشتغل، كيف ومتى يوجه الضربات.. ان اليازغي كتاب مفتوح امام لشكر، كتاب ملئ بالاخطاء، وكان لابد وان تصحح هذه الاخطاء وكان المصحح هو ادريس لانه قرأ الكتاب جيدا، من المقدمة الى الاحداث والمواقف، من الغدر الى الخيانة… نسي اليازغي ان يضع خاتمة لكتابه، وكان الختم من وضع ادريس.. ان عدم الاستعداد الجيد ليتخلص من لشكر كان اولى آلام محمد اليازغي الذي اصبح يراكم الام الهزائم… ولما راهن على الزايدي، راهن على حصان فاشل وفاز لشكر، وهو فوز للاتحاد الاشتراكي وللديموقراطية التي من اجلها ناضل هذا الحزب التاريخي، وهو فوز لكل الاتحاديات والاتحاديين، يقول لشكر: “الذين دعموني وساندوني، دعموا مشروعا سياسيا كبيرا، سأعمل العمل على اعادة التوازن المختل في المشهد السياسي والحزبي، لقد اضحى ميزان القوى في اللحظة الراهنة لصالح قوى رجعية محافظة، والحقيقة الثانية ان مكانة الاتحاد الاشتراكي تراجعت في الحقل السياسي، لذلك لن يعترض من دعمني على ان يتفتح الاتحاد الاشتراكي على كل العائلة الاتحادية، بل انهم سيكونون اول من يحثني على السير على النهج لانه يخدم مصلحة ومستقبل الحزب، لا يمكن ان اتصور بعد فوزي بالكتابة الاولى للحزب ان لا ازور مناضلين من حجم نوبير الاموي وعبد المجيد بوزيع، وعبد الكريم بنعتيق، ومحمد الساسي، انني اعتبر نفسي في موقع مسؤولية يحتم على ان اتجاوز السجالات الماضية والتي كانت بلا شك عن حسن نية، رغم انها قادت الى تشرذم الاتحاد الاشتراكي، واحساسنا بان هذه التفرقة الحقت اضرارا بالحزب يحتم علينا العمل على تجاوز خلافاتنا والالتفات الى المستقبل، وانا مطمئن وواثق من ان الاتحاديات والاتحاديين سيدعمون هذا التوجه، لن اتوجه الى جلسة انتخاب اللجنة الادارية دون ان التقي الاخ محمد جسوس والحبابي، اضافة الى الاخ عبد الرحمان اليوسفي وعبد الواحد الراضي، ليس بدافع النوستالجيا، بمعنى ليس من منطلق انني أدعي القيام بشيء ما استثنائي بل بهاجس تغليب المصلحة العليا للبلد ومصلحة الاتحاد الاشتراكي..) واضح من هذا التصريح، وغيره، وواضح من سلوكات سابقة ولاحقة للمؤتمر ان لشكر عازم كل العزم على ان يكون العقل الموحد والقائد الجامع، كاتب اولا لكل الاتحاديات والاتحاديين، ارجاع الاودية الى النهر الكبير، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، توحيد الحركة الاتحادية والتشبث، بالفكرة والحلم، التاريخ والمشروع.. كل هذا يقتضي القفز على جروح الماضي والقطع مع مناورات الامس واليوم.. وكل هذا يقتضي ان يرتاح اليازغي ويبارك الميلاد الجديد، فالطرق التي كانت نافعة بالامس لم تعد مجدية اليوم، وعلى الزايدي وجماعته الاستدراك فما زال هناك بعض من الوقت لينتفض على الاملاءات التي ورطته في تصريحات سخيفة، تصريحات اثارت اشمئزاز الخصوم قبل الاتحاديين، اشمئزاز رجال ونساء الاعلام، واشمئزاز الفاعلين والمتتبعين السياسيين… لقد انحدر الزايدي، ومن اوحى له بذلك، الى حضيض النذالة عندما اتهم اجهزة الداخلية بالضغط على المؤتمرين والمؤتمرات للتصويت لصالح لشكر، اتهام اقل ما يقال عنه ان صاحبه فقد التوازن وغرق في التيه، وهذه قمة البؤس والدناءة… فهل بمثل هذا المرشح اراد اليازغي تصفية الحساب مع لشكر، وبمثله اراد ان يشبع لذة الانتقام، وبمثله اراد ان يضمن استمراره في القيادة عبر فرض العائلة، عائلة الابناء والمريدين؟ لنتفق مبدئيا ونشهد ان محمد اليازغي مناضل كبير، مواقف شجاعة كلفته تضحيات جسام، اعتقال، سجن، تعذيب… اصابعه تدل على انفجار المرحلة بين يديه… ولكن نتفق ايضا ونشهد ان اليازغي، بوعي او لا وعي، قوة هادمة وطاقة مدمرة، نعم كان رجل التنظيم بامتياز، ولكنه محور التنظيم حول شخصه، استغل الفراغ فملأه بالالغام، الالغام التي انفجرت في اكثر من محطة لتخلف منسحبين ومنشقين ومرتدين.. وكان الشتات عنوان كل محطة احتدم فيها الاختلاف مع اليازغي.؟ في لحظة الصراعات يتصرف اليازغي مثل الدولة، على الاقل في التاريخ الذي نعرفه، فالدولة سنة 1984 في خطاب رسمي كانت مستعدة للتضحية بالثلثين من اجل الحفاظ على الامة، كما هو الشأن بالنسبة لليازغي الذي في لحظة الصراعات وعدم قدرة بنية الحزب استيعاب الخلافات، يلجأ مستخدما اليات التقرب والولاء والاقصاء الى فكرة التضحية بـ… بعبد الرحمان بنعمر واحمد بنجلون، بالاموي وبوزبع، ببنعتيق والساسي… وقبلهم وبعدهم كثير… التضحية بـ .. كانت تشمل الاقاليم والفروع… والنتيجة افراغ الاتحاد من الاتحاديين… استغل اليازغي بمكر ودهاء غياب الشهيد الاسطوري عبر بنجلون، واستغل اشتغال عبد الرحيم بوعبيد، رجل الدولة، بالقضايا الكبرى، واستغل… لينظم الحزب في اتجاه واحد، تنصيب اليازغي قائدا اول واوحد، لنتذكر المتاعب المؤلمة التي خلقها لعبد الرحمان اليوسفي ونشهد ان اليازغي كان قويا عندما كان ثانيا، نائبا للكاتب الاول، وكاتبا اولا بالنيابة، كان قويا في الهدم والتدمير وقتل المتخلفين واحياء الاتباع، ولكن لما اصبح اولا وارتقى كرسي الكتابة الاولى ابان عن ضعف كبير وفشل بين، وكان لابد ان يسقط وعلى يد ادريس لشكر، والعودة عبر الزايدي رفضها المؤتمر الوطني التاسع… وعلى ادريس ان يستخلص الدروس، واذا كان الراضي كما يشهد بذلك لشكر “بذل جهودا جبارة في الحفاظ على وحدة وتماسك الحزب، انه زعيم انهى ولايته دون ان يخلف الحزب اضرارا لقد احسن تدبير شؤون الاتحاد الاشتراكي وتوفق في تعزيز دوره رغم المطبات وهنا لابد من استحضار انه حتى قبل تجربة التوافق التناوبي عاثر الحزب محطات خلفت تشرذما وانشقاقا استمرت الى المؤتمر الوطني الثامن ولعب عبد الواحد الراضي دورا كبيرا في الحد من نزيف التفرقة والخصومات داخل الحزب بفضل منهجيته القائمة على التوافق وهو ما اسهم في حفاظ الحزب على مكانته في الحقل السياسي) فان الكاتب الاول ادريس لشكر عازم على معالجة الصراعات والانشقاقات التي اضرت بالحزب وساهمت في اضعافه. ان الميلاد السياسي للاتحاد الاشتراكي لن يتحقق بالمشروع المجتمعي والخط السياسي والبرامج والافكار وحدها بل بمناضلي الحزب بكافة مستوياتهم واعمارهم… فدعوه يشتغل ورجاءا ساعدوه ! انه اتحادي اصيل. في المؤتمر الثامن ترشح لشكر وفاز الراضي، السياق السياسي اقتضى تلك النتائج، لم يشكك ادريس في عملية الانتخابات ولم يعلق عدم فوزه على مشجب اجهزة الداخلية ولم يتهم جهات خارجية ضغطت على المؤتمرات والمؤتمرين.. ادرك بحدس المناضل وذكاء السياسي انه ليس جوابا للمرحلة، بارك وهنأ وانخرط في البناء، وكان للراضي سندا قويا… وادرك لشكر انه جواب لمرحلة قادمة، وان التحضير للفوز في المؤتمر التاسع يبدأ عشية اعلان نتائج المؤتمر الثامن… ان الاستعداد للفوز اولى متع الفائز، وادريس استعد جيدا، استعد تنظيميا وسياسيا ونجاحه لم يكن صدفة بل كان نتيجة نضال دائم وتواصل لا ينقطع مع الاتحاديات والاتحاديين في كل لحظة وحين، في كل اقليم وجهة، ويعلم بان ضبط الوقت المناسب، مسألة حاسمة في العمل السياسي، وان ضياع الفرصة يكون مكلفا في المستقبل، ولشكر لم يضيع الفرصة بل كان الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين، يومن بان التاريخ يصنع ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين، فاما ان ننخرط فيه وندفق كيفية وطريقة الانخراط والا اصبحنا متجاوزين، وادريس انخرط في التاريخ انخرط فاعلا وصانعا، وواهم كل من يعتقد ان لشكر صنيعة اليازغي… فالذي عانق السياسة وهو طفل، مراهق، شاب، وكهل… لا يمكن الا ان يكون صانعا، والذي اشاع فكرة انه هو الذي صنع ادريس تبين بالملموس انه لعبة صبيان. الرجل الذي انتخب كاتبا اول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو الرجل الذي انسل منسحبا من الرداءة الى التمدد في محبة الاتحاديين له، ذلك الرجل، هو من ملأ حياته بلا دوي، بالوقوف هادئا في مواجهة الصخب، صخب التنظيم يعارك مشاكله ليلا ونهارا… صخب السياسة التي استنشقها وهو فتى يافع… صخب المعارضة يحولها صوتا يزعج الحاكمين مرات او يعلن النفير في الحماس للامل مرارا… لا يزاحم احدا على “مساحة” او “تفاحة” يكفيه مساره النضالي لكي ينسج بالوان الصعود والتحدي نسيجه المميز. بعد طفولة هادئة باللون الابيض والاسود، بالجدية وشيء من الشغب، يصطحب ظله لمواجهة النظام… لمجابهة المثبطات، لعناق الامال، ودائما يحمل في كفه وردة، فهو يكره الفراغ. ان الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه… وحين يكون الشعور هامدا والاحساس ثابتا، يكون الوعي متحركا.. وعي بان الحياة خير وشر… مد وجزر… مجد وانخطاط… ولكن حيث توجد الارادة ويكون الطموح… تكون الطريق المؤدية الى النتائج المتوخاة.. ويقول ادريس: لا تهمني الحفر ولا اعيرها أي انتباه. يتميز بانه متعدد الميزات، ولا فرق بين مميزاته.. انه يعترض ولا يعارض يفعل، ولا يقول، يواكب ولا يساير، ينضبط ولا يخضع، ضمير لا يدعي الحكمة، رافض لا يدعي الثورة، وطني خام ومواطن اصيل.. انه اتحادي يرفض التطرف ويرتاح الى الاعتدال، اقتحم الوجود بدعم كبير من الارادة، وعاش الخيبات ولم يعرف الفشل… فالخيبات كما تعلمون ليست بالضرورة فشلا؟ حين يعلوه الشك، يتساءل ماذا لو تركت المجال؟ ثم يصحو من رماد القرار.. ها انذا باق، صامد متحدي.. اطمئن يا ادريس، فالاتحاديات والاتحاديون يكنون لك كل تقدير واحترام.. حين ينعقد المؤتمر الوطني التاسع يترجم هذا التقدير تصويتا ويتجسد هذا الاحترام اختيارا. نضاله ينشده كل يوم ويذكره، بل يغنيه ويتصاعد في تناغم مع صخب رجل اسمه لشكر، هو اصلا في مبناه ومعناه تشكل ونما ضد الصمت والظلم.. انه يشكل لوحده بكمه ونوعه حزبا، ولن يشوش عليه منافس نتأ في جغرافية السياسة.
Aucun commentaire