عبد السلام المساوي
عندما أقرأ ما يكتبه محمد بوبكري أصاب بالقرف! شطحات مرضية وهلوسات طفولية … كلام في كلام، فراغ فكري وبؤس سياسي … سب وشتم، لغو وهراء… تيه أنطولوجي وقصور معرفي … كبت جنسي وخواء عاطفي .. هده بعض العناوين التي تلخص السخافات البوبكرية التي تزعجنا  بها بعض الصحف من حين لأخر … هده الصحف إذ تنشر هراءات بوبكري فليس اعتبارا لما يكتبه أو تقديرا له … فهي تعرف كل المعرفة أن كتابات بوبكري لا تستهوي قارئا ولا تستقطب زبونا … كتابات جوفاء وتصريحات عمياء .. كتابات بدون جاذبية، بدون عمق، بدون تميز… لأنها بكل بساطة تكشف عن سيكولوجية الرجل المريض، الرجل الذي أعمته الأنانية ودمرته الذاتية ففقد البوصلة

إن الاختلاف هو اختلاف في الأفكار، وفي أسلوب تصريفها. وأظن أن ما يحدث الآن في الإتحاد الاشتراكي هو خلاف لا اختلاف، خلاف لا يخجل البعض من اعتباره تيارا للتصحيح وموقفا لإحداث رجة سياسية وتنظيمية في الحزب، خلاف هو في العمق والجوهر تعبير عن نزوعات شخصية شاذة، نزوعات لا تمت إلى ثقافة النضال بصلة، على الأقل النضال كما تعلمنا أبجدياته في المدرسة الاتحادية، لا الذي يحاول الآن أن يعلمه لنا المناضل الكبير جدا محمد بوبكري، فبعد انتهاء أشغال المؤتمر الوطني، التاسع وصعوده إلى المكتب السياسي طلق مابدأ، نسي أنه ما كان لينتخب عضوا في القيادة لولا عطف إدريس … نسي بوبكري دعمه اللامشروط للشكر ودفاعه عنه كرجل المرحلة وكقائد بدون منافس .. من هنا نهمس في أذان بوبكري بل نصرخ، ما دام بوبكري يحب الصراخ، إن التجرد عن المصالح الشخصية الضيقة يستلزم بدءا الانخراط بقوة في بناء الحزب وتقوية هياكله والانفتاح على المجتمع، يستلزم التنكر للذات والعودة إلى الحزب هادئا شاكرا ، معترفا لإدريس وممتنا، لا اصطناع أزمة في وقت ينتظر فيه الجميع سقوط الاتحاد الاشتراكي، إن لسان حال بوبكري يقول: « إما نكون كاتب أول بيس و لا نحرم  » . وللعلم فإن بوبكري لم يظهر غضبه وحقده، عبثه  وخبثه إبان الإعلان عن انتخاب إدريس لشكر كاتبا أولا للحزب، بل إنه حينئذ التزم الصمت و أبدى حسن السيرة للحفاظ على ود لشكر ضمانا للمقعد في المكتب السياسي فنائبا للكاتب الأول والبقية تأتي … لكن مر شهر فشهران ….. تبين لبوبكري أن منصب نائب الكاتب الأول لن ينعم به، فانفجر المكبوت وتذكر بوبكري خبث زمان، لكن هذه المرة لم يجد له واليا يستظل به ، خسر إدريس فخسر نفسه، إنه من هنا فصاعدا المرحوم محمد بوبكري الذي ندعو له العفو والمغفرة.
مرة أخرى أراد بوبكري أن يجرب لعب دور لا  يتقنه، دور المناضل الساخط على الحزب والبلاد، عله يغنم قوة القواعد وعطف الجماهير … لكن ما أن رفع الستار وظهر على خشبة المسرح حتى سقط القناع عن القناع وارتفع صفير المتفرجين على ممثل فاشل في مسرحية رديئة.

ليتذكر الاتحاديون والاتحاديات أن بوبكري لا يستوعب الدروس، لأنه يكرر نفس الحماقات فلا يصحح أخطاءه… لنتذكر أنه بعد انتخابه في المؤتمر الوطني الثامن عضوا في المكتب السياسي، بفضل إدريس لشكر طبعا، مر بعض الوقت فجمد عضويته لينشر هذيانه متوهما أنه يصنع الحدث، طامعا في التألق والنجومية لكن لا أحد التفت إليه، لأن الجميع ، خصوصا الاتحاديون، اعتبروا ذلك مجرد لعبة صبيان، لعبة قبيحة لطفل شقي … استنكر المناضلون والمناضلات هذا السلوك الخائن، وسجلوا أن بوبكري ليس أهلا للمسؤولية وليس جديرا بالقيادة … لقد فشل في بداية الطريق … والحقيقة وجود بوبكري في المكتب السياسي كعدمه، وربما هو واع كل الوعي بعدميته، لهذا اصطنع الانسحاب خوفا من الانكشاف … ركب التجميد والاحتجاج هروبا من الفعل والمبادرة … بوبكري يصرخ ولا يفكر، يعوي و لا يفعل …إنه يثير الشفقة.

وجاء المؤتمر الوطني التاسع فوجده ميتا، غائبا على مستوى القيادة والقاعدة… وهذه المرة أيضا كان الرجوع إلى إدريس وديعا متعبدا. في هذه اللحظة أيضا سيعمل إدريس على تشييء المعدوم وإحياء الميت … وبوبكري يعلم جيدا، فقط التصاقه بإدريس يجلب له عطفا ويضمن له مقعدا، وكذلك كان، بوبكري عضو في المكتب السياسي في المؤتمر الوطني التاسع. وهاهو مرة أخرى يجتر نفس السلوك وبكيفية أردأ وأخبث، ويظهر أنه صدم بانتخاب صديق المسار كاتبا أولا للاتحاد الاشتراكي، وهو يعلم جيدا أن إدريس له من الشرعيات والمؤهلات ما يجعله قائدا للقوات الشعبية وبامتياز ديموقراطي وعمل نضالي . إلا أن بوبكري، وبحقد مرضي وحسد أناني، أراد القفز على الواقع وإخفاء الحقيقة، تنكر بجبن لعلاقة صداقة قيل إنها غطت ثلاثين سنة …ولأنه عاجز على الفعل والحركة احتمى ببعض الصحف لإزعاجنا بشذوذه الجنسي وفقره العاطفي وخسته الأخلاقية …..أعرف أن بوبكري قوة قادرة على الهدم والتدمير، وأعرف أكثر أنه ضعيف جدا عندما يتعلق الأمر بالبناء.

فقد كان دائما، مذ كان طالبا بكلية الأداب بفاس، الأداة التي تستعمل للهدم … ففي إطار الصراع الذي كانت تشهده الجامعة بين الطلبة الاتحاديين وغيرهم ، خصوصا ما كان يسمى باليسار الجذري، كان قادة القطاع الطلابي الاتحادي يترفعون عن السلوكات الدنيئة والتهم الخبيثة وكانوا يتعاملون مع خصومهم من منطلق الاختلاف الإيديولوجي والصراع السياسي والتنافس الديموقراطي… وحده بوبكري كان استثناءا وكان شاذا، يسب ويشتم، يتهم هذا ويدين ذاك.. كان عدوانيا على مستوى اللسان، عدوانيته يحاول من خلالها إخفاء جبنه ومداراة ضعفه… إن السياسة امرأة، والمرأة لا تحب إلا الرجل الشجاع…وبوبكري أثبت و يثبت أنه يفتقد إلى الشجاعة والمروءة.. فلا هو نجح في السياسة ولا هو نجح في الحب… ألم أقل لكم إن المرأة لا تحب إلا الرجل الشجاع !

وليس بوبكري وحده من ينشر الشكوك والسموم، ويروم التأزيم والتدمير، فقد ظهرت أصوات بعد المؤتمر الوطني التاسع تشكك في نجاح هذا العرس التاريخي الذي شكل منعطفا حاسما في صيرورة الحزب بل إنه أعلن ميلادا جديدا للاتحاد … فقد كثرت في الآونة الأخيرة هذه الأصوات النشاز، فمن غاضب إلى رافض، ومن ناقم إلى حاقد، ومن مشكك إلى مخرب … الجميع ينبه ويحذر، يسب ويشتم … لكن لا أحد كلف نفسه عناء العودة إلى الذات بهدف المحاسبة والمحاكمة، لا أحد أطلق مبادرة للمصالحة مع الحزب و المجتمع، لا أحد قدم اقتراحات  لاستعادة تعاطف القوات الشعبية … ضعفاء في المجتمع وأقوياء في الحزب، لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير في كيفية مواجهة قوى الظلام والفساد لأنهم منشغلون بنسج المناورات وإشاعة الأكاذيب للنيل من مصداقية هذا المناضل أو ذاك، وهدم هذا القائد أو ذاك.

وحده ادريس لشكر يفكر تفكيرا مختلفا، يسلك مسلكا متميزا، مسلك تصدير الأزمة لا خلقها، النضال خارج الحزب لا داخله، الدفاع عن الأداة الحزبية والوقوف في وجه المؤامرات. عندما يضعف الحزب، لهذه الأسباب أو تلك، وعندما يدرك لشكر أن هناك مؤامرات تروم إضعاف وتهميش وتقزيم الحزب.. لا يركبه اليأس ولا تدركه الانتهازية …لا يتنصل من المسؤولية فيلقي باللوم على الآخرين، ثم يخرج بعريضة أو وثيقة ظاهرها الغيرة على الحزب وباطنها إحباطات شخصية، لا يغضب ولا يجمد عضويته..  وعيا منه بأن مثل هذه السلوكات هي التي تضر بالحزب ومساره، تخدم بشكل خطير مؤامرات الخصوم وأهداف المتربصين بالحزب.. بل إنه في ظروف الأزمة يصبح ادريس أكثر حيوية بل أكثر شراسة، أكثر يقظة وأكثر حذرا، يضع الصراعات الداخلية بين قوسين، يجمع قواه ليواجه بها الخصوم الحقيقيين، ينتفض ادريس ليعلن حضور الاتحاد الاشتراكي كحزب قوي قادر على خلط الأوراق وإرباك اللاعبين .. والدور الذي لعبه لشكر بعد انتكاسة 2007 يؤكد ذكاء الرجل وحنكته، ألم يحول ضعف الحزب إلى قوة عندما حطم الأوهام وكسر الأصنام؟

إن الذين عاشوا التجربة الاتحادية من الداخل يعرفون أن ادريس كان دائما الجدار الأمامي الذي يحتمي خلفه القادة الذين يبحثون عن كسب أو تحصين المواقع دون مواجهة. في المحطات الحاسمة من تاريخ الحزب، خصوصا في العقدين الأخيرين، كان لشكر حاضرا بقوة، فاعلا أساسيا، يواجه ويصارع، يناضل ويناور، يخطط وينفذ… وغيره في قاعة الانتظار يبارك فتوحاته. والمعروف عن ادريس انضباطه لقرارات الحزب وتوجهاته، فلم يثبت أبدا أنه انحرف عن خط الحزب، بل وقف سدا منيعا أمام كل من أراد قرصنة الحزب وتهريبه، ومحطات كثيرة تشهد على وفاء ادريس، وفاء ينم عن قناعة مبدئية واختيار تاريخي، اختار الاختيار الصعب، فكان الإتحاد الاشتراكي، اختار الاتحاد مؤمنا ومناضلا، لا طامعا مرتزقا.
يتهم محمد بوبكري ادريس لشكر » بالعمل على تنفيذ أجندة غيره المتمثلة في قتل حزب المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد » جريدة أخبار اليوم العدد 1281، الخميس 30 – 01 – 2014. ونؤكد هنا استحالة تحريف الحقيقة واللعب خارج التاريخ الذي سجل المواقف الشجاعة والجريئة للشكر، لقد واجه من أراد اغتصاب الاتحاد الاشتراكي برجولة ومروءة .لنتذكر بعض المحطات، استحقاقات 2009 جاءت بفاعل جديد أسماه لشكر » الوافد الجديد » وبذلك أغنى الحقل السياسي مفاهيميا، وبعد ظهور النتائج التي بوأت الحزب الجديد المرتبة الأولى، جاءت فترة تشكيل مكاتب المجالس بالكيفية التي عشناها، ومرة أخرى يحضر ادريس لشكر بقوة حيث غاب الآخرون، فلقد أمسك بخيوط المحاولة التي تعمل على تهميش الاتحاد الاشتراكي من خلال انتزاع الدور الريادي الذي جسده دائما بجدارة نضالية واستحقاق جماهيري، وتقديمه للرأي العام كحزب يحتضر بل إنه يعيش نفسه الأخير. هنا سيتحرك ادريس ليزعج الجميع ويحرمهم نشوة الانتصار..

هكذا نفهم احتجاجه الشهير على الوافد الجديد.. إن تحركات لشكر أرغمت الجميع على مراجعة أوراقه، وتذكر الكل أن الاتحاد قوة لا يمكن الاستهانة بها.. كما استوعبوا أن ادريس يجيد لي الذراع، يعرف كيف ومتى توجه الضربات، بمواقفه أثار الكثير من الجدل داخل الحزب وخارجه، ولكن في النهاية اقتنع الجميع أن الاتحاد هو لشكر وغيره من القادة مجرد كومبارس لا يغامرون ولا يبادرون خوفا من إثارة غضب أصحاب القرار فيفقدون منصبا يحتلونه أو يمنون أنفسهم باحتلاله، لهذا عندما كان ادريس يشتغل كان غيره يتفرج وينتظر النتائج، وهناك من تسلل إليه الفرح واعتقد أن نهاية ادريس قد اقتربت لأنه تجرأ وأعلن مجابهته للوافد الجديد، وما سيأتي من الأيام يؤكد شجاعة ادريس ونفاذ رؤيته. لم ينته ادريس، بل ازداد حضورا وتألقا.. وفي المؤتمر الوطني التاسع كان الموعد مع التاريخ، إنه الرجل المناسب في الزمان والموقع المناسبين.
من يصرخ لا يفكر، و بوبكري يصرخ بامتياز بلطجي… إنه يفكر بشكل سيئ، بل إنه لا يفكر البتة… ومع ذلك يزعم أنه مثقف   « تباركالله على غرامشي »! ويحاول بوبكري إن يوهمنا بشكل بليد إن خلافه مع إدريس راجع إلى كون هذا الأخير يكره المثقفين.

لنتفق أولا إن بوبكري ليس مثقفا ولا مفكرا.. فللثقافة أهلها و للفكر عظماؤه، طبعا هو خارج هؤلاء وأولئك.. لا يوجد على هامشهم حتى .. فللمثقف عقل ووعي، موقف ورؤية ، قيم وأخلاق، مثال ونموذج، قذوة وإشعاع ، قناعة و اختيار، تصور و التزام … ، المثقف ينقد و لا يسب، يدقق ولا يثرثر… يقطع مع الذات المريضة ليعانق الذات العالمة … إن المثقف يحمل هما كبيرا، هما مجتمعيا وهما كونيا، ويظهر إن بوبكري لا يحمل إلا هم الإساءة إلى إدريس لشكر، قائد الإتحاد الاشتراكي بامتياز نضالي و شرعية ديمقراطية.
واضح إذن، أن بوبكري يفتقد إلى كل المعالم التي يمكن أن تدخله إلى عالم المثقفين، عالم له شروطه ومعاييره ، طقوسه وأخلاقه ..، وهي غير متوفرة، طبعا، في بوبكري … و أول عائق يحول دون ولوجه حقل الثقافة ، هو عائق العقد، العقد السيكو-اجتماعية . و أستطيع القول أن بوبكري رزمة من العقد المتجذرة والممتدة إلى مرحلة الطفولة. و ما يلاحظ أنه أصبح عصيا على العلاج، لأنه، عن وعي أو لا وعي، لم ينتبه في مرحلة من مراحل عمره إلى أمراضه.. وأكبر خطر يتهدد المريض نفسيا هو عدم الاعتراف بعقده ما جعل بوبكري يراكم العقد والأمراض. لم تكفيه العقد المزمنة فأضاف إليها في الفترة الأخيرة عقدة جديدة، إنها عقدة الزعيم، العقدة التي لبسته بعد انتخاب  » صديقه « كاتبا أولا / زعيما للاتحاد الاشتراكي. و في الوقت الذي كنا ننتظر أن يبارك بالانخراط في البناء، خرج علينا بكتاباته الحاقدة والناقمة، معتقدا أنه بمثل هذه الخلافات سيقتل الزعيم، نلاحظ أنه يمارس التدمير الذاتي ويقتل نفسه إن كانت له نفس طبعا. لقد أتاه الموت فوجده ميتا.

إن من استنزفته الأحقاد الشخصية لا يمكن إطلاقا أن يكون مثقفا. إن الطاعة العمياء لقانون الشهوة لا تصنع مثقفا،  والذي ترقد فيه النزوات الطائشة والرغبات الشاذة لا يمكن أن يرتقي إلى درجة إنسان سوي، و يستحيل أن يعانق رفعة الثقافة. في الفكر لا سلطة إلا سلطة العقل والمنطق، العقلنة هي الفاصل بين المثقف والمهرج، وعندما نقرأ ما يكتبه بوبكري نلاحظ أن الغائب الأكبر هو العقل، نقرأ إسهالا لغويا مؤثثا بمخزون البغض و الكراهية. التيه هو سيد الميدان، و المرض هو عنوان الرجل.
لنقف متأملين فاحصين لبعض ما جاء في كتابات/ سخافات بوبكري : ».. المثقف يمتاز بالاستقلالية في الرأي والقرار، و يعتني باستشراف المستقبل و تقدير المآلات .. «
إن المثقف لا يحقق ذاته بالعزلة و الانغلاق كما هو شأن بوبكري، بل بالانخراط في المجتمع و ممارسة الأخلاق الملموسة التي تجسدها كل مظاهر التضامن والمشاركة مع الجماعة. فليست حقيقة استقلالية الشخص في تجرده وعزلته، إنها في مشاركته و انفتاحه على الغير، والتعامل معه بكل ما يستحق من احترام وتقدير ومشاركته في تحقيق الأهداف الإنسانية المشتركة.
بوبكري ليس مستقلا، بل يعيش في عزلة رهيبة، عاجز بالطبيعة والمكتسب عن الخروج من سجنه المحاط بالعقد و الضغائن، جدار سميك يفصل بينه و بين الأغيار. إنه منبوذ، سلوكاته البشعة وألفاظه العدوانية تجعل الآخرين يبتعدون عنه خوفا من عدوى الخبث و الدناءة. و عبثا حاول لشكر إخراجه من عزلته وإدماجه في الجماعة لأن بوبكري بطبيعته شرير، من هنا افتقد إلى قيم الخير والطيبوبة.

نسجل، و يسجل كل من تعرف على بوبكري، من قريب أو بعيد، و يسجل كل الاتحاديين و الاتحاديات أن بوبكري لم ولا و لن يمتلك الاستقلالية في الرأي و القرار. عرفناه تابعا مريدا، مطيعا خنوعا، رأس القطيع، أداة تسخر ووسيلة تستعمل … لم يمتلك أبدا قيمة الإنسان المستقل، بل كان دائما في حكم الأشياء… وإن في علاقته بإدريس تكذيب لما يدعيه من استقلالية المثقف. لقد كانت دائما علاقته بلشكر علاقة العبد بسيده .. إدريس يقرر و بوبكري ينفذ .. إدريس يبادر و بوبكري يزغرد .. إدريس يتألق وبوبكري يصفق. و كان عندما يترفع إدريس في بعض المواقف و المحطات، كان بوبكري رجل المهام القذرة.

كينونة بوبكري تتحدد انطلاقا من كونه عبدا ذليلا. واليوم، و لا أعلم من ضحك عليه، ارتأى أن يكسر ماهية العبد ليصعد إلى مقام السيد ! أقول لبوبكري !إن من لم يمتلك استقلالية الرأي والقرار في أعز مراحل العمر.، في المراهقة والشباب، لا يمكن أن يمتلكها في أرذل مراحل العمر، فالسلام عليك يوم ولدت و يوم تموت ويوم تبعث عبدا.
يقول بوبكري : »إن المثقف يعتني باستشراف  المستقبل وتقدير المآلات «، نعم إن المثقف يتجاوز الحاضر بفهم تعقيداته والعمل على تغييره، انطلاقا من رؤية استشرافية للمستقبل مؤسسة على تفكير عقلاني يسترشد بمعطيات الواقع. و لكن (لا) لبوبكري  الذي يزعم أنه مثقف، فهذا وهم تدل عليه تصريحاته و سلوكاته. إن من عجز عن استشراف المستقبل على مستوى علاقاته الذاتية والشخصية، اجتماعيا وحزبيا، عاجز بالضرورة المنطقية عن استشراف مستقبل بلد و مستقبل مجتمع. إذا كان بوبكري صديق إدريس لمدة تزيد عن ثلاثة عقود، كان لصيقا به، شبحه، ظله، خياله … مديرا لحملته الانتخابية في المؤتمر الوطني التاسع .. فكيف يزعم اليوم و ينقلب على نفسه فيكفر بادريس ويلبسه أقبح النعوت. إذا، في هذه الحالة بوبكري لم يستشرف المستقبل و لم يقدر المآلات ! بكل بساطة لأنه ليس مثقفا بل مريض شفاه الله !

يزعم بوبكري أن لشكر بدون مشروع، بل إنه جاء ليقتل الحزب ويخدم مصالحه الشخصية والآنية، فلماذا كنت تدافع عنه بشراسة، علانية وجهارا، تعلن أمام الملأ و بالفم المليان « إن إدريس هو مستقبل الحزب و هو المنقذ من الموت ؟ طيلة ثلاثين سنة تماهيت في لشكر، وارتبطت به إلى درجة الحلول. كنت أنت عدما وكان هو وجودا، فلماذا اليوم واليوم فقط، تصحو بعد غيبوبة متجذرة في الزمن ؟ ألا تخجل من نفسك ؟ ! أخرج من عزلتك وأنصت إلى الناس من حولك لتكتشف إشفاقهم عليك.. الكل يسخر ويستهزئ، الكل يضحك ويتهكم …بكل بساطة لست مثقفا بل بليدا.

إن إدريس لشكر صاحب مشروع ، مشروع بشرعية تاريخية ، مشروع مجتمعي ديمقراطي وحداثي.. فهو ككاتب أول لم ينطلق من درجة الصفر بل يحمل مشروعا تاريخيا، مشروعا أصيلا متجذرا ، مشروعا ساهم في بنائه مثقفون متميزون ومناضلون أسطوريون، مثقفون من عيار الجابري والعروي وجسوس… أنبياء الفكر والثقافة … عباقرة ونوابغ… وساهم في بنائه مناضلون جمعوا بين الفكر والحركة، بين الثقافة والممارسة، قادة سياسيون كانوا بمثابة فكر يمارس وممارسة تفكر، هؤلاء هم المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بن جلون.. إذن إدريس لم يأت إلى القيادة وهو فارغ ، بل يحمل تراثا وثقافة، تشبع بمبادئ وقيم اتحادية أرسى دعائمها عظماء الفكر والسياسة

أن تكون مثقفا يجب أن تكون أصيلا، والأصالة هنا بمعنى التميز والإبداع… الجابري والعروي وجسوس…مبدعون ومتميزون، كل في مجاله. أبدعوا في الفكر والسياسة، وقبل ذلك في القيم والأخلاق، في التقدير والاحترام.. أصحاب كرامة… عانقوا سمو الأفكار ورفعة الرؤى باعتراف وطني، عربي وعالمي… انشغلوا بالأسئلة الكبرى، أسئلة تقارب العقل والإيديولوجيا والمجتمع والتاريخ بمنظور عقلاني نقاد، بمنهجية علمية ودقة موضوعية… تعالوا عن المألوف والمعتاد، وارتفعوا عن سفاسف الأمور فعالجوا قضايا كبرى، قضايا الإنسان والمجتمع، برؤية عميقة ذات أبعاد فلسفية واقتصادية واجتماعية وسياسية… تفوقوا على مثقفي ومفكري المشرق… هؤلاء هم الذين ساهموا في إنتاج المشروع الاتحادي…والتاريخ يشهد أن الاتحاد الاشتراكي تميز وامتاز بأدبياته السياسية الرفيعة التي اعتمدت التحليل الملموس للواقع الملموس. وهؤلاء العظماء بعطاءاتهم الفكرية تميزوا كذلك بالتواضع ونكران الذات، مارسوا الفكر والسياسة بأخلاق، قطعوا مع تضخم الأنا ووهم الغرور وكانوا مثالا للانضباط الحزبي، فلم يثبت أن تطاول الجابري على عبدالرحيم بوعبيد أوعبد الرحمان اليوسفي، بل تعامل معهما باحترام الكبار وتقدير الزعماء، وكذلك كان العروي وجسوس وآخرون… فلهم منا ألف تحية وألف احترام وألف تقدير .. فأين بوبكري من هؤلاء المثقفين ؟ ! هو فقط متعلم بالكاد، ومناضل بالكاد، وشبه كاتب .. ينقل متاهات المقاهي إلى الصحف والجرائد ويتباهى واهما أنه مثقف.

إن كتابات بوبكري يمكن تأطيرها في إطار المعرفة العامية والتمثلات الساقطة، كتابات تفتقد العمق الفكري والذكاء  السياسي، كتابات  صادرة عن ذات مريضة تعاني عقدة الزعيم وأشياء أخرى…إن الجابري لما اعتزل الحزب تنظيميا تفرغ لإنتاج مشروع معرفي ابستمولوجي ضخم، فأنتج وأبدع فدخل التاريخ من أبوابه الواسعة .. كذلك فعل العروي الذي نذر نفسه للاشتغال على مشروع تاريخي حضاري، وعندما يتعبه سؤال الفكر يستريح فينتج روايات جميلة بنكهة إنسانية فنية رائعة… إنها استراحة العظماء .. أمام هؤلاء يتقزم بوبكري ويبدو تافها .
يتحدث بوبكري عن السؤال وأهميته في الوجود الإنساني ولكنه ينسى بأن أهمية السؤال تكمن في كونه دافعا للتفكير، وبوبكري لا يفكر، بل هو أسير الأجوبة الجاهزة والمكبوتات الدفينة.
علمنا سقراط أهمية السؤال ودوره في الكشف عن الحقيقة ولكن بتواضع فلسفي  » كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا  » وعلمنا كارل ياسبيرز أن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة .. » إن جوهر الفلسفة في البحث عن الحقيقة لا في امتلاكها ».

لا أحد، إذا، يمتلك الحقيقة .. نطلبها ولا نمسك بها .. إن السؤال الفلسفي يحطم وهم الاعتقاد بامتلاك الحقيقة.. وهكذا يؤدي السؤال إلى تحطيم البداهة وانهيار المطلقات.. وبوبكري لا يطرح أسئلة فكرية لأن لهذه الأسئلة خصائصها، هي أسئلة اشكالية، شمولية نقدية…تعبر عن قلق وجودي ومخاض فكري. والسؤال مثل : » أش كيدير لشكر؟ » ليس سؤالا فلسفيا، بل سؤال عاميا .
هناك سؤال واحد ووحيد يزعج بوبكري ويجلب له الألم، سؤال لماذا أصبح إدريس زعيما. عندما يتأمل فشله يقلقه نجاح  » صديقه » .. فيحتمي بالسب والشتم والتبرير والإسقاط…كميكنزمات نفسية للدفاع عن الأنا المهزومة .

أكيد أن ما يعذب بوبكري هو أن لشكر كاتب أول حقيقي، بالقوة والفعل، كاتب أول يمارس اختصاصاته هنا تفوق على القادة الصوريين المطمئنين للصفة فقط. لشكر كاتب أول في مؤتمر استثنائي من حيث المنهجية الديمقراطية، وواهم من يعتقد أنه رهينة أحد، كما كان الأمر لبعض سابقيه. إذا بوبكري لا محل له من الإعراب. لشكر يشتغل وبوبكري يصرخ، شافاه الله !
إن ما أنجزه إدريس ككاتب أول في فترة قصيرة، في شهور سمان، يغطي على جمود السنوات العجاف تنظيميا وسياسيا. لقد أعلن ميلادا جديا للحزب وأطلق مبادرات تنظيمية وسياسية رائدة… زرع الروح في حزب بدأ يحتضر …أعاد للإتحاد الاشتراكي وهجه الطلائعي ودوره الريادي في المجتمع… دينامية تنظيمية على مستوى الفروع والأقاليم والجهات، على مستوى الشباب والنساء، على مستوى القطاعات والنقابات… ودينامية سياسية على مستوى التحالفات والتكتلات، على مستوى الاقتراحات والمواقف، على مستوى التشريعات والاحتجاجات، على مستوى الداخل والخارج .. كل هذا بإستراتيجية وحدوية و دالة … قد تبدو نتائج هذه المبادرات بطيئة، لكن لا ننسى أن ادريس عازم على تطهير البيت و اجتثاث الأورام، و لا ننسى أنه يعالج اختلالات الموروث التنظيمي والانسحاب السياسي… إن ما أنجزه لشكر وينجزه لا ينكره إلا جاحد  أو من يشتغل وفق أجندة غيره . فأنا شخصيا أشك إن كان بوبكري عفويا و تلقائيا في خبثه، وأكاد أجزم أنه مسخر هذه المرة ، لإعاقة انطلاقة الحزب وعرقلة مساره. إن المستهدف من حملات بوبكري هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إنه يهاجم الكاتب الأول الزعيم بهدف الوصول إلى الإطاحة بالاتحاد الاشتراكي … ألم يدخل بوبكري مؤخرا الإسلام من باب التهجم على لشكر و الصلاة مع بنكيران؟ !

إخوان لنا ،كانوا و لازالوا و سيبقون، أغاضتهم سلوكات بوبكري، فانصرفوا إلى تأسيس حزب على هامش الاتحاد الاشتراكي، أسسوا الحزب العمالي. ولما أشرقت الشمس و تواصلوا مع المايسترو ادريس لشكر قرروا وبقناعة سياسية وإرادة حرة العودة إلى النبع. العودة إلى الاتحاد الاشتراكي. فرحنا وصفقنا، باركنا وهنأنا. إنهم قيمة مضافة لحزب القوات الشعبية، كفاءات سياسية، طاقات نضالية وقوات اقتراحية … غضبوا فرجعوا .. رجعوا بشحنة نضالية و بغيرة حزبية، بأفق وحدوي وهدف استراتيجي … الملاحظون والمتتبعون سجلوا هذه الالتفاتة الأخوية لقائد الاتحاد الاشتراكي، و سجلوا أن الرجل عازم على المضي قدما في سبيل البناء والوحدة، وتبين لهم بقوة الأحداث أنه قادم لجمع الشتات وإصلاح ذات البين. وحده بوبكري آلمه هذا التوجه .. بكل بساطة لأنه يكن حقدا لقادة الحزب العمالي سابقا.. لم يستوعب، رغم التقادم استوزار  عبد الكريم  بنعتيق في حكومة اليوسفي الثانية .. نحن اتحاديون ونفهم بعضنا البعض، لهذا أقول لبوبكري، أن بنعتيق والعشري وآخرون مناضلون، فعاليات وفاعلون، طاقات وكفاءات .. طبعا عودتهم تزعجك، حضورهم يقلقك… إنهم قيمة مضافة للحزب ووجودهم يغنينا عنك.
أضرك أنهم أشادوا بالكاتب الأول في اجتماع اللجنة الإدارية الأخيرة… إن الواقع لا يرتفع… وهؤلاء الذين تدخلوا فأشادوا، كانوا صادقين، لأنهم خبروا الاتحاد الاشتراكي قبل أن يقوده لشكر، ولاحظوا بعين المناضل أن الأمور، بعد المؤتمر التاسع، تغيرت.
لقد حضر الجد وغاب العبث. إذن، تحية لهؤلاء المتدخلين المندمجين والذين أثنوا على فتوحات ادريس لشكر، إنهم فعلا فكروا فقالوا، قرروا ففعلوا، إنهم اتحاديون بالأمس واليوم وغدا، رغم أحقاد بوبكري.

ومن منطق النهاية بداية، و الخاتمة مقدمة أنصحك سي محمد بوبكري، المثقف الزائف، أن تتعلم جمالية الكتابة من المناضلة الأنيقة حسناء أبو زيد، والمناضلة الصادقة بديعة الراضي، والأخت المشاكسة حنان رحاب، و لنا في الشرق مناضلة تبتسم، وقبلهن القيدومة أستاذتنا فاطمة بلموذن…نساء لهن في لشكر كل السند، و كان لهن الصوت الذي لا يعلو فوقه صوت… و لما صادقهن صادقت أنت بنكيران … أعلم أن لشكر ليس مثقفا و لكنه رجل دولة بامتياز.