زيارة إلى الطبيب
من عادة الناس أنهم يتصرفون إزاء المرض1)إما بنسيانه و تجاهله، وكأن لا وجود له.لأن هؤلاء لهم طاقة من الصبر والتحمل غير عادية.حتى أنهم قادرون على كتمان المرض وإخفائه،وعدم البوح به2)أو منهم من يلجأ إلى (العشاب) أو ما أصبح يطلق عليه دكتور الطب البديل، إما نظرا للإمكانيات المادية المحدودة،أو بسبب الاعتقاد أن التداوي بالأعشاب يجنب الشخص تناول مواد كيماوية قد تكون لها مضاعفات قد تسبب هي الأخرى أمراضا أخرى كان المريض في غنى عنها. 3) أو منهم من يلجأ إلى الطبيب مباشرة(المختص).
كان صديقي من النوع الثالث، ومن الذين كانوا يعانون من مرض مزمن لا أمل في الشفاء منه،ولا بد من التعايش معه.وبحكم أنه كان يتردد على مجموعة من الأطباء أملا في أن يقال له بإمكانية الشفاء و ليس العلاج…وكان دائما يمد أذنيه مستمعا للناس ماذا تقول و ماذا تحكي عن الأمراض و الأدوية و العلاجات و الشفاء و الأطباء والحمامات العلاجية،والعشابين و المشعوذين و الأضرحة و ما شابه ذلك.فكل الناس لها مع المرض والعلاج و الشفاء قصص و أحاديث ذات شجون…ومن المرض و الدواء ما قتل.
سمع صديقي مريضا يحكي عن طبيب عجيب له يد سحرية(دقة ببطلة) كما يحكي المثل الشعبي…في المرة الأولى ذهب صباحا على الساعة العاشرة اعتقادا انه وقت مناسب (خاصة وأن الأطباء لا يذهبون إلى عيادتهم إلا في هذا الوقت بالذات،لأنها سنة مؤكدة في بروكولاتهم)،ليجد أن المستقبلة تقول له « عامر »عليك بالحضور في الصباح الباكر. في اليوم الموالي توجه عند 7 صباحا،اعتقادا منه أنه سيكون من الأولين، لأنه كان يحمل في رأسه سذاجة المغفلين.كانت العيادة بالطابق الثالث في العمارة،والحارس ليس موجودا،والمصعد الآلي كان مسدودا (كان خاصا بالقاطنين في العمارة).لم يكن أمامه اختيار إلا تسلق الأدراج التي لم يكن يعدها لكثرتها.أحس بالوهن والاختناق،وأن روحه قد تزهق في أية لحظة.تذكر حينها انه لم يعد شابا قويا.وأيقن أن جسمه و قدراته و قواه،سائرة إلى الضعف و الزوال و الفناء.متى و كيف؟ذلك الجواب الذي لا يعلمه إلا من خلق هذا الجسم الذي تسكن فيه روحه…قبل الاقتراب من العيادة سمع هرجا و مرجا،أناس سبقوه.بعضهم أتى في الخامسة صباحا،وبعضهم تحلق حول الباب،والبعض الآخر احتل الكراسي القليلة الموجودة.وما بقي ظل واقفا ينتظر بملل… أخذ صديقي مكانه في الأخير…في الثامنة و النصف ،فتحت المساعدة و الممرضة الباب.هجم المنتظرون على المكتب يسجلون أسماءهم دون اعتبار من أتى أولا.فهم صديقي لماذا يحتل بعض الناس المكان، محلقين حول الباب…كان الأخير في الحاضرين. أخذ مكانه في قاعة الانتظار…رن جرس الهاتف،فخرجت المساعدة إلى المنتظرين معلنة بصوت خافت،أن الطبيب لن يلتحق بالعيادة بسبب سفره إلى فرنسا ،وان طبيبا آخر سيحل محله ،وسوف يحضر بعد حين …بدأ الناس بالخروج عند سماع النبأ العظيم،حتى فرغت القاعة من المنتظرين إلا صديقي وبعض من المرضى.رغم محاولات المعيدة والممرضة إقناع الناس أن الطبيب المعوض اختصاصي،لكن هذا الأمر لم يقنع أحدا…جاء دور صديقي ،وبإشارة مفهومة من الممرضة ،عرف أن عليه أن يدفع 250 درهما ثمن الفحص مسبقا.بدا له الأمر غريبا وهو الذي ألف أن يدفع بعد الخدمة وليس قبلها.انه قانون هذه العيادة.كان خيال صديقي البسيط،قد أوحى له بتفسير لهذا التصرف الغريب:يمكن للطبيب بهذا الفعل ،يتفادى الفقراء و المساكين الذين قد لا يجدون ثمن الفحص و لهم القدرة على التوسل و الاستعطاف،أو يمكن أن يتجنب بهذا الإجراء، أشخاصا آخرين من معارفه البعيدين من الذين يريدون استغلال الفرص الممكنة…
دخل صديقي إلى قاعة الفحص،وبينه وبين الطبيب مسافة كبيرة أثارت انتباهه.وبدون الاقتراب منه،ومن مكان المرض الموجود على يديه،نظر إليه من بعيد دون فحص أو لمس أو قياس ضغط…عامله و كأن جسمه وطن لجميع الأوبئة المعدية.وتوجه مباشرة إلى الوصفة يدون عليها الأدوية،لا شارحا ولا ناصحا ولا مفسرا…انتهت الزيارة بهذه الطريقة الغريبة.تاركة في نفس صديقي ملاحظات لم يستطع كتمانها عني: كيف يطلب هؤلاء نفس ثمن الفحص لأطباء أساتذة في كل من الرباط و الدار البيضاء؟رغم أن المستوى المعرفي و المهاري مختلف، وطريقة التواصل و الاستقبال و الفحص و الأدوات و الآلات التي يعتمدها الأطباء في الفحص و النصائح و الإرشادات في الأدوية(كيف ومتى يتناولها المريض)، و الأطعمة التي يمتنع عنها، و التحليلات و الفحوصات الإشعاعية التي يتوجب عليه القيام بها.. وقس على ذلك …كل هذا مختلف عن هناك…ومستوى عيش المواطن في هذه المدينة التي تصنف في قائمة المغرب غير النافع والمهمل، يختلف عن مستوى مواطن في العاصمة الإدارية(الرباط) أو الاقتصادية(الدار البيضاء).أليس من المجحف أن يطالب الأطباء الخواص هنا في المدينة البسيطة نفس ثمن الفحص لأساتذة في الطب في الرباط و الدار البيضاء؟؟
أبديت لصديقي موافقتي على آرائه كلها،دون إخفاء الملاحظة التالية،أن أطباء مدينتي يطالبون المريض أداء نفس تسعيرة أطباء الدار البيضاء و الرباط ،وفي الغالب هناك ،لا يعترفون لا بتشخيص هؤلاء و لا بوصفاتهم ،واغلبهم يطالب بإعادة الفحوصات كلها هناك،لشك في خطأ التشخيص المحلي.وكثيرا ما يستهزؤون من قراءة نتائج الفحص هنا…
انجاز:صايم نورالدين
1 Comment
C du n’importe quoi نصيحتي للصحافيين:اتقوا الله في أقلامكم فالكلمة أمانة ، و الله ستسألون عنها أمام الغلي القدير، لا تضعوا أنفسكم فوق الناس حكاما عليهم