المقامات المزمارية : المزمار الرابع – الرجل الذي التقى بحليقة الرأس والأجفان وعلمته سر رقصة
المقامات المزمارية : المزمار الرابع – الرجل الذي التقى بحليقة الرأس والأجفان وعلمته سر رقصة « البوب » بالتبان.
حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن رجلامنخاصة القوم، ظل ينتظر رحمة سياسة التنمية والدعم، في زمن قيل عنه زمن ذويالعزم…قضى نصف عمره يغني لسنوات الخير والأمطار، حتى التهب حنكه من كثرةالنفخ في المزمار، وجف لسانه من كثرة الإسهال واللغو والاجترار…كان يحلمأن يصبح يوماً مطرباً بديع الفن، ويملك خيال ما لم يملكه مطربو الإنسوالجن، رغم تأكده من استحالة ذلك بعد كبر السن…كان يُقنع نفسٓه بإمكانيةتحقيق المستحيل، ما دام الناس يرضون بالقل والقليل، وما دام القزم ينالمن صولة الطويل…وحدث يوماً أن حضر مهرجان تلاقح الثقافات، حيث يمتزجبلاط المنصات بالشفافات، وحيث الرؤوس تتطاول كأعناق الزرافات…يقول أحدالفضوليين المتخصصين في شتى الميادين، أن صاحبنا استنكر ما يصرف علىالمهرجان من الملايين، لتوضع في جيوب المخنثين وتبان المجانين…جحظ عينيهليتحقق من صاحبة الرأس الحليق، وكيف استطاعت أن تلم شمل العدو والرفيق،وتمزج في لحن عجيب بين الزئير والنهيق…حاول أن يقترب منها من بابالائتلاف، فتاه بين رشاقة الأجساد وصفاقة الأرداف، حتى استوقفته الأبدانعريضة الأكتاف…استغل فترة استراحة حليقة الرأس، واندفع نحوها قبل أن ترشفحمرة الكأس، فسلم عليها داعياً لها تجنب البأس…يقول أحد الفضوليينالمتخصصين في الدعاية والاستقطاب، أن حليقة الرأس اعتبرت ذلك نوعاً منالإعجاب، وشكرته وعرّٓفت بنفسها بكثير من الركاكة والإطناب…فهم أنها حلقترأسها دعما للمصابين بالسرطان، وأنها ستخصص لذلك نصيبها من المهرجان،فاستفسرها حول علاقة الدعم بالتبان…أجابته أن الأمر مرتبط برقصة البوب،وأحالته على ما ينشر على مواقع اليوتوب، إن هو أراد معرفة السر وتحقيقالمطلوب…قرر بكل ما يستطيع أن يستثمر اقتناص الفرصة، وتوسل إليها أنتعلمه مهارة تلك الرقصة، فوافقت بشرط أن يلتحق بها على المنصة…ألهبالصراخ حناجر الكائنات القافزة، وحوصرت أجواء المنصة بالنظرات الواخزة، ثمتمتمت الأوتار تحت الأنوار الغامزة…ظل صاحبنا يقلد حركة الذراع والساق،مركزاً على ما تتطلبه الحركات من الاتساق، حتى انهار وأحس بالإعياءوالإرهاق…يروي أحد الفضوليين المتخصصين في الفساد والبغي، أن صاحبنا قررممارسة رياضة المشي، في إطار تقوية الجسد وتنمية العري…استضاف حليقةالرأس مدة أسبوع، وفي ذهنه ألف مشروع ومشروع، تتراوح إشاعته بين مرئي ومسموع…أُعجبت بالكسكس أكلة المغاربة المفضلة، وبالشاي والقطانيب »الدوارة » المبللة، حتى تعفنت معدتها بالحموضة المخللة…دربته على تنفسالغازات في الحالات الخاصة، حسب ما تقتضيه جدولة جيوب المقاصة، حتى باتأمهر من لاعبي « الريال » و »البارصة »…لاحظ أن كل شيء فيها مختصر ومقصوص،جمجمة جرداء قاحلة وأنف منقوص، فأنشد يقول شعراً كلامه مرصوص :
أضحى التعري شعاراً في الموازين والجوع يلهو غناءً بالمصارين
في المهرجان طـال التبان خاصرة حتى تهاوى على حِبر العناوين
مـن مُبلِغُ المُعْجبين حـالة البـلد وما يقول ذوو الإيمان والدين ؟
يرويأحد الفضوليين المعروف بين الناس باللص، أن صاحبنا أراد أن يعرف السر وراءالقص، وما علاقة ذلك بالمقاصة بالدليل والنص…أجابته أن هناك علاقةبينهما لغة واصطلاحاً، فالقص عند البعض لا محالة يحقق ارتياحاً، وعند أصحابالحال لا شك يحقق أرباحاً…أدرك أن أهل المقاصة وحسب ما جاء في صحيحالخبر، كانوا يهدفون من وراء قراراتهم إلى تنمية البشر، والاقتطاع منالجيوب لتنمية ما اعترى تبانها من القصر…شكر الحكومة على إتاحتها له مثلهذه المناسبة، وتمنى أن يدعو لها الناس ويكفوا عن المحاسبة، ويتعلموا رقصةالتبان لتغنيهم عن المزيد من المطالبة…فكر أن يهدي للحكومة تذكاراً يكونفي مستوى المقام، لمساعدتها على تحمل ما قد يأتي به مستقبل الأيام، فاختارلها تباناً حتى تستر به ما تبقى من الاحترام…يروي أحد الفضوليينالمتخصصين في مجال الهجرة، أن صاحبة التبان اقترحت عليه تطوير المهارةوالقدرة، وطلبت منه السفر بعد التدقيق جيداً في الفكرة…وافق شريطة إدماجهضمن فريق العزف، ليزداد « البوب » تألقاً بالمزمار والدف، فانبهرت بالمشروعوكأنما أصابها مس من الخطف…وصلا إلى قاعة المطار قبل الموعد، بعد أنتكلفت هي بما يحتاجه من المورد، أما هو فأحس بشعور يبشره بإعادةالمولد…استرعت انتباهه يافطة كتب عليها بالدارج، يرحب مضمونها بقدومعمالنا بالخارج، في تلهف لما سيأتون به من العائد والناتج…تساءل همساًعن الفائدة من وراء هذا الدوران، إن كان ما يُدخله العمال تُخرجه صاحبةالتبان، فتاه في المقاصة حتى استيقظ على صوت القبطان…أقلعت الطائرة وطارتالوساوس والشكوك بعقله، وتمنى أن يحقق ما يريد وألآّ يندم على فعله،وألآّ يحدث له كما حدث للراقصين من قبله…حضر رفقتها سهرة راقصة صاخبة،تجمهر فيها أهل المدينة قاطبة، وشارك فيها بمزماره عازفا نغمةمصاحبة…أُعجب الحاضرون برقة نغمة المزمار، وطلبوا منه المزيد بالتصفيقوالصفير والإصرار، فتذكر أيام الأعراس والعصي وقذف الأحجار…ولما ملأرئتيه لينفخ في مزماره، استيقظ مذعوراً فلف رأسه في إزاره، ثم مات وقد تسربالهواء عبر منخاره…وفي رواية أخرى أنه لما رمى به المزمار في الشوق، لعنصاحبة التبان ومن تولاها بالحب والعشق، ثم مات ثلاثاً ممطراً إياها بوابلالبصق….
يتبع مع مزمار آخر محمد حامدي
2 Comments
وماذا عن مهرجان الرأي؟
bravo Si Hamdi !!!