الأسرة المغربية في مواجهة الاختراق القيمي:
الأسرة المغربية في مواجهة الاختراق القيمي:
ما تزال الفجوة تتسع بين القيم الإسلامية والضوابط الشرعية وما أراده الله لجو الأسرة، من شيوع السكينة، والتمتع بالمودة والرحمة، وبين الواقع المحزن الذي صار إليه حال الأسر العربية و الإسلامية . صحيح أن عمليات التحدي والاستفزاز والاستهداف ساهمت بقدر كبير في إيقاظ الوعي ومحاولات إعادة البناء، والتحول من صور الوراثة الاجتماعية التقليدية للقوالب الأسرية في اللباس والتعامل والعلاقات، الأمر الذي قد لا يخلو من إكراه وضغط اجتماعي، إلى نوع من الاختيار والاستمساك بالقيم الإسلامية عن قناعة، واستشعار أهميتها في تنظيم العلاقات الأسرية والإنسانية، و إذا كان الكثير من الملاحظين يسجلون بعض التراجع على مستوى التضامن التقليدي نتيجة انتشار الأسر النووية على حساب الأسر الممتدة ، فإن عددا كبيرا من المغاربة ظلوا متمسكين بالقيم الأسرية، عن اقتناع أو لضرورة سوسيو/اقتصادية. فلا يزال الزواج محتفظًا بقيمته الكبرى، و التكفل بالأشخاص المسنِّين في الأسرة من الواجبات الملقاة على عاتق أبنائهم، وعلى الرغم من انفتاح المغاربة على الحداثة، فإن غالبيتهم ما زالوا يُولُون أهميَّة قصوى لكل من التماسك الأسري بصفة عامَّة، ولرباط الزوجية بصفة خاصَّة و من ثم فإن: » الأسرة كوحدة تبقي قوية علي الرغم من نمو فكرة الحقوق الفردية وإمكانيات تحطيم القيود المفروضة »1
و الخلاصة أن المغرب عرف تطورا على المستوى السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي واكبته تحولات عميقة أخرى، على مستوى مرجعيات القيم. وتحدث هذه التغيرات، أساسا عبر ترسبات معقدة، لا من خلال قطيعات واستبدالات، وهكذا فالبلاد تعرف انتقالا تتعايش ضمنه مرجعية تقليدية إلى جانب قيم ناشئة حسب السياقات والمواقع والمصالح . وهناك من يرى في هذه الظاهرة مهارة وقدرة على التكيف، تسير في اتجاه متلائم مع الحفاظ على الهوية والانخراط الإرادي في الحداثة. في حين يرى آخرون في هذه الظاهرة نوعا من الرجعية، أو على الأقل ترددا في الانخراط بجرأة في التيار الراهن للقيم الكونية.
ومن ثم ، فمن المرجح أن المجتمع المغربي يشهد هذين النموذجين من التفكير والسلوك و: » أن تشكله المستقبلي رهين بقدرته على التخلي عن الماضوية المفرطة في المحافظة وعلى تحديث ذاته في العمق، دون التضحية بالسمات المميزة لإرثه وهويته« 1 لكن من المهم ملاحظة أن بعض الاهتزازات التي تعرضت لها قيم الأسرة المغربية و التي أشرت إليها في المطلب السابق تبقى على الدوام في إطار (الاختراقات) ولم تشمل المجتمع برمته ، وهي ظواهر محدودة بالنسبة للمجتمع العام. والأهم من ذلك هو أن المجتمع لا يزال ينظر إلى الكثير من هذه الاختراقات على أنها (لا شرعية)، مما يفسر كونها ممارسات دخيلة، ومن ثم فإن منظومة القيم الأسرية استطاعت أن تصمد في وجه الكثير من الهزات.
=========
1- الزواج والعلاقات الأسرية-ص 354/ 355.ـ سناء الخولى – دار المعرفة الجامعية- بدون ط – بدون ت
Aucun commentaire