الوصفة الإسلامية
بقلم : عبد المجيد التجدادي
http://tajdadi.blogspot.com /
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتحدث عدد من اللائكيين عن الإسلاميين (*)بما يقر في أنفسهم تجاههم أو تجاه أفكارهم من مخالفة عن علم أو عن جهل … و حيث إناللائكيين أصناف من الناس : منهم المخادع الذي لا يرى في السياسة إلا ألاعيب و خدعو مقالب و لا يرى لها من الأخلاق أي حظ ، و هو في ذلك راقص بارع على الحبال لا خلاقله ..؛ و منهم صاحب الفضل الذي تعلوا قيمه على مصالحه الخاصة ، تحس من خلال خطابهأو من معاشرته أنه فيه من الخير ما يجعله أهلا للفضل و « حلف الفضول » … فإن هذاالنوع الأخير نرجو أن يكون حورانا معه حوارا متقدما بناء مثمرا يسير بنا نحو الأماملا انتكاس فيه …..
نخصص هذا الموضوع لمناقشة المشروع الذي يحمل لواءه الإسلاميون ، أوما قد نسميه بالوصفة الإسلامية . و حتى يكون عرضنا أكثر نفعا آثرنا أن يكون مركزا ،بعيدا عن العموميات ، و ذلك من خلال أمثلة محددة .
يرى اللائكيون بأن الدين شأن خاص ، ولا يجوز بتاتا إقحامه في الشأن العام ، و تفسير ذلك يختلف ما بينهم : فمنهم من يرىالدين مطلقا لا يحتمل تقلبات الحياة العامة ، و منهم من يراه شيئا مقدسا فيريدتنزيهه عن لوثات الحياة العامة ، و منهم من لا يؤمن به بتاتا و يراه مجرد مرحلةطفولية متخلفة مرت منها البشرية و انتهت إلى غير رجعة ، و منهم من يراه أفيونا مخدرا يوظفه بعض البشر ضد آخرين ….
أما الإسلاميون فيرون بأن الدين هو منصميم الحياة الخاصة و العامة ، و أنه لا ينفك عنهما و أن الفصل بينهما مرض انفصامفي شخصية المسلم … الدين المقصود هنا هو دين الإسلام : الخاتم من بعد إبراهيم وموسى و عيسى عليهم السلام ، و المنزل من عند الله عز و جل المتصف بالكمال لا بالنقصسبحانه …
غير أن الذي يجب أن يفهمه اللائكي عن فكرة « الوصفة الإسلامية » فيالشأن العام هو أنها ليست مشروعا جاهزا لا ينتظر سوى التنفيذ بحذافيره ، بل هو إطارعام يقدم توجيهات عامة و إشارات توجه نحو السبيل الراشد أكثر مما يقدم تفاصيل وجزئيات : هذا هو السبيل ، و ذاك هو المبتغى ؛ و لكن كيف أتحرك ؟ و بأية سرعة ؟.. هذا شأن بشري عليه فيه إعمال العقل و الجهد و استنباط أسرار الله عز و جل المبثوثةفي كتابيه المقروء (القرآن الكريم) و المنظور (الكون) .
وحتى نكون عمليين في تركيز نأخذ على ذلك هذه الأمثلة :
ــ مسألة تدبيرالاختلاف الفكري و السياسي : يمكن أن نرى بجلاء أن الحزب الأقرب إلى أن يكونديمقراطيا قي المغرب هو حزب العدالة و التنمية ، و قد تجاوز في ذلك أحزابا عتيدةتدعي على غير ما يشهد به الواقع التقدمية و الحداثة و الديمقراطية ، و آخر شواهدذلك طريقته الفريدة غير المسبوقة في المغرب في تدبير مسألة اختيار وزرائه عكس طريقةحلفائه في الحكومة . الحزب و من ورائه حركة التوحيد و الإصلاح ينطلقان من مبادئإسلامية موجهة : الشورى و البيعة و الطاعة . فتفتقت تجربتهما عن قاعدة يسيران وفقهافي تدبير شؤونهما التنظيمية : لكل رأيه الخاص ، و لكن القرار الجماعي ملزمٌ . بمعنىأننا جميعا في مستوى الشورى ندلي بآرائنا و اقتراحاتنا بكل اختلافاتها ، و لكنعندما ننتقل إلى مستوى اتخاذ القرار النهائي فنتفق نحن جميعا (بالأغلبية أوبالإجماع) على قرار معين ، فإن الجميع ملزم باحترام ذلك القرار في إطار الطاعة حتىو لو كان مخالفا لهواه .
ــ مسألة الربا في الاقتصاد : المرابي مستثمر جبان و طفيلي ما دام أنه يكتسب الثروة من خلال جهد الآخر ، و علىهذا الأساس تقوم المؤسسات البنكية في فهمها التقليدي . الإسلام يرفض التطفل ، و يحثعلى المشاركة : أي على المشاركة في الربح و الخسارة ، من هذا المبدأ يبدع الفقهالإسلامي عددا من أشكال المعاملات المالية (كالمزارعة و المضاربة …) التي ترومإلى تحقيق التمويل من خلال مبدأ المشاركة . و هكذا ، فالعقل المسلم عندما يستوعبالمبدأ يفكر في إبداع الحلول الموافقه له . مثلا : رئيس الوزراء التركي أردوغانعندما كان رئيسا لبلدية اسطمبول كانت عنده أزمة مرور خانقة ما بين الضفتين الآسيويةو الأوربية للمدينة ، ففكر في إنشاء نفق تحت البحر للربط بينهما ، بعدما أنجزتالدراسات اللازمة للمشروع وقف الجميع عند مشكلة التمويل . ماذا فعل أردوغان ؟ انطلقمن مبدأ ديني موجه : المشاركة . هكذا ، لم يلجأ إلى طلب القروض من الأبناكالإقليمية و الدولية ، بل أعلن في الإعلام عن مشروع النفق و وعد بإشراك كل مستثمريساهم في تمويل المشروع في مداخيله . فكانت المفاجأة : كانت مدة 24 ساعة كافية لجمعكل الأموال الكافية لإنجاز المشروع ..، و تم المشروع فعلا بنجاح … و لعل نفسالمبدأ تريد مصر تحقيقه من خلال ما يعرف بـ »الصكوك » .
ــ مسألة الخمر في الصحة و المجتمع و الاقتصاد … : الكل يتذكر دفاع أحمد عصيد اللائكي عن الخمور في احتجاج له على الإسلاميأحمد الريسوني و معه الرويسي و غيرها من اللائكيين … الخمر كما هو متفق عليه صحياو اجتماعيا و اقتصاديا مدمر : يدمر الصحة ، و يدمر الأسر ، و يستنزف الاقتصاد مع ماقد يوهم به في أوله بمداخيل … و نفس الحكم يسري على التدخين و المخدرات باشكالهاالمختلفة . المبدأ واضح : كل مسكر حرام ؛ و كل ما فيه هلاك للنفس بغير موجب حق حرام .
ــ مسألة الأسرة في الشأن العام : الكل يرىشدة حرص الإسلاميين على هذا الموضوع . لماذا ؟ هذا بكل بساطة لأن الأسرة في الإسلامكيان مقدس ، و تستمد قداستها هذه من كونها خلية المجتمع ، قوته من قوتها و ضعفه منضعفها … و بالتالي فقد تم العمل على وضع كل ما من شأنه جعل الأسرة حصينة ضد أيفيروس يدمر كيانها : الدفاع عن الزواج الشرعي الذي أحله الله بميثاقه الغليظ ، وتوثيق عرى أفراد الأسرة من خلال علاقات أفرادها من عدل و إحسان و تضامن و تحاب وغيرها مما يدخل في حقوق الزوجين ، و حقوق الأبناء و حقوق الوالدين ، و حقوق الرحم ……
هذه أمثلة ، و إلا فإن المجال فيها مفتوح للكثير ممايقال ، و خاصة لو سنحت الظروف أكثر لاحتكاك المبادئ مع الواقع ، فهذا سيكون فرصةعظيمة لتوليد ما قد يكون محجوبا عنا الآن بسبب المجال الضيق الذي يحاصر فيهالإسلاميون أنفسهم أو يحاصرهم فيه غيرهم …
غير أن الأساسي هنا هو أن نستوعبالمبدأ : الإسلام يضع نصب أعيننا طريقا (منهجا) نسلكه ، غير أن فعل السلوك نفسه منحيث طريقته و سرعته نحن المسؤولون عنه . لهذا أتوجه بالكلام إلى اللائكي الذي أطمعفي أن يكون حواري معه مثمرا : الإسلاميون بشر بين أيديهم منهج ، فإذا أخطأ بعضهؤلاء الإسلاميين (و هذا حق البشر) في طريقة السلوك أو سرعته وجه لبشريتهم سِهامنقدِك ، و احذر أن تتجرأ على الله عز و جل فتتهم المنهج ، لأن المنهج هو من عندالله عز و جل المتصف وحده بالكمال ؛ أما نحن البشر فمجرد بشر نخطئ و نصيب … المهمهو أن تسلم النيات ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ــ ننوه هنا إلى نشاط مثل هذا النقاش بموقع دفاتر التربوية بالمغرب (www.dafatiri.com)
Aucun commentaire