التربية بالتعويد
التربية بالتعويد
بقلم : عبد المجيد التجدادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألفنا في أدبياتنا التربوية الحديث عن تزويد التلاميذ بموارد مختلفة معرفية و مهارية و وجدانية … غير أن الحقيقة التي يكشف عنها العمل التربوي الذي نمارسه على أرض الواقع هي أن كل تلك الموارد بكل تنوعاتها تكاد لا تتجاوز أن تكون « معارف » جافة تحشى بها أذهان المتعلمين ، و لا يكاد يجاوز بها هؤلاء دفاترهم و أوراق الامتحان ؛ لأن ذلك و بكل بساطة قائم على أسلوب التلقين . هناك الكثير من المعارف و المهارات و القيم المهمة التي نتلقاها في الوسط المدرسي ؛ غير أن المحك الحقيقي لها هو : مدى تأثيرها الإيجابي على سلوكاتنا تقويما و تهذيبا .
العنوان العريض لهذه المسألة هو تلك المفارقة الكبيرة ، و تلك الفجوة و الهوة السحيقة التي تفصل ما بين ما نتلقاه في المدرسة مما يجب فعله و ما نفعله حقيقة في المدرسة نفسها ثم في المجتمع .
و لنعرض فيما يلي مشاهد للتمثيل :
ــ تلميذ يجتاز امتحانا في موضوع النظافة . بعدما أجاب على ورقة التحرير جوابا ممتازا من حيث معارفه حول الموضوع ، رمى بأوراق التسويد جانبا عل أرضية الفصل ثم انصرف دون الشعور بأدنى حرج ! ..
ــ معلم يعرض على التلاميذ بعضا مما يجب أن يكون عليه المسلم من حسن الخلق من خلال طيب الكلام ..؛ ثم ينهي حصته بسب أحد متعلميه سبا بشعا .
ــ مدير مؤسسة تربوية يخرج من مكتبه ليأمر العون بوضع ملصقات توعوية كبيرة توصل بها للتو من إحدى المنظمات الصحية للتحذير من مخاطر التدخين ، ثم يعود إلى مكتبه بعد أن دس سيجارة بين شفتيه ! ..
ــ مشرف تربوي يعرض في حزن و عتاب شديدين آخر ما كشفت عنه الأرقام عن كوننا أقل الأمم قراءة و مطالعة بما معدله ست دقائق في السنة ..، ثم هو نفسه بعد حين يعترف ضمنيا بعدم قدرته على حبس نفسه و لو لدقيقة واحدة لأجل مطالعة كتاب .
التلميذ في المشهد الأول لم يتعود على رمي النفايات في المكان الصحيح ؛ و المعلم في المشهد الثاني لا يتحرج من قول كلام السوء لأنه تعود عليه ؛ و المدير في المشهد الثالث غلبته عادة التدخين رغم علمه بمخاطر التدخين ؛ و المشرف التربوي في المشهد الرابع لم يكتسب عادة المطالعة … هؤلاء جميعا غلبت عاداتهم علمهم و قناعاتهم . و تلك حقيقة نفسية لا يمكن تجاهل تأثيرها القوي في توجيه و تحديد سلوك الناس ؛ و لعل أحد منافذ الشر في المجتمع هي تلك العادات السيئة التي غرست في النفوس منذ سن مبكرة عن قصد و غير قصد ، حتى أصبح مفعولها في الحياة اليومية للمجتمع يتجاوز طاقة أي تقويم سواء أبرفق التربية و التوعية أم بقوة زجر القانون .
إن المؤسسات « التربوية » لا يمكن أن تستكمل و تستوفي دورها التربوي المقدس بمجرد « إعلام » المتعلمين و « إخبارهم » إبراء للذمة بعدد من المعارف و المهارات و القيم ؛ بل وجب عليها أن ترتقي بواجبها التربوي إلى مستوى تربية المتعلمين على ممارسة تلك المعارف و المهارات و القيم في شكل عادات حسنة و ذلك من خلال أسلوب تربوي غاية في الأهمية و الفاعلية ، هو : التربية بالتعويد .
يمكن أن نعرف التربية بالتعويد بأنها تربية تتجاوز التلقين إلى التطبيق و ذلك من خلال الممارسة الفعلية و المتكررة للسلوكات المرغوب في ترسيخها في نفوس المتعلمين ، فتتحول تلك السلوكات مع مرور الزمن و قوة التكرار إلى عادات راسخة تتغلغل و تتحصن في لاوعي الفرد ، بحيث يكاد يستحيل زعزعتها .
على هذا الأساس يمكن أن نقول أن أحد منافذ إصلاح النظام التربوي ببلادنا هو جعل مكان معتبر لـ « التربية بالتعويد » ضمن الأساليب التربوية المتبعة ، و ذلك من خلال جرد و وضع حزمة من السلوكات الحسنة ( تشمل مختلف حاجيات الإنسان) بشكل مفصل ، ثم تشكل لأجل التعويد عليها طقوس منظمة هادفة متكررة في الوسط المدرسي .
Aucun commentaire