ذكرى مدرسة طواها النسيان ||2||
ذكرى مدرسة طواها النسيان ||2||
والان وفي نفس المدرسة,اي المدرسة الاساسية بسنواتها الستة,يْاتي التلميذ محملا بعدد من الكتب والدفاتر والاْدوات.فبعد اْن كان يحمل محفظته سابقا في يده ,اْصبح يحملها على ظهره.ويطالب بالتحضير القبلي والبعدي,والذي لا يخلو منه اْي درس,لاْن وقت المدرس يستغرقه في الشرح والاملاء,ولا مجال ان يبقى للتلميذ فرصة التعلم حسب قدراته,خاصة المتوسطين والضعاف.
ووقت التلميذ بعد الدراسة ,يستغرقه في التحضير والاجابة على الاسئلة.ورغم كل هذا ,فبعض الاباء يطالبون,اما بحكم النتائج غير المرضية التي حصل عليها اْبناؤهم اْو بحكم الرغبة في الحصول على درجات اْعلى,يطالبون اْبناءهم بدروس اضافية اْو خصوصية .تلميذ اليوم مثقل بالمواد المقررة التي يجب الانتهاء من املائها,ومثقل بحصص الدعم الخارجي التي تستحوذ على اْيام العطل الاْسبوعية والدورية .هكذا تم الاجهاز على حق الطفل في ان تكون لديه هوايات اْو اْن يستمتع بيوم اسمه :يوم عطلة.ورغم كل هذا ,نرى ضعفا في مستوى تعلم الرياضيات والعلوم واللغات.وهذا ما لوحظ في التقارير الدولية.بل ان هذا الحكم ينطبق حتى على اللغة العربية.
والحصيلة اْن تلميذ اليوم يدرس كثيرا ويستفيد قليلا.بل اْصبح في حالة من العجز العقلي اْن ينجز تمارين التعلم اْو يتهياْ للاختبار اْو لاْسئلة المراقبة اْو الواجب المنزلي اْو امتحان نهاية السنة لوحده ,اْو اْن يعتمد على قدراته الخاصة و مستواه المعرفي الحقيقي.فوجود مدرس الدعم لامفر منه ,والذي تدفع له الاسرة اْجرة مقابل مساعدة ,وفي بعض الاحيان انجاز تمارين التلميذ.كما اْن مدرس الدعم هو الذي يحضر التلميذ للامتحان و باقي العمليات التعليمية المتعلقة بالتحضير والمراجعة .
وقد يلجاْ بعض التلاميذ الى الكتب الخاصة بالدعم ,وما اْكثرها ,وقد صنفت حسب المستويات والمواد .وتحمل الاسم التابع ||تمارين وحلول||جعلت التلميذ يستظهر الحلول كما يستظهر نصوص القران.
نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان كما يقول اْهل المنطق:انهاء المقرر الدراسي ومسايرة مستوى كل تلاميذ الفصل .ان المدرس يعجز عن انهاء المقرر ومسايرة مستوى تلاميذ الفصل ,ولا يقدر ان يتغلب على هذا الاشكال الا بالتضحية بواحد منهما .وهذا الاْمر لا يمنح للتلميذ الوقت لتنمية التفكير عنده والتحليل والتركيب والنقد .وهي عمليات ذهنية من المستوى الاْعلى
وحتى حصص الدعم المسائية ,نرى التلميذ يقضي الحصة في كتابة التصحيح التمرين ,وعليه اْن يستظهر التمارين وطريقة حلها .فالمدرسة بهذا المنطق لا تحضر لصنع مفكر اْو عالم اْو باحث,.
ان بعض الاْسر الغنية المتعلمة ,ونظرا لوعيها المبكر ,فقدت الامل في المدرسة العمومية منذ مطلع الثمانينات اْو قبل ذلك ,واتجهت الى البحث عن مدارس خصوصية بديلة لها ارتباط بالبعثة الفرنسية اْو الاْمريكية اْو الكندية .اْما المدرسة العمومية فوجدت نفسها اْمام تخريب ممنهج ومستمر,من مظاهره الاكتظاظ الذي لا يسمح تحت اْي ظرف للمدرس بادارة الدرس في جو يستفيد منه التلاميذ ,ومن مظاهره اْيضا منح الحقوق المطلقة للتلميذ,جعلت حريته مطلقة لا يحدها قانون ولا اْخلاق…
فاذا كانت المدرسة الغربية اْقرت الحرية كفضاء نفسي وتربوي ,فلقد قيد تها بالنضج الخلقي للطفل والتلميذ والانسان بصفة عامة …
ان المدرسة التقليدية قد منحت للمدرس سلطة وحرية تحدها القوانين والاْعراف الاجتماعية . والمدرس الذي يمارسها انسان راشد وله نضج خلقي وعقلي ووجداني.وكانت هذه السلطة في مصلحة التلميذ من اْجل اْن يعمل ويبحث ويجتهد وينظبط ويحترم القانون والعادات الاجتماعية ,ومجتمع الكبار بصفة عامة .ولكن المدرسة المغربية الحالية قد منحت التلميذ حقوقا مطلقة لم يتعلم كيف يتصرف بها ومعها.واْضرت به كثيرا حيث اْصبح لايحترم المجتمع و القانونوالاْخلاق .ولا يستحي من القيام بافعال تخدش الحياء امام من هم اْكبر منه سنا |جيل الاباء| ولا من معلميه الذين كان لهم الفضل في التعليم والتربية ….
ان الحرية المطلقة والديمقراطيةالتي اْسيئ استعمالها||التي اْصبحت تلغي الاخر عوض الاعتراف به||قد عملتا على اسقاط النظام المدرسي القائم على الانظباط واحترام رمز الدولة والمجتمع || المدرسة|| واحترام سلطة المدرس,واْطاحت بطريقة مخجلة بقيمة المدرس ودوره الاصلاحي والتنويري في المجتمع.واْصبحنا نرى ونحن نعزي انفسنا في ذلك نموذجا غريبا من التلاميذ,الذي لا يمارس التفكير لا من قريب ولا من بعيد.ولا يكن اْي احترام لاْي شيئ.بل بعيد عن صفة تلميذ|بعضهم اتى الى المدرسة بدون قلم . او دفتر او كتاب.ولا يلتزم بوقت الدخول ولا باداب الدراسة |انه اتى للتسلية والسياحة والتهكم على الاخرين .يعكس سلوكه الانحراف..
انها الحقوق المقدسة ان يبقى التلميذ في المدرسة مهما عمل من اعمال مشينة. ان مدرسة اليوم جعلت الاحترام الواجب للمدرس باعتباره المنقذ من الضلال,والذي رفعه المثل الصيني الى مرتبة الاشراف والاسياد :ًمن علمني حرفا صرت له عبدا.ًًبل جعلت هذا الاحترام من رفات مدرسة طواها النسيان.فالمدرسة العمومية اصبحت ذكرى مدرسة تستحق الرثاء والبكاء معا ,ولعلنا نقول في شاْنها ما قاله الشاعر حين بلغ جسمه من العجز و التاكل مراحل متقدمة يرثي نفسه:
اْيا ليت الشباب يعود يوما فاْحكي له ما صنع بي الهرم
لقد تم التخلي عن المدرسة العمومية لتواجه مصيرها المحتوم كما يواجه المريض من مرض ميئوس الشفاء منه النهاية الماْساوية.فكثير من المفكرين المغاربة نبهوا منذ مدة الى موت المدرسة العمومية ,منهم على سبيل المثال لا الحصر :محمد عابد الجابري ,ومحمد جسوس ,والمهدي المنجرة.ويمكن الاطلاع على ما كتبوه في المصادر التالية:
1|سلسة مواقف:اضاءات وشهادات لمحمد عابد الجابري .العدد 13 مارس 2003 .والعدد 14 ابريل 2003
2|السيكولوجيا والبيداغوجيا اْية علاقة العدد 1 سنة 1996 :حوار مع محمد جسوس حول اْزمة التعليم بالمغرب
3|عالم التربية :محور العولمة وحوار الثقافات .العدد 17 سنة 2007 ,حوار مع المهدي المنجرة
انجاز: نورالدين صايم
Aucun commentaire