ذكرى مدرسة طواها النسيان _( 1)
ذكرى مدرسة طواها النسيان _( 1)
لااحد يجادل في ان الكتاب المدرسي يحمل المشروع التربوي للمجتمع ’ويعكس تصوره لنموذج مواطن المستقبل.ويحدد جوانب الشخصية المتعارف عليها عالميا وهي الجانب العقلي والوجداني والجسمي.ان الكتاب المدرسي هو فلسفة مجتمع في تربية الاطفال والمراهقين’وصنع المواطن.ولهذا تسهر الدولة على انتقاء معلوماته واقراره والسهر على تنفيذه لانه وسيلة من وسائل المراقبة والضبط الاجتماعي.فهو من روافد ثقافة المجتمع وحامل لتراثه,وتعمل المدرسة على المحافظة عليه واستمراره ونقله الى الاجيال.
في بداية الاستقلال ,كانت المدرسة الابتدائية كما تركها الاستعمارالفرنسي,قد جعلت من اهدافها الاستراتيجية تعليم الاطفال المتمدرسين القراءة والكتابة والحساب.ومن الكتب التي قررتها وزارة التربية الوطنية في مادة القراءة,نذكر مؤلفات المرحوم احمد بوكماخ,والتي تحمل سلسة ـ اقراْ ـ وقد برمجت للسنوات الخمس من المرحلة الابتدائية.واذكر ان الطريقة في تعليم اللغة العربية كتابة وقراءة هي الطريقة الجزئية,التي تبداْ بالجزء وتنتهي بالكل:اْي تنطلق من الحرف بحركاته المختلفة كتابة,واْصواته المختلفة قراءة .ثم ينتقل الكتاب المدرسي الى الكلمة التي تحمل الحرف الاساسي,ثم ينتقل الى الجملة ,واخيرا الى النص الصغير ,والمتوسط والكبير .
هذه المنهجية كانت متبعة في اللغة العربية واللغة الثانية ايضا.والنصوص القرائية تلتصق التصاقا كبيرا بفكر الطفل وترسم عالمه الخاص به.والمؤلف اعتمد على الحكاية والسرد الخيالي الوصفي,على لسان حيوانات مالوفة في عالم الطفل,او اشخاص تحمل اسماء عادية .فكانت الحكاية هي الوسيلة والوسيط التي من خلالها تمرر القضايا الاجتماعية ةالاخلاقية والدينية وحتى السياسية.كما كانت اللغة المنتقاة في صياغة التعبير في المراحل الاولى ـ التحضيري ..الابتدائي الاول ..الابتدائي الثاني…… لا تبتعد عن اللغة الام .مما جعل التلميذ يندمج بسهولة ويسر مع الوسط المدرسي عامة ,والوسط اللغوي خاصة .وكلما انتقل الطفل ـ التلميذ من سنة دراسية الى اخرى ,زادت الصعوبةاللغوية والمطالب الفكرية المتعددة ,التي تجعل التلميذ في فسحة فكرية :اي عليه ان يبحث ويبدع ويكتشف ويوسع مداركه في المعارف المختلفة.وكان المدرسون يعلقون في ساحة المدرسة سبورة تثبت عليها احسن الابحاث والانتاجات الشخصية التي قام بها التلاميذ,تحفيزا للاخرين ان يعملوا مثلهم.
لم يكن المدرس يطالب التلاميذ بتمارين صعبة ,بل ما يقدر ان ينجزه تلميذ متوسط .لان جل التمارين كانت تنجز في حجرة الدراسة ,وبعضها فقط ,وهو يسير ,ينجز في البيت.ولهذا كان وقت التلميذ يتسع للدراسة واللعب والنوم والاستمتاع بالعطلة…كانت الدراسة تاخذ حيزا زمنيا في الصباح والمساء ,مع عطلة يومين اسبوعيا ,وحجرة الدراسة لا يتجاوز عدد التلاميذ فيها 30تلميذا.وكان المدرسون يحرصون على ان يدخل التلاميذ حجرة الدراسة في صفين متوازيين ومنظمين تنظيما عسكريا .وكلما دخل تلميذ حجرة الدراسة الا ويؤدي التحية للمعلم صباحا ومساء.كما يحرص المدرس ان يجيب التلميذ واقفاوبصوت مرتفع,او يعيد ما قاله صديقه,او يتوجه الى السبورة ليكتب او ينجز او يقراْ اْو يستظهر قرانا اْو محفوظات اْو اْناشيد,وبدون صخب الاخرين.كان الصمت يملاْ حجرة الدراسة اثناء الكتابة او القراءة ,او انشغال المدرس بكتابة اْو ملاْ جداول.ولا يتغير مناخ القسم الا عندما يطرح المدرس سؤالا,فترفع الاصابع للاجابة ومناداة المدرس.
وفي نهاية السنة الخامسة من المرحلة الابتدائية ,يكون جل التلاميذ قادرين على كتابة انشاء باللغتين,وباْقل الاْخطاء اللغوية .كما يستطيعون قراءة قطعة لغوية بدون تلكؤ,محترمين علامات الوصل والفصل والتوقف والاستفهام والتعجب.ويعرفون من الاعراب ما هو اْساسي,ومن الصرف كل الازمنة والضمائر.ويحضرون انفسهم لامتحان الشهادة الابتدائية .والتي كان اهل التلميذ يحسبون لها الف حساب.فلا ينجح التلميذ الا اذا كان له كفاءة النجاح واهليته.
يتبع
انجاز:نورالدين صايم
2 Comments
bravo
ذلك الزمن الجميل عندما كان رجل التعليم يتقن كل شيء ،تجد فيه الرسام و الموسيقي و المثقف و الملم بكل أمور التعليم،وليس كمعلمي اليوم الذين لا يتقنون غير المادة التي أوكلت إليهم