مارتشيكا من ميناء حربي الى ميناء ترفيهي
*الدكتور الخضير غريبي
مارتشيكا من ميناء حربي الى ميناء ترفيهي
إن تاريخ بحيرة الناظور وقدرها نموذج مصغّر لتاريخ البحر الأبيض المتوسط وقدره، فبعدما كان هذا البحر يؤرخ لصدام الحضارات منذ عهد الفراعنة إلى عصرنا الحاضر، جاء مشروع « الاتحاد من أجل البحر الأبيض المتوسط » الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي السابق « نيكولا ساركوزي » ليجعل من الحوض مجالا للتعايش بين مختلف الحضارات وللتّرفيه على ساكنته خدمة للسلم العالمي. فبحيرة الناظور أُريد لها أن تكون لبنة من لبنات « الاتحاد من أجل البحر الأبيض المتوسط » ليلتقي فيها سياحا من مختلف البلدان ومنتمين الى جميع الحضارات.
مارتشيكا: (MARCHICA) هو الإسم الذي سيطلق في المستقبل على ثاني أكبر البحيرات الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط، إلاّ أن هذا الإسم ليس بقديم فهو من نتاج المستعمر الإسباني، (MAR CHICA): « البحر الصغير »، الذي رفض مؤرخوه العسكريون في الآونة الأخيرة تسميته بـ: « Albufera »، وهي تشويه لكلمة « البحيرة » التي نجدها عند العرب الأوائل.
إن مارتشيكا حملت مجموعة من التسميات مرتبطة بالدور الذي كانت تؤديه، فالعثمانيون كانوا يسمونها « بحيرة الميناء الجديد »، هذا التعريف ربما يرجع إلى عهد الرومان الذين، حسب بعض المؤرخين، هم الأوائل الذين هيَّأُوا الممر البحري الذي يربط البحيرة بالبحر الأبيض المتوسط.
نجد ، عند الأمازيغ، أسماء متعددة للبحيرة : « رَبْحَر اَمَزْيَانْ : البحر الصغير »، » رَبْحَر نمَّزُّوجَن : بحرُ مَزُّوجة »، « سبخة نبويغمرات : سبخة ذات أضلع » ، « سبخة نْبُوعَرْك : سبخة ذات كتل رملية ». هذا الإسم الأخير والأمازيغي هو الذي تَبنَّته الأسرة العلمية على المستوى العالمي » Sebkha Bou Areg « .
هذه البحيرة، ذات مساحة: 115 كلم2 ، والبالغ طولها: 25 كم، وعرضها: 7 كم، وذات الحزام الرملي طوله: 25 كلم يفصلها عن البحر، والذي يجعل عمق البحيرة لا يتجاوز 8 أمتار، عرفت مرور جميع الحضارات المتوسطية ، مما جعلها تستقطب اهتمام السائدين في زمانهم على الحوض الأبيض المتوسط. ولقد انصب اهتمامهم على الدور الاستراتيجي للبحيرة.
مارتشيكا والحقبة العسكرية
يشير بعض المؤرخين الى قيام الرومان بتهيئة ممر البحيرة ببناء ميناء لترسو فيه سفنهم الحربية، كما استعملوا مياه البحيرة الساكنة ثكنة عسكرية بحرية.
بعد التوسع الأوروبي في جنوب البحر الأبيض المتوسط واحتلال الإسبان لمليلية سنة 1497، ولما اطلع الملك الإسباني كارلوس الخامس « Carlos V » سنة 1550 على تقرير بيرناندينو ذي منديسا « Benandino de Mendeza » قال : (يبدو لي أن هذه البحيرة شيء مهم).
فخلال حملة العثمانيين (1553 – 1554) لاسترجاع الأراضي الإسلامية في الغرب الاسلامي المستعمرة من طرف الاستعمار الصليبي ، استطاع الداي الجزائري صلاح الرايس التوغل عبر ممر مارتشيكا وتحرير شبه جزيرة « باديس » بالحسيمة التي احتلتها اسبانيا سنة 1508. وقد كاد أن يهدد تواجد الإسبان بمليلة. إلاّ أنه أثار حفيظة السّعديين باتجاهه نحو تازة، هذا ما جعل ، ما بين سنتي: 1555 و 1556، الملك السّعدي محمد الشيخ يطلب من الملك الإسباني فيليب الثاني « Felipe II » إرسال مهندسيه لإغلاق الممر. ففي سنة 1564 رجع الإسبان لاحتلال جزيرة باديس بعدما كانت في يد السّعديين.
هذا الدور المهم في المجال العسكري للبحيرة نجده في القرن التاسع عشر والعشرين، إذ تم تشييد مطار بحري بشبه جزيرة أَطالَيُون، والذي وصفه السيد جان بابتست لويس ساي » Le lieutenant de vaisseau Jean Baptiste Louis Say » سنة 1930 : (البحيرة تقدم مياهاً هادئة ذات عمق يفوق مترين، فهي عبارة عن مطار بحري كبير يمنح للطائرات سطحاً مائيّاً ضخماً وسهل الوصول ومحميّاً).
هذا المطار البحري تم استعماله من طرف القوات الإسبانية لشحن طائراتها للغارة على المقاومة الريفية، وتم استعمال هذا المطار بوتيرة أكبر لشحن الطائرات بمواد كيماوية (غاز الخردل) بعيدا عن مطار مليلية خوفا على ساكنتها، وذلك خلال ما بات يعرف بحرب الغازات السامة على الريف ما بين: 1921 و 1927.
مارتشيكا والدور الاقتصادي
إن الأهمية الاقتصادية للبحيرة تكمن في استقرار السكان حولها وتوفير لقمة العيش لها بتطوير الزراعة والصيد البحري والبرّي والصناعة اليدوية والتنقل للتجارة عبر مياهها ومحيطها وحزامها الرملي.
إن تنوع الثروة السمكية لمارتشيكا وغناها لاحظه خوان اندريا دوريا « Juan Andrea Doria » سنة 1576 : (البحيرة غنية بالسمك والممر تم تجهيزه من طرف إنسان).
كما أن استغلال ملح البحيرة كان منذ زمن قديم، ففي سنة 1573 كتب السيد لويس ذي مارمول كاربخال « Luis de Marmol Carvajal » : (يوجد على ساحل البحيرة – الحزام الرملي – كمية كبيرة من الملح).
إلاّ أنه مع تطور أطماع القوى الاستعمارية في الأراضي المغربية (الاتفاقان الفرنسي الاسباني 1902 و 1904) ، والسعي لاستغلال ثرواته المعدنية زاد من أهمية البحيرة. لذالك عمل الاسبان على استدراج بعض زعماء القبائل الريفية إلى التعاون معه من اجل تنمية الريف ونقل التقدم الصناعي والحضاري إليه.
فكان أول من استجاب لإغراءات القوى الاستعمارية هو المدعو بوحمارة « جيلالي محمد اليوسفي الزرهوني »، المهندس والفقيه الذي ادعى بأنه الأمير محمد، الابن الأكبر للسلطان مولاي الحسن الأول، فناصرته القبائل الامازيغية. فلما أعلن انشقاقه على السلطة المركزية « المخزن » سنة 1902 واستقراره بسلوان سنة 1908، طلب من السيد جان بابتست لويس ساي » Le lieutenant de vaisseau Jean Baptiste Louis Say » تهيئة ميناء بمياه البحيرة « ميناء سيدي علي بالناظور »، السيد « ساي » هو الذي هيّأ الميناء الفاصل بين المغرب والجزائر بالسعيدية والحامل لاسمه « port say ».
إلا أن ما كان خفيا على بوحمارة هو انه في نفس السنة، أي 1908 الذي شيد فيه الميناء، وبعد ان عقد اتفاقا سنة 1904 مع شركة اسبانية لاستغلال مناجم الحديد بوكسان لمدة 99 عام، احتلت القوات الاسبانية « راس الماء » وقررت بعد احتلالها للحزام الرملي ضمّ مارتشيكا إلى محافظة مليلية.
فبعد احتلال الاسبان للمنطقة واستغلالهم لمناجم الحديد وإنشاء سكة حديدية تربط بين المناجم وميناء مليلية لتصدير المعدن، تم إعداد مخازن لتفريغ وتخزين المعدن بقرب البحيرة، كما أن مياه مارتشيكا استغلتها الشركة الاسبانية لغسل المعدن وإزالة الصلصال والطين الملتصق به.
بعد استقلال المغرب وتوقف استغلال مناجم الحديد بوكسان، وجدت الدولة المغربية منفعة أخرى في استغلال مياه البحيرة لتربية السمك. فكلفت شركة ماروست « MAROST » التابعة لاونا « ONA » لانتاج وتصدير نوعين من السمك وذلك من سنة 1985 إلى غاية 2006.
مارتشيكا والأهمية العلمية
إن التنوع البيولوجي للبحيرة شجع كثيرا من الباحثين على المستوى الدولي للاهتمام بدراستها وتأثرها بالتحولات التي يعرفها العالم نتيجة الانحباس الحراري أو التطور الصناعي والعمراني وتغير نمط العيش للساكنة. إن مارتشيكا لوحدها تحتوي ما يزيد على %20 من ساكنة حوض الأبيض المتوسط المهددة بالانقراض (حيوانات، ونبات، وطيور، وحشرات…). هذا الاهتمام المتميز الذي عبرت عنه الأسرة العلمية لهذا المجال البيئي « écosystème » ، الفريد من نوعه جنوب بحر الأبيض المتوسط، مكّن البحيرة من أن تُصنَّف سنة 2005 كموقع رامسار وذات منفعة بيولوجية وايكولوجية « site Ramar » و « SIBE ».
مارتشيكا والمستقبل السياحي
إن الأهمية السياحية لمارتشيكا ليست وليدة اليوم. فلقد تطور على ساحل البحيرة منذ مدة ليست بالقصيرة نشاط سياحي غير منظم، كان يوفر بعض التجهيزات والمرافق للزوار على حسب مكانتهم الاجتماعية وإمكانياتهم المادية. إضافة إلى هذا، فإن هذا النشاط السياحي المتوحش زاد من تلوث البحيرة مع الكميات الهائلة من النفايات الصلبة والسائلة التي ظلت مارتشيكا تتلقاها من المجموعات السكنية (حواضرها وبواديها) المجاورة والبعيدة منذ بداية القرن العشرين.
وعيا من الدولة المغربية بالموقع الاستراتيجي لمارتشيكا، ومؤهلاتها السياحية، (فبالرغم من عدم إدراجها في المخطط الأزرق الذي تبناه المغرب سنة 2001 لاستقطاب 10 ملايين سائح في أفق 2010 أو2013 نظرا للتعثرات التي يعرفها إنجاز المشروع)، تم سنة 2009 إعطاء انطلاقة أشغال إنشاء ورش سياحي ضخم (ما بين 80 الى 100 ألف سرير) على بحيرة مارتشيكا يتكون من سبع مواقع : الكورنيش، والخليج، وشبه جزيرة أطالايون، والسهل، ومحطة أركمان، وميناء البحرين، وفندق البُحيرة، وذلك بميزانية الدولة التي قد تصل إلى : 46 مليارا من الدراهم. وستنتهي الأشغال في أفق 2025 مع إحداث 15000 منصب شغل في فترة الإنجاز، و 60000 منصب شغل بعد نهاية الأشغال. ولتحقيق ذلك تم استصدار ترسانة من النصوص القانونية.
النصوص القانونية :
1. في 26 نوفمبر 2007 (مرسوم رقم 2.08.76 )، تم التوقيع بين وزارة الاقتصاد والمالية وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، اتفاقية إطار تنص على إحداث شركة مساهمة أُطلق عليها اسم « شركة تنمية البحيرة الشاطئية مرشيكا البحر الأبيض المتوسط » تسمى اختصارا « MARCHICA MED ».
وسيمتد هذا المشروع على 7 مواقع للتنمية الحضرية بمساحة 1000 هكتار كما يكتسي طابعا متعدد الأبعاد، وسيشكل رافعة لتنمية الجهة الشرقية ومدينة الناظور وسيساهم في حماية تراث إيكولوجي.
ومن أجل تهيئة هذه البحيرة الشاطئية وتثمينها، تَمَّ تأسيس شركة مساهمة قدر رأسمالها بِــ: 500 مليون درهم، تم الاكتتاب فيها بحصص متساوية بين الدولة و صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2. ففي 16 يوليوز 2010 صدر بالجريدة الرسمية ظهير شريف رقم 1.10.144 بتنفيذ القانون رقم 25.10 المتعلق بتهيئة واستثمار موقع بحيرة مارشيكا. ففي المادة الأولى من القانون 25.10 سالفا نجد « يجب القيام بتهيئة موقع بحيرة مارشيكا واستثماره في احترام تام لمنظومته الإيكولوجية والبيئية ووسطيه البحري والبرّي (أعماق البحر والشواطئ والأصناف النباتية والحياوانات المستقرة بها ومستوطنات الطيور…).
كما نجد في القسم الثالث المادة 37: تُحدث مؤسسة عمومية تسمى « وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا » وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
تخضع وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا لوصاية الدولة ويكون الغرض من هذه الوصاية ضمان تقيد أجهزتها المختصة بأحكام القانون…، تخضع الوكالة كذلك لمراقبة الدولة المالية المطبقة على المنشآت العامة…
3. وقد صدر مرسوم رقم 2.10.250 في 11 غشت 2010، بتطبيق القانون رقم 25.10 ، نجد في المادة الأولى : يمارس وزير الداخلية الوصاية على وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا. ويكون مقر وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا بالناظور. ففي المادة التاسعة منه نجد: استثناء من أحكام الفصل 9 من المرسوم رقم 2.82.382 الصادر في 2 رجب 1403 (16 ابريل 1983)، يتّخذ عامل إقليم الناظور المقررات الإدارية المنصوص عليها في الفصلين 51 و 52 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت.
4. وقد صدر في الجريدة الرسمية عدد 6043 بتاريخ 8 جمادى الأولى 1433 الموافق لِــ: 30 أبريل 2012، مرسوم وزاري رقم : 2.12.159 الصادر في جمادى الأولى 1433 (18 أبريل 2012) الذي ينص في مادته الأولى على الموافقة على تصميم التهيئة الخاص بموقع بحيرة مارشيكا رقم 1/AASLM/11، وبإلاعلان ان في ذلك منفعة عامة. ولقد أسند إلى مدير « وكالة تهيئة واستثمار موقع بحيرة مارشيكا » تنفيذ ما جاء في المرسوم.
5. بالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي رقم 02.12 الذي صادق عليه مجلس النواب يوم الثلاثاء 8 مايو 2012 ، والمتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور، نجد الملحق الخاص بالمؤسسات والمقاولات الاستراتيجية، وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا. هذه اللائحة تشمل المؤسسات والمقاولات العمومية التي يبقى فيها التعيين من اختصاص الملك وحده ـ بعد المداولة بشأنها في المجلس الوزاري بناء على اقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني.
من الناحية القانونية نجد النصوص تتحدث على » وكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا » أو « وكالة تهيئة واستثمار موقع بحيرة مارشيكا » وليس عن » وكـالة تهيئة موقع بحيرة مارتشيكا » بالتاء كما هو متداول.
ثم إن هذا المشروع، الهادف إلى تهيئة المجال من أجل إنشاء مُركّبات سياحية، يخضع للظهير الشريف رقم 1.03.60 صادر في 10 ربيع الأول 1424 (12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة. كما جاء في ملحق المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير على البيئة ( 2 – مشاريع البنية التحتية: – تهيئة المناطق الحضرية؛ المركّبات السياحية خاصة تلك الواقعة على مستوى الساحل والجبل وفي الوسط القروي؛)
نقاط هامة ومفيدة للمشروع :
إننا، بما سيأتي، لا نبتغي انتقاد أو معارضة مشروع تهيئة بحيرة مارتشيكا من أجل أن تلعب دورها في تنمية الجهة الشرقية، وإنما نود جذب انتباه جميع الفاعلين إلى بعض النقاط التي نراها ضرورية لإلحاقها بهذا المشروع التنموي الهام، وفي مقدمة تلك النقاط « مرافقة المشروع التنموي بهيأة مستقلة تسعى إلى تَتبُّع حالتها البيئية، ويكون عمودها الفقري باحثون أكاديميون » :
دور البحث العلمي : لقد ذكرنا بأن البحيرة تعرف عند العلماء (بيولوجيا، جيولوجيا، الكيمياء، الرياضيات، الجغرافيا…) ب » Sebkha Bou Areg « . فلقد أُنتج أكثر من مائة بحث دكتوراه حولها، كما نجد هناك آلاف البحوث تهم العلوم الدقيقة والإنسانية والقانونية و…، فالبحيرة كانت وما تزال مختبرا طبيعيا مفتوحا يمارس فيه الباحثون نشاطهم العلمي والأكاديمي بكل حرية. فهل إحداث المنشآت السياحية حول البحيرة سيحفظ للباحثين هذه الحرية في الدراسة والبحث؟
صفة « RAMSAR » للبحيرة : إن إدراج البحيرة في اتفاقية رامسار يحتم على المغرب اتخاذ تدابير لحماية التنوع البيولوجي للبحيرة وهذا ما نص عليه القانون رقم 25.10 المتعلق بتهيئة موقع بحيرة مارشيكا واستثماره.
النمو الديموغرافي للناظور الكبير : إن مدينة الناظور، التي وضع الإسبان لها أول تصميم عُمراني في 1909، لم تكن تتجاوز ساكنتها 2000 شخص في 1935. هذا العدد تعدى 130000 نسمة سنة 2009. فبمشروع إحداث « الناظور الكبير » فإن هذه المجموعة التي كانت تحتوي أكثر من 416000 نسمة سنة 2004، ستعرف نمواً ديموغرافيّاً كبيراً في سنة 2025 (سنة انتهاء انجاز مشروع مارتشيكا)، إذ سيفوق عدد ساكنتها 600000 نسمة قارّة، إضافة إلى أكثر من 200000 زائر. إن هذا التطور العمراني المهول لمدينة الناظور الحديثة المنشأ ، والمحاصرة بجبال وبحر، والمرتبطة اقتصاديا بحدودها وبمدخرات الجالية المقيمة بالخارج، وما ورثته من فوضى واختلال في التهيئة العمرانية من سنوات التهميش والإقصاء (أثمنة مرتفعة للعقار ، عشوائية في البناء، تجهيزات تحتية ضعيفة، تدابير لحماية البيئة -وخاصة بيئة مارتشيكا- شبه منعدمة و…). يفرض على القائمين على مشروع تهيئة بحيرة مارتشيكا إتباع إستراتيجية واضحة المعالم تراعي الخصوصية الايكولوجية للبحيرة والثقافية للريف.
الموارد المائية : إن الموارد المائية لمدينة الناظور (الناظور الكبير) محدودة جدّاً. فيما يخص المياه الجوفية ، فأكبر فرشة مائية توجد بجوار البحيرة « فرشة بوعرك » مساحتها لا تتجاوز 120 كم2 وعمقها لا يتعدى 10 أمتار، إلاّ أن حالتها ليست بالجيّدة وغير صالحة للاستعمال وملوحتها تتعدى 10g/l.
فأما المياه السطحية فالنهر الوحيد الذي يُغذِّي الجهة الشرقية هو واد ملوية، الذي يحرك ما يقرب من مليون متر مكعب، هذه الكمية تعد حاليا ضعيفة لكون الجهة تعد منطقة جافة إلى قاريّة. إضافة إلى ذلك فنسبة طين السّدود الموجودة على الوادي مرتفعة جدا، كما ان هذا النهر يوفر الماء لمناطق زراعية مهمة كسهل بوعرك وسهل تريفة وسيزود المحطة السياحية بالسعيدية. علما بإن السياح يستهلكون 6 أضعاف مما يستهلكه الإنسان القار، فمن اين سيتم تزويد المنشاة الجديدة بمارتشيكا بمياه صالحة للاستعمال ؟
حركة الزلازل : إن عدد الزلازل التي تم تسجيلها منذ سنة 1500 في محيط البحيرة تجاوز 30 زلزالا بمعدل يفوق 5 درجة على مقياس ريشتر. هذا ما يجعل من هذه الجهة منطقة ذات ديناميكية مرتفعة رغم أن قوة الذبذبات التي تعرفها ليست بالمهمة ولكنها يمكن أن تكون خطيرة. فلقد سجل التاريخ (1755، 1848، 1878-1888…) أن مجموعة من الزلازل تسببت في عدة اتسونامي التي أحدثت كوارث مهمة، كما ان الخبراء يرجعون فتح الممرات في الحزام الرملي إلى زلازل وما يرافقها من اتسونامي.
الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى البحر : يتنبأ الخبراء بأن مياه البحر الأبيض المتوسط سترتفع بمتر واحد في غضون 2100، وهذا سيؤدي إلى أن تغمر مياه البحيرة مساحة 7 كم2 من الأراضي المحيطة بها. مما يعني أنّ ما يقارب 22% من ساحل البحيرة مُعرّض للإتلاف بسبب مياهها. فهل ستكون المنشات التي سيتم بناؤها محمية من ارتفاع نسبة مياه البحيرة المرتقبة ومن هيجان البحر الأبيض المتوسط نتيجة اهتزاز الأرض؟
*الدكتور الخضير غريبي أستاذ باحث بجامعة محمد الأول بوجدة.
Gharibi_elkhadir@yahoo.fr
Aucun commentaire