من أجل مغربة الثقافة المغربية بالأولوية
د. بلقاسم الجطاري
كلية الاداب وجدة
يرتبط سؤال العقل المغربي، أو ما قد نسميه، من موقع التفكير الإشكالي، (العقلية المغربية) ، بسؤال آخر لا يقل حدة وأهمية عن أسئلة ملحة أخرى، بهدف تصور سيرورة هذا العقل ومساره ومآله في نفس الوقت، وهو سؤال مسألة الثقافة المغربية في صورها المتراكبة محليا وعربيا وكونيا على مدى أربعة عقود، تزيد أو تنقص، منذ قيام الدولة المغربية الحديثة و تشكل المجتمع المغربي المعاصر (عقليا) (ذهنيا) وثقافيا وإبداعيا، أي منذ الاستقلال و ظهور ما قد نسميه (المؤسسة الثقافية) من منظور سوسيولوجية الثقافة تكوينيا. بهذا: لا يمكن الحديث عن سؤال العقل المغربي بمعزل عن إبدالات ومنظومات كبرى وصغرى تحكمت تتحكم باستمرار في تشكل وتكون هذه المؤسسة وشروطها وشروط انبثاقها كقيم وممارسات في الإنتاج الكمي و النوعي للفكر الثقافي المغربي، فرضت طبيعة التأسيس والتطور والامتدادات المختلفة لهذا الفكر وتجاربه المختلفة بموازاة حركية المجال الثقافي بالمغرب .
وفي مقدمة هذه الابدالات إبدال النهضة وإبدال الحداثة، ثم إبدال المعاصرة والتجريب ضمنيا، إلى جانب ابدالات أخرى ارتبطت بالابدالات المذكورة، وإن
كانت أقل تمظهرا واستجلاء بالمعنى الوظيفي المكشوف كإبدال القطيعة والاستمرار وإبدال التجاوز والمغايرة على مستوى الثقافة أولا، ثم على مستوى الإبداع ثانيا، ثم مستوى (النقد) بعد ذلك.
إذ كان إبدال النهضةـ باعتباره مكونا سوسيولوجيا عاماـ قد دفع العقل المغربي إلى البحث عن هويته وخصوصيته الذاتيتين بالنسبة إلى المشرق (مركز النهضة بالمعنى البسيط و المسلم به وجدانيا) إلى حد الشعور بنوع من (الانفصال) الوظيفي في تحقيق مشروع ( المغربة الثقافية) بالمعنى الايجابي الإشكالي المطلوب، فإن هذا الإبدال قد فرض في نفس الآن رهان التشبث بقيم التفاعل مع جملة اقتراحات قدمها الفكر الثقافي في المشرق أصلا، خاصة في مصر و الشام من خلال (مثقفي) النهضة العربية المشرقية، انطلاقا مما قدمه ميخائيل نعيمة وعباس محمود العقاد) وطه حسين في الكثير من أعماله و كتاباته، ثم محمد مندور ، و بعدهم جيل محمود أمين العالم و رجاء النقاش و غالي شكري و أمير اسكندر و علي الراعي و سواهم، من (أقطاب) التفكير النقدي ، قديمه وحديثه، و هم الذين شكلوا، في انطلاقتهم ومشاريعهم النقدية، مغامرة الكشف عن تعالقات الثقافة والفن والإبداع والتعبير بالمجتمع والذات والواقع والايدولوجيا والتاريخ، وإذا كانت مثل هذه الاقتراحات قد فجرت. من داخل المغامرة النقديةـ سؤال الإبداع، باعتباره بنية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن أفق الهوية والذات، و ارتباط المثقف بالمجتمع، فإن الذي خلق
إمكان الانتقال من هذا الأفق إلى أفق آخر، قد نسميه الأفق الاستشكالي، هو خصوصية العمل الثقافي و خصوصية التعامل النقدي معه هل العمل الثقافي مجرد (وثيقة) عاكسة يسعى من خلالها هذا المثقف إلى التعبير(فقط!؟) عن سيرورة التحولات المجتمعية انطلاقا من قانون الانعكاس المرآوي المباشر والحرفي، أم هو (بنية استطيقية) (جمالية) تمتلك قانونها الخاص و المحايث في التكون والبناء والرؤية والتخيل والمتخيل دفعة واحدة؟
بمعنى آخر: لقد كانت الضرورة المعرفية والابستملوجية ضمنيا تعترض وتستدعي التمييز بين العمل الثقافي باعتباره قيمة مادية في حد ذاته (ذاتها) إلى اعتباره بنية رمزية تعكس أبعادا أخرى غير التعبير الأفقي الحرفي عن حمولات ومضامين جاهزة تجعل هذا االفكر سجين وظائف محدودة لا تتجاوز وجهة النظر التي يقدمها المثقف. وكان من شأن هذا التمفصل الجديد أن يحدث نوعا من التحول المحايث في تصور (تصورات) اشتغال العمل الثقافي وأولوياته الدفينة فيه على مستوى قوانين الحركة الثقافية التي ينتمي إليها فرديا وعلى مستوى اللغة التي يتوسل بها ويتبناها ثم على مستوى (المادة) المتخيلة التي يقترحها ، دون أن ننسى مستويات أخرى تتجاوز حدود العمل الأدبي إلى علاقته (علائقه) المتوترة مع المرجع والسياق والمنظومة الرؤيوية، ايديوليجيا بالأساس، ثم (ثقافيا – جماليا) بموازاة هذه المنظومة التي لا تقف عند تخوم
التفسير و الفهم، بالمعنى الغولدماني الضيق، بل تتعداها إلى التأويل المحتسب والمقنع في حدود (القراءة) ، جدولية كانت أم مجرد (قراءة) ، أفقية لمظهر واحد أو عدة مظاهر تعبيرية من منظور الوصف والتشخيص الضيقين لعلاقة العمل الثقافي بصاحبه عامة.
من هذا المنظور، فإن سؤال العقل المغربي قد دفع إلى الإسهام في التطوير المعرفي للغة ((لغات) وخلخلة الجاهز من المسلمات في تصور الممارسة والعملية النقديتين، و في قياس مقاييسهما وتصوراتهما و مفاهيمهما ثم مرجعياتهما الموزعة بين ( الفكر المغربي) و (الفكر الغربي) بل دفع – سؤال العقل – إلى خلق أفق التساؤل حول هوية النقد معرفيا.
بعبارة أخرى׃ لقد أصبح سؤال العقل المغربي سؤالا مضاعفا، بقدر ما يشترط فيه نحت الأداة في وصف العمل التواصلي وتفسيره وتأويله، بقدر ما يسعى في نفس الوقت إلى ( ترتيب البيت) من الداخل׃ هل هو خطاب (تجريبي) ؟ هل هو (لغة على لغة) كما يقول بارت؟ ما هي حدود هذه اللغة؟
إن الفكر المغربي – في حده الأدنى – عملية يتوزعها قطبان في هذا السياق׃ قطب التذوق العملي في ممارسة فعل التواصل ، و قطب التفكير (العلمي) (المنهجي) في هذا التواصل. من ثم يغدو الفكر المغربي متعدد المستويات على غرار تعدد مستويات (مظاهر) الخطاب و خصوصياته ، ويغدو متعدد الارتباطات بالذاكرة الثقافية،
Aucun commentaire