كلمة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة في اليوم الدراسي الخاص بأئمة المساجد والمؤذنين
كلمة فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة في اليوم الدراسي الخاص بأئمة المساجد والمؤذنين
محمد شركي
نظم المجلس العلمي المحلي بوجدة يوما دراسيا بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة يومه الأحد 26 رجب 1433 موافق 17 يونيو2012 لفائدة أئمة المساجد والمؤذنين تحت شعار : » رسالة الإمام ووظيفة المؤذن » . وقد حضر هذه التظاهر العلمية الكبرى عدد كبير من الأئمة والمؤذنين الذين غصت بهم قاعات المحاضرات التي تستوعب ما يناهز الألف شخص . وبعد تناوب عدد من القراء على تلاوة ما تيسر من كتاب الله عز وجل ، وكانوا من أعمار مختلفة وأداء مختلف ، تناول الكلمة فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بن حمزة وقد تضمنت ما يلي :
في البداية حمد فضيلته الله عز وجل الذي هيأ هذه الجلسة التي نعتها بجلسة الأنس التي جمعت الأئمة والمؤذنين من مختلف الأعمار في صعيد واحد ، كما نعتها بأنها جلسة وفاء لأرواح الأئمة الذين رحلوا عن هذه الدنيا بعدما أدووا رسالتهم السامية بحسن سمت وخلق . وهدف فضيلته من وراء هذا اللقاء هو الحوار والمشورة من أجل مسايرة المستجدات في الحقل الديني وتنكب السلبيات ، والاستفادة من الإيجابيات. ونبه فضيلته إلى أن الحياة الحالية قد عرفت تطورات شتى حيث تغيرت رؤى الناس وتمثلاتهم ، وصار الجميع يبحث عن تموقعات إما سياسية أو دينية أو ثقافية في المجتمع . وأصبح الناس يحتكون بوسائل الإعلام نظرا للتطور التكنولوجي، مما جعل البعض منهم ضحايا قنوات إعلامية ضالة ومضلة، لأنهم لم يتأت لهم الحظ المطلوب من العلم والمعرفة بأمور دينهم ،الشيء الذي يجعلهم عرضة للتقليد الأعمى . وهذه الوضعية كما قال فضيلته تقتضي أن تواكب مهمة الإمامة هذه التطورات في ظروف حركة دينية خفية تريد أن تقدم خريطة دينية عن طريق صرف الأموال لنشر معتقداتها الفاسدة والضالة ،إلى جانب طوائف دون مستوى استيعاب الخلافات الفقهية ، وهي طوائف تسقط في تكفير الناس وتخطئتهم لاعتقادها أنها وحدها تملك الحقيقة . وأشار فضيلته إلى أن رسالة الإمامة تقتضي التدخل من أجل صيانة تدين الناس بعيدا عن كل المزايدات، وذلك من خلال مواكبة ما يجري في الساحة . وذكر فضيلته بطبيعة الإسلام التي توحد جماعة المسلمين من خلال العبادات على غرار عبادة الصلاة التي تزيد درجات أجرها عندما تؤدى جماعة ، ويدعى الله عز وجل بصيغة الجماعة في قول المصلين : (( اهدنا الصراط المستقيم )) ،كما أن الرب الكريم سبحانه إذا رفع له طلب الجماعة أعطى وجاد . ونبه فضيلته إلى أن تجمع المسلمين من أجل العبادة لا يجب أن يكون فوضويا، لهذا شرعت الإمامة في الصلاة وهي عبارة عن رئاسة تجعل الإمام يتقدم على الناس ويكون قدوتهم. وذكر بأن في الفقه المالكي الذي يعتمده بلدنا لا تنعقد الصلاة إلا بالإمام الراتب . وألح فضيلته على أنه لا بد من إقناع الناس بأن إمام الصلاة هو رئيسهم ، ويجب أن يرسخ ذلك في أذهانهم. وذكر فضيلته أيضا أن دور المجلس العلمي المحلي هو ترسيخ فكرة رئاسة الإمام للمصلين . وأشار فضيلته إلى بعض السلبيات التي تعرفها المساجد حيث تحشر بعض اللجان التطوعية أنفها في تسيير هذه المساجد في جانبها الديني ، وتتخطى حدود ما يطلب منها من توفير الظروف المناسبة لوظيفة الإمامة ، وتتورط في خطأ التحكم في الإمام ، وفرض آرائها عليه عوض أن تتخذه قدوة تقتدي به ، كما قال أن بعض الأئمة يخضعون للابتزاز من طرف هذه اللجان التي تبدأ متطوعة ، وتصير مستبدة ومتسلطة . وفي هذا الإطار شدد فضيلته على ضرورة حرص الأئمة على عدم التنازل عن رسالتهم ووظيفتهم ،لأن الإمامة منصب شرعي لا يعطى محاباة ، ولا يمكن منه من ليسوا أهلا له ليعبثوا به . ونبه فضيلته من خطورة عملية إنابة الأئمة عنهم عامة الناس الذين لا يجيدون وظيفة الإمامة ، وذكرأيضا وظيفة المؤذنين التي اعتبرها إمامة ثانية لها حق النيابة عن الإمامة الأولى . وشدد فضيلته على أن الإمام إنما وجد لتوجيه الناس إلى الدين الصحيح ، كما أنه مسؤول عن توحيدهم في جماعة منسجمة حول مذهب واحد ، مع تجنب كل مظهر شاذ يوحي بالتشرذم . ونبه فضيلته الأئمة إلى أساليب التعامل مع الخلافات الفقهية خصوصا وأن بعض الناس وعن طريق التقليد الأعمى ، وبسبب جهلهم بالمذاهب يسقطون في أخطاء الطعن في دين الناس ، ويجهلونهم ، ويتعصبون لمذاهب ليست عليها الأمة . ومن أجل مواجهة هذا التعصب المذهبي أشار فضيلته على الأئمة بالتسلح بالعلم للرد على أولئك الذين تضيق آفاقهم لقلة علمهم بالدين فيتهمون مذهب الأمة بالبدعية مع العلم أن المؤسسات الدينية كالقرويين كانت عبر التاريخ تصون الملة من البدع. وللرد على الذين يروجون تهم البدع ضد المذهب المالكي أشار فضيلته على الأئمة بالتزود بالعلم والمعرفة اللازمين لأن الإمامة ريادة وصدارة ، والإمام متقدم على الناس اعتباريا . وأشار فضيلته إلى أن المجلس العلمي المحلي إنما أحيى سنة الكراسي العلمية من أجل تأهيل الأئمة ، كما أشار إلى أن بعض الأئمة قد تحسنت مستواياتهم العلمية بشكل كبير ، بينما يقتصر غيرهم على أداء الصلوات اليومية دون بذل الجهود لتطوير مستوياتهم مع أن شعار الإسلام هو(( لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته)) . وأوصى فضيلته الأئمة بالحيوية والإيجابية ، وفرض أنفسهم من خلال اقتناعهم بسمو وظيفتهم ، وضرورة قيادتهم للناس ، كما حذرهم من أن يكونوا ضحايا الاستغلال الحزبي أو الطائفي ، وهو ما يفرض عليهم الوقوف على مسافة واحدة من جميع الناس على اختلاف انتماءاتهم . واقترح فضيلته على الأئمة أن يسهروا على تربية الناس من خلال دروس الوعظ ، وفي نفس الوقت يحرصون على تمكين ذوي النوايا الحسنة من مساعدة الناس في مجال التوعية الصحية والاجتماعية والتربوية . وركز فضيلته على هندام الأئمة وسمتهم ، وأخلاقهم ، ومعاملاتهم للناس . وحذر فضيلته الأئمة من مساومتهم في كرامتهم عن طريق الإغراءات المادية ،كما فضيلته عن أسفه الشديد لمحاولة جهات عدة التحكم في الأئمة وعرقلة مهامهم . وأخيرا كرر فضيلته القول بأن الإمامة منصب شرعي خطير ،لأنه عبارة عن نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ،لهذا لا بد لها من شروط علمية وأخلاقية .
وبعد مداخلات علمية في نفس السياق قدمها بعض أعضاء المجلس العلمي المحلي بوجدة ، وعد فضيلته بنشر هذه البحوث لتعميم الفائدة بالنسبة للأئمة والمؤذنين. واغتنم الفرصة للتذكير بمشروع دورة القرآن الصيفية الرائد الذي سيخصص له هذه السنة أكثر من 200 مركز، وألح على الأئمة بالانخراط في هذا المشروع من أجل ربط الناشئة بكتاب الله عز وجل صيانة لها من كل انحراف . وحمل فضيلته الأئمة مسؤولية حماية وصيانة هذا المشروع الوازن . ومن أجل تحفيزهؤلاء الأئمة وعد فضيلته خلال السنة القادمة إن شاء الله تعالى بتكوين لجنة لتتبع وتقصي أنشطة الأئمة وإشعاعهم ، كما وعد بأربع جوائز مقدار اثنتين منهما 50 ألف درهم لفائدة إمامين نشيطين ، ومقدار الباقي 20 ألف درهم لفائدة مؤذنين نشيطين ، الأمر الذي سيشجع هؤلاء على التحرك في الاتجاه الصحيح لرد الاعتبار لوظيفتهما . وكتعقيب على كلمة منظومة ألقيت في المناسبة نوه فضيلته بدور الشعر في خدمة القرآن ، وفي مصاحبته للدعوة الإسلامية ، واعتبر غياب الشعر سببا في ضعف الأساليب ، وفي انتشار العجمة . ووعد فضيلته أيضا بتشجيع الأئمة والخطباء الشعراء بنا على التماس قدم لفضيلته في هذا الصدد.
Aucun commentaire