Home»Régional»رثـاء الأماجـد: فـي أربعـيـنـية الشاعر الراحل بنـعـمارة

رثـاء الأماجـد: فـي أربعـيـنـية الشاعر الراحل بنـعـمارة

0
Shares
PinterestGoogle+

كانت ظهيرة يوم السبت 24 ربيع الثاني 1428هـ الموافق 12 ماي 2007 آخر عهد له بالدنيا، حيث أسلم الأستاذ الدكتورمحمد بنعمارة الشاعر والإنسان الروح إلى باريها بعدما أكمل الحبَّـة الثانية والستين من عِقد الحياة، لكنه كان مع تقدم السن يزداد توقدا وعطاء، كأن روح الشباب تأصلت في كينونته والتحمت بالمادة والروح فلم تقبل عنهما فراقا. لكن القدر الذي لامرد له شاء أن يُوَقِّع النهاية، فلعل التعجيل به إلى الأخرى أوْلى له من الحياة الأولى، ولو أن فراق الأهل والأحباب لا يواسيه أي شيء في هذه الدنيا العاجلة.
لقد كنت قبل أيام من وفاته أسطر نداءً ورجاءً قبل أن يفارقنا الفقيد، الذي أطل علينا من خلال صحيفة وطنية وقد أنهكه المرض ووصرح ـ ولم يلمح هذه المرةـ نسيان الإخوان والرفاق، فجاء نعي الوفاة لتكون هذه الورقة رثاءً وعزاءً وفاءً لأخ حبيب أحببناه عن بعد وعن قرب:
إن الفقيد من أولئك الأماجد الذين حُقَّ للشعراء أن يبكوهم في مراثيهم، وللكتاب أن يخلدوهم في مدوناتهم، وللطلاب أن يخصوهم بخالص دعواتهم. فـطينة الرجل نادرة، وقدْره في ميزان الاعتدال راجح بكل مقاييس المُعايرة والموازنة. لقد جعل من زمنه قوة وقيمة أكسبتا رتابة الزمن عنده تأثيثا قشيبا مزهوا بمنح العطاء والإشعاع، فلم يبخل رحمه الله بأي شيء مما حباه الله به في ساحة القول والكلمة الجملية وهو المتذوق العاشق المتمرس بفنون القول الجميلة.
لقد جمع بيـن قول الشعر وإعمال النظر في الشعر فهو شاعر وباحث ناقد، شاعر فنان من جهة اللوحات/ الدواوين التي رصَّعها منذ السبعينيات، وهو باحث ناقد حينما ستـتـضافـر عنده روافد الكتابة، لتلتحم روح الموهبة الشعرية مع الرؤية المرجعية والقدرة على إعمال النظر والبحث والنقـد والاستقصاء، خاصة على مستوى البحث العلمي الجامعي. وبالموازاة مع الكتابة والإبداع والتدريس، حرص على الإطلالة من نافذة البث الإذاعي على جمهور العشق الشعري من الشباب المتطلع إلى هذا اللون التعبيري، الذي كان يصقل مواهبهم ويفتح آفاقهم، على امتداد ثلاثة عقود تقريبا في برامجه المختلفة «حدائق الشعر، شارع الحياة، بيوت الله، الجيل الصاعد، إضمامة شعر، مع الأدب الصوفي». ويظهر من خلال هذه العناوين نوع الخطاب الذي نذر هذا الألمعي نفسه لبثه وتحليله وخدمته. إلى جانب كل ذلك تحمل مسؤولية رئاسة فرع وجدة لاتحاد كتاب المغرب ثلاث دورات، طاف خلالها آفاق المغرب، وعرفته المنصات الجامعية في المهرجانات الطلابية الثقافية. ولقد تعرفنا عليه ــ ونحن في زمن التلقي ـ عن قرب في الثمانينيات بجامعة تطوان، لما زارنا في نكران ذات وتواضع أثـَّر في تلك الجموع الحاشدة من الطلاب بمختلف تخصصاتها، وقد وحدها هذا الصوت الشعري الشجي الوجدي المشحون بقيم الفن والجمال الملتزمين. كما عرفته مهرجانات المشرق كالمربد العراقي والجنادرية السعودي، ومهرجان اتحاد كتاب العرب بليبيا، وأخرى كثيرة بجارته الجزائر التي تردد عليها كثيرا لقربها منه…
محمد بنعمارة هو الذي كتب يقول: «… إن أعداء العقيدة تمكنوا من توظيف جنس الشعر في الوصول إلى غرضهم الأول وهو فصل المسلم عن عقيدته، ومحاولة توجيه فكره ووجدانه إلى اتجاه غير سليم ولا يتفق مع طبيعة فكرنا الموحد لله، ووجداننا المهذب بذكر الله. وحتى لا يكون حديثي مفتقدا للبرهان ومفتقرا للحجة، سأستعرض مضامين بعض القصائد التي وإن كتبها أصحابها باللغة العربية فإنها حملت محمولا غريبا وشاذا لا تستسيغه النفس المؤمنة، وتـنـفر منه الفطرة البشرية…» مجلة الأدب الإسلامي ع1 ص30.
استطاع محمد بنعمارة رحمه الله أن يحوز مكانة مرموقة في المشهد الشعري العربي عموما، وفي الأدب الإسلامي خصوصا برصانة قصائده وفرادة موضوعاته.
رحل إذن وبقيت آثاره: كلماته وتأليفه وأشعاره وتسجيلاته الأثيرية، وموقعه الإلكتروني الجميل … رحل وقد أحب الحياة بصفائها ونورانيتها وتحدياتها، رحل وفي نفسه غصة من ألم فتور التفاف الإخوان والرفاق والجهات المسؤولة، مِن هول المرض الذي ألمَّ به وما كان يستدعيه من إمكانات مادية لا قِـبل له بها. وبعد الوداع لك منا الدعاء بالرحمة والمغفرة وطيب القرار.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *