مهما كان سلوك التلميذ….الأصل فيه البراءة……
تستوقفني بين الحين والآخر سلوكيات هنا وهناك….وعنف من هذا الطرف أو ذاك…تلميذ يعنف أستاذا , بل وتلاميذ يستهزئون من أستاذ آخر….أساتذة كان لهم شأن كبير واحترام وفير وفيض غزير…مرت الأعوام وشاب الأستاذ على الدوام, عطاء ثم عطاء, ثم تراجع بعد كبر سن وتزايد الأعباء ….
في المقابل تلميذ كان يهاب فأصبح يهاب – بضم الياء- , وكان يوقر الصغير والكبير, فأصبح يصيح بصوت غزير.أيام زمان لم يعد لها مكان….
ما السر في هذا ؟ وأين نجد مفتاح كل هذا؟وهل العيب فينا أم خارج طاقتنا؟
لن أدخل في مقاربة بين الماضي والحاضر , ولا لبسط تبريرات لهذه السلوكيات,وإنما لأحاول تقديم وجهة نظر عن كيفية التعامل مع واقع الحال.تلميذ اليوم , تلميذ في مجمله غير آبه بمستقبله ,بل في كثير من الأحيان ناقم على وضعه , وساخط على مجتمعه,وغاضب على أسرته,ومستهزئ من مؤسسته…..في وقت لم يعد صدرنا يتسع لسماعه.
قبل كتابة هذا المقال وبعد صلاة العشاء إلتقيت مع بعض الأساتذة, حيث تحدث أحدهم عن تلميذ في وقت ما ,لم يكن يهتم بدروسه ,بل كان على وشك الرسوب. بالصدفة طلب من الأستاذ مؤازرته ,فاتصل بأساتذته الذين قدموا له الدعم ليحصل على الباكالوريا…مرت الأيام والأعوام ,ليجد الأستاذ صدفة تلميذه يهيء الدكتوراه.
وروى أستاذ ثاني عن تلميذ كان يجلس في المقعد الأول ,وكانت نظراته تحمل حقدا وشؤما . فكان من الأستاذ إلا أن سأل ناظر المؤسسة عن حاله ,ففاجأ الأستاذ بأن التلميذ يبيت مع والده في إسطبل.رق الأستاذ لحال تلميذه ,وانتظر الفرصة ليجيب التلميذ على سؤال صعب ,فشجعه الأستاذ وهنأه,وعند خروج الأستاذ رافق التلميذ في الطريق ,فتجاذبا أطراف الحديث من هنا وهناك , الى أن اقتربا من منزل الأستاذ , فسأله عن رأيه في المنزل,فأجاب التلميذ ببساطة إنها فيلا ضخمة,استطرد الأستاذ إنه منزلي ولم يخلفه لي والدي,وإنما بعد جهد جهيد تحصلت عليه من عرق جبيني….مرت الأيام ,انفتح التلميذ وأصبح يملك قابلية للتعلم ,بعد أن كان يظهر عدوانية مخيفة…ولعله أحيانا يمكننا بكلمة طيبة تحويل مسار تلميذ من النقمة الى النعمة ,ومن اليأس الى الأمل,ومن العدوانية الى الانخراط الإيجابي. صحيح وكما ذكر أستاذ آخر بأن الأسرة ساهمت في انحراف سلوك التلاميذ عن طريق اللامبالاة والإهمال وانعدام التتبع,إلا أن الصحيح أيضا بأننا تراجعنا عن دورنا وفقدنا قيمتنا لتلاميذ أصبحوا ينظرون إلينا نظرة احتقار أحيانا وبغض أحيانا أخرى.وفي المقابل أصبحا ننظر إليهم نظرة المتهم الذي لم تثبت إدانته, بمحاسبتهم عن كل كبيرة وصغيرة, والشك في كل تصرفاتهم ولو كانت عفوية,الى درجة إخراجهم أحيانا لمجرد إبتسامتهم مع صديقهم أو طلب قلم من رفيقهم. صحيح أن الأستاذ لم يعد يستحمل ,كثرت همومه وتزايدت أعباؤه وقل احترامه,لكن الصحيح أيضا أنه كلما فرط في أبوته وحنانه وعطفه وابتسامته وتسامحه وسعة صدره وتفهمه وتأقلمه ورعايته….كلما صعب عليه بناء قسم متناسق بتلاميذ يحترمونه ويقدرونه, وكلما زاد حبهم له زاد إقبالهم على حصصه وتتبعهم لنصائحه وتفهمهم لمقاصده …والعكس بالعكس .
إن تلميذ اليوم قد تغير ,شكلا ووضعا ,بل وسلوكا ….كثير الانفعال وقليل الإقبال,كلما هدأنا من روعه تمكنا من ضبطه,وكلما حاولنا استفزازه ازداد غيضه وساد كيده. كثرة العتاب والحساب تزيد الهوة بين الطرفين وتقلل من الاحترام,بل وتزيد الاحتدام.نظرته الى المجتمع بكل أطيافه من أسرة ومدرسة وشارع نظرة غيض وفيض,يحس ويشعر بأننا لم نوفر له ظروفا مواتية للعيش الكريم أسريا والتعلم السليم مدرسيا والحياة السعيدة مجتمعيا….إنها تبريرات الكثير منهم ,فمهما كانت حسب نظرنا خاطئة,علينا تقبلها والانطلاق منها لتحويل مفكرته الى النمط الايجابي,بالنزول عند فكره والتقرب منه وتفهمه ,ومواكبته لإخراجه من كبوته ,والتعامل معه ببراءة تحتمل التصويب بدل اتهام يتطلب العقاب…..والله الموفق لتفادي الكثير من الصعاب.
1 Comment
اعجبني موضوعك وجهات نظرك منطقية مائة بالمئة تمنينا لو كاااان جميع النااااس او الاساتدة بالخصوص لهم نفس تفكيرك الراااااقي لما كان تلميد كسول بالمدرسة
محمد المقدم = مدرسة النجااااح
تلميد من مدينة الانوار وجدة