أطفال المناديل الورقية بوجدة
الظروف الاجتماعية والاقتصادية ،وانعدام الوعي وغياب الشعور بالمسؤولية لمجموعة من الأسر المغربية ،كان وراء استفحال آفة تشغيل واستغلال الأطفال في مجالات متعددة ومتنوعة
وجدة:ادريس العولة
أصبح موضوع تشغيل واستغلال الأطفال ببلادنا،يؤرق بال مجموعة من الهيئات والمنظمات التي تهتم بجانب حقوق الطفل ،فانتشار هذه الظاهرة في تزايد مستمر ولعل الرقم الذي أفصحت عنه الإحصائيات الرسمية في هذا المجال ،لدليل على الوضع المزري التي تعيشه الطفولة في مجتمعنا،والمتمثل في الحرمان والتهميش ومصادرة أبسط الحقوق الأساسية للطفل والتمتع بطفولة عادية ،فرغم صرخة ونداء منظمات حقوقية وهيئات جمعوية لها نفس التوجه والاهتمام ،ودق ناقوس الخطر وفي مناسبات عديدة ،فلا زال عمل هذه المنظمات يصدم بواقع مرير يصعب تجاوزه فموضوع تشغيل الأطفال يبقى من بين النماذج الصارخة في مجتمعنا ، في ضل فشل كل الإجراءات القانونية في احتواء هذه الظاهرة،التي تبدو خيوطها شائكة ومتشعبة ويصعب حلها ،فآفة تشغيل الأطفال ساهمت فيها عدة عوامل رئيسية وأساسية ،منها الظروف الاجتماعية والاقتصادية لبعض الأسر المغربية،وكذا غياب وعيها وإحساسها بحقوق الطفل ، إضافة إلى وجود –مافيا- تستغل كل هذه الظروف لصالحها من أجل كسب المال على حساب طفولة بريئة وبتواطئ وفي غالبية الأمر مع الآباء مقابل دراهم معدودة ،مما يتيح الفرصة لهذه –المافيا-التصرف في الأطفال وتوجيههم حسب أجندتها ، فيتم إقحامهم واستغلالهم في مجالات عديدة ،كتشغيلهم في أعمال شاقة ،وفي ظروف صعبة تفوق بكثير طاقتهم الجسمية والفكرية ،أو يتم الزج بهم واستغلالهم في بعض الأمور التجارية البسيطة كبيع المناديل الورقية –كلينكس- والورود وغيرها من البضائع في الشارات الضوئية وفي المقاهي ،ولعلها أسهل طريقة للإيقاع بالطفل في عالم الاستنجاد والتسول وما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة على نفسيته ،وتمهد له ولوج عالم التشرد والانحراف من بابه الواسع حينها يصعب السيطرة على سلوك الطفل
ولعل أبشع وأخطر استغلال يتعرض له الأطفال حينما تعمد تلك –المافيا – إلى تسخيرهم إقحامهم في عالم أكثر خطورة إنه عالم ترويج المخدرات حيث يتم استخدام هذه الفئة في ترويج السموم الفتاكة ، في أبواب المؤسسات التعليمية التي أصبحت محطة اهتمام للعديد من –البزناسة- باعتبارها سوقا مربحة وعذراء تقبل على كل شيء
ناهيك عن استغلال الأطفال بشكل بشع في عالم الجنس الذي أصبح ينتشر بشكل واسع في بلادنا ، وتحول في السنين الأخيرة لتجارة منظمة،تذر أموالا طائلة على أصحابها ، نظرا لوجود عدد كبير من الزبناء الذي يفضلون مثل هذه البضاعة ولايهمهم إن كان الأمر يتعلق ، بقاصر المهم إشباع غريزتهم ،وإفراغ مكبوتاتهم وإن كان على حساب طفل بريء لا يعرف ما يفعله وما يقبل عليه
امرأة ترتدي جلبابا وتخفي وجهها بواسطة نقاب ،تقوم بتوزيع المهام على مجموعة من الأطفال
كانت الساعة تشير إلى الساعة 10 صباحا ، مجموعة من الأطفال في مقتبل العمر يلعبون ويلهون ، مع أسراب الحمام المتواجدة في ساحة 16 غشت ،التي كانت تنتظر بدورها قدوم مصور الحديقة الذي اعتاد على إطعام الحمام الذي استوطن هذه الساحة التي أصبحت معروفة باسمه
سيدة ترتدي جلبابا أسودا ،ونقابا يخفي كل ملامح وجهها باستثناء عينيها ، تحمل بين يديها كيسا كبيرا ، ومجرد ما شاهدها الأطفال حتى تركوا مداعبة الحمام وتوجهوا مسرعين نحوها فاجتمعوا وتحملقوا من حولها في هدوء تام ، أدخلت يدها في وسط الكيس وهي تلتفت يمينا ويسارا وكأنها تترقب شيئا ما،أخرجت مجموعة من علب–كلينكس – لتمنحها لطفلين فتوجها على إلى المكان الذي اعتادا البيع فيه، فتحركا الصغيرين دون أن يلتفتا إلى الوراء ليأتي هذه المرة دور طفلتين في مقتبل العمر لتكرر نفس العملية وإن كانت البضاعة تختلف عن سابقتها ،فهي عبارة عن رزمة من الورود تسلمت الطفلتين البضاعة وسارتا في اتجاه آخر بحثا عن زبناء محتملين
الطفلان المتبقيان يبدوان أكثر سنا من باقي أفراد المجموعة وقد دار حديث بينهما وبين تلك المرأة قبل أن يتسلما الكيس الذي كان يحتوي على علب من المناديل الورقية التي يستعملها عادة أصحاب السيارات ، فقصدا للتو أول شارة ضوئية المكان المخصص لبيع بضاعتهم لتنتهي عملية توزيع البضاعة و الأدوار لتختفي المرأة المنقبة وتتوارى عن الأنظار، فربما كانت تنتظرها مهمة أخرى من هذا النوع في مكان آخر
ولعل القاسم المشترك بين أطفال هذه المجموعة،هوالحرص على ارتداء ملابس أنيقة عكس ما كان متداولا من قبل ،حينما كانوا يلجؤون لارتداء ملابس رثة من أجل كسب عطف الناس وقد تندرج هذه العملية ضمن الخطة و الاستراتيجية التي أصبحت تنهجها تلك الجهات ،التي تسهر على تسخير الأطفال وإرغامهم في ولوج عالم غريب عنهم ،واستغلالهم البشع لطفولة بريئة ،حرمت من أبسط شروط الحياة ،وهي الاستمتاع بمرحلة الطفولة التي تعتبر أهم وأحسن محطة في الحياة
Aucun commentaire