كم من كتب صفراء ذات قيمة وقدر وكم من كتب بيضاء محض هراء وهذر
عبارة : » الكتب الصفراء » تدور في الغالب على ألسنة بعض المتعصبين ضد التراث الإسلامي من المستلبين الذين يلهثون وراء الحضارة الغربية وقد تنكروا لهويتهم طامعين في مجرد التفاتة من الدول الغربية التي لم ولن تقبل بهم ضمن نسيجها مهما حاولوا التقرب منها والانبطاح لها . ولقد بذل بعضهم كل جهد من أجل استرضاء الغرب على حساب هويته الحضارية ، وأذلوا أنفسهم أيما إذلال بالجثو أمام أقدام الغربيين ، ولفقوا التهم لحضارتهم ، وسخروا منها ، وأضحكوا منها الغرب ، وكتبوا الروايات والمسرحيات والكتب التي نالت من هذه الحضارة كل نيل، فكم من قصة أو مسرحية أو مؤلفات جارحة للحضارة الإسلامية تم نشرها وتسويقها بلغة الغرب ، وقدمها أصحابها عربونا على استلابهم وانبطاحهم فتسلى الغربيون بها وضحكوا منها ومن أصحابها ملأ أشداقهم وهم أشد احتقارا لهم لأنهم تنكروا لحضارتهم إرضاء لحضارة الغير. فعلى ألسنة هذا الصنف من المستلبين تدور عبارة » الكتب الصفراء » التي يقصدون بها كتب التراث الإسلامي الشامخ . والغالب أن الذين يستعملون هذه العبارة القدحية لا يعرفون شيئا عن كتب التراث الإسلامي وما ينبغي لهم وما يستطيعون .
ولو سئل أحدهم عن هذه الكتب لم يزد علمه بها عن وصفها بالصفرة لأن المادة الرمادية في جماجمهم متكلسة لا تتجاوز حد وصف الألوان وتصنيفها على قدر ضيق آفاقها ، وصدق من قال : » ومن يك ذا فم مر مريض// يجد مرا به الماء الزلالا » . فإذا كان العلم لا يقوم ولا يحكم عليه بالوسائل المستعملة لنقله في شكلها أو لونها عند العقلاء الأكياس فإن المغفلين ينشغلون بالوسائل ولا يهتمون بما تنقله هذه الوسائل من علم ومعرفة . فالعقلاء يعودون إلى النقوش وإلى العظام وإلى سعف النخل وغير ذلك من الوسائل المستعملة للكتابة من أجل الاطلاع على ما فيها من معرفة وعلم دون استخفاف بطبيعتها البدائية . ورب نقش على حجر أو خط على رق كان محطة تطور للفكر البشري. فلو اكتفى الناس بالنظر إليه كمجرد حجر أو رق لما كان له شأن في تاريخ البشرية . وحال أصحاب عبارة » الكتب الصفراء » كحال من ينظر إلى الصخر ولا يبالي بما نقش عليه . فالكتب الصفراء إنما اصفرت بطول عهد الناس بها فلو أنهم انشغلوا بها لجددوا ورقها باستمرار، ولكنهم شغلوا عنها بغيرها مما سوقه المحتل بينهم في أرضهم ، فصاروا لا يعرفون إلا كتبه المروجة لنموذجه الحضاري المستبد .
ولما طال عهدهم بتراثهم ، واقتصر احتكاكهم على ما كتبه الغرب عن هذا التراث من كلام مدسوس أنكروا تراثهم وهم به جاهلون ، وظلوا يرددون أحكاما باطلة في حقه تعكس جهلهم المركب به. فما يسميه المستلبون بالفكر الغربي « كتبا صفراء » هو في الحقيقة مجموع ما كتب وألف حول كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فالتعامل مع كتاب الله عز وجل اقتضى علوما نسبت له وعرفت بعلوم القرآن ، والتعامل معه أيضا اقتضى الاحتكاك بالسنة ، والسنة تطلبت علوما عرفت بعلوم الحديث . وعن علوم القرآن وعلوم الحديث نشأت علوم ومعارف شتى مست جميع نواحي الحياة البشرية ، وأعطت نموذجا حضاريا قائم الذات قاد البشرية لقرون كانت النماذج الحضارية المعاصرة له خلالها تكتنفها الظلمات. ولما تراخى المسلمون في الارتباط بتراثهم والاسترشاد به ، وكان قد وصل إلى أيدي غيرهم واستفادوا منه رجحت كفة الحضارة لصالح من عرفوا كيف يستفيدون منه. ومخافة أن نرتبط من جديد بهذا التراث ونتصدر قيادة العالم من جديد حال الغرب بيننا وبينه عن طريق مشاريع التشويه الاستشراقي لهذا التراث ، فصارت عبارة » الكتب الصفراء » وحدها كافية لصرف خلق كثير عن تراثه ليكون البديل الحضاري الوحيد هو النموذج الغربي الذي لا منافس له . وإلى أصحاب عبارة » الكتب الصفراء » أقول إن ألوان الكتب لا علاقة لها بمضامينها ، فالصفرة والبياض لا معنى لهما عندما تكون العقول منفتحة وغير متكلسة ، ونحن أمة ضالتها الحكمة تلتمسها أنى وجدتها ، وتطلبها ولو في الصين ، ولا يصرفها عن هذه الحكمة صفرة الكتب أو بياضها ، وإنما ينشغل بالصفرة والبياض أصحاب الجماجم المحشوة بالمادة الرمادية النافقة .
Aucun commentaire