عَفْواً السِّي محمد بَنَّاصَر سيناصَر (1907-1970) !
بدر المقري
لستُ مؤرخاً البَتَّةَ، بل مجرد طالب علم له شَغَفٌ بتاريخ مدينة وجدة و بذاكرتها الجماعية.
ولا أزالُ مُبَشِّراً، منذ شرعتُ في بداية 1990 في وضع أُسُس مشروع إعادة كتابة تاريخ مدينة وجدة في أُفُق إعادة قراءَته، بأن تاريخ هذه المدينة جديرٌ بأن يتم استثماره في سياق الإيمان بأن الثقافة من العوامل غير الاقتصادية الرئيسة في التنمية.
وإذا كانت الصورة النمطية الغالبة هي تبخيس الثقافة والعلم والمعرفة والفكر، فإنني لستُ مُلْزَماً بإقناع من يهمه الأمر أن التنمية لا تتحقق بالمطلق، إذا لم تتحول المعرفة في مجتمعنا إلى ثقافة
.
أقول ذلك وأنا أتأمل طبيعة الاحتفال بالذكرى 81 لإعلان وثيقة المطالبة بالاستقلال، يوم الثلاثاء 11 يناير 1944.
ومما جال في خاطري لما تذكرتُ أن المغاربة عُرفوا منذ القديم بتبخيس تاريخهم و بعدم إدراك قيمة الرجال الذين يصنعونهُ، ما قالهُ أحد قدماء مُؤرخيهم:
» و معلوم من شأن المغاربة عدم الاعتناء بالتعريف بتاريخهم والتصدي لذلك بتأليف أو تصنيف. فكم من واحد مضى موصوفا بالعلم أو مشهوراً بالخير و الصلاح، لم يقع لهم به اعتناءٌ و احتفالٌ، بل أُلْقيَ في زوايا الإغفال و الإهمال. »
و هاهنا أذكر للذكرى عساها تنفع الناس، أحد أبناء مدينة وجدة البَرَرَة، من الذين أعطوا الغالي والنفيس في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، فَجادَ بكل ما ورثه عن أبيه من عقارات وبساتين كثيرة في سبيل الله، و به شَرُفَتْ مدينة وجدة لما ناب عن أهلها في توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال، بعدما دعاه إلى ذلك صديقهُ و رفيق دربه المهدي بن بركة يرحمه الله.
إنه (السِّي محمد بَنَّاصَر بن الحاج العربي سيناصَر الحُسَيْني)، الذي ولد في (درب السانية) بحي (أولاد عمران) قرب (طريق مراكش) بمدينة وجدة سنة 1907.
وإذا ذكرنا اسم عائلة (سيناصَر)، فإن المفضى ولاشك إلى اشتهارها بالعلم. فوالده هو أحد جلة شيوخ العلم بمدينة وجدة وبالمغرب وبالمغرب الكبير، العلامة الحاج العربي سيناصر (توفي بوجدة سنة 1932). وأما جده فهو الإمام العلامة سيدي الحبيب بن المصطفى سيناصر (توفي بوجدة سنة 1904).
ويمكن إيجاز مسار السِّي محمد بَنَّاصَر سيناصَر، في ما يأتي من المحطات الرئيسة:
1- أمه هي السيدة حليمة، من ذرية سيدي علي أوسعيد، قرب تافوغالت.
2- درس العلوم الشرعية بالمدرسة المرينية الملحقة بالجامع الكبير.
3- نال شهادة الباكالوريا في السنة الدراسية (1923-1924).
4- جمع ما بين الثقافة العربية الإسلامية و الثقافة الفرنسية.
5- أسس بمدينة وجدة لجنة مناهضة الظهير البربري الذي أعلنته الإدارة الاستعمارية الفرنسية يوم 16 ماي 1930.
6- أشرف مع علال الفاسي والحاج عمر بن عبد الجليل وعبد السلام الوزاني على تأسيس أول مدرسة حرة بمدينة وجدة على عهد الحماية، سنة 1935. وقد نظم حفل التدشين في دار (بوزيان الحيلة)، قرب (باب الغربي).
7- اعتقلته الإدارة الاستعمارية الفرنسية سنتي 1935 و 1936.
8- حكم عليه بالسجن سنتين في سجن اغْبيلَة بالدار البيضاء (1937-1939).
9- عينته كتلة العمل الوطني في يناير 1939، عضوا في مجلسها الوطني ومندوبا لمجموع شرق المغرب.
10- أسس بمدينة وجدة أول نَواة لأجل توحيد الحركة الوطنية في المغرب الكبير. وقد وقع (وثيقة الأخوة والتعاون) باسم كتلة العمل الوطني بالمغرب، رفقة محمد الأمين الدباغين باسم الحركة الوطنية في الجزائر، و عَلالة بَلهْوان و مُنْجي سليم باسم الحركة الوطنية التونسية.
11- استقبله الملك محمد الخامس مع وفد من الحركة الوطنية بوجدة، في يونيو 1943.
12- هو أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944، نيابة عن أهل شرق المغرب.
13- اعتقلته الإدارة الاستعمارية الفرنسية يوم فاتح فبراير 1944، وحكمت عليه بالسجن عاما نافذا، في معتقل عين علي مومن بسطات، وأطلق سراحه يو 09 فبراير 1945.
14- جمد السِّي محمد بَنَّاصَر سيناصَر سنة 1948، مسؤولياته الحزبية لدواع ذاتية وموضوعية.
14- اعتقل إبان انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، ثم أطلق سراحه.
15- عين بعد الاستقلال رئيسا لمحكمة السدد ببركان (1957-1962)، ثم انتقل إلى المحكمة الإقليمية بفاس.
16- أصابته نوبة قلبية حادة ليلة الأحد 13 شتنبر 1970، وهو مع زوجته في زيارة عائلية بالرباط، فألح على أن يدفن في مقبرة سيدي المختار بمدينة وجدة.
17- لا يمكن التعريف بالسِّي محمد بَنَّاصَر سيناصَرر يرحمه الله، دون التلميح إلى الدور الكبير لزوجته السيدة زليخة بوشنتوف يرحمها الله. وقد أدركتُها في السنوات الأخيرة من حياتها بالرباط، فَلَمَسْتُ من كثب في هذه السيدة الجليلة، خصال الحكمة والحياء والإيمان والصبر والحلم وخفض الجناح، ما يجعلني أعتبرها من مفاخر النساء الوجديات.
Aucun commentaire