تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (17)
تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (17)
الأستاذ: الفيلالي عبد الكريم
ذاكـرة الأمــكـنة
3 – زوج بغال.
يسود اعتقاد لدى سكان المنطقة الشرقية مفاده أن سبب تسمية النقطة الحدودية بين المغرب والجزائر بـ »زوج بغال » يعود إلى الاستعمار الفرنسي حين كان متواجدا بالمنطقة. ويتمثل هذا في كون التسمية ذات حمولة قدحية وتشنع بشخصية الشعبين الشقيقين، ورغم أن التسمية من مخلفات الاستعمار الفرنسي، فإنها لا تحمل أي قدح أو تحقير لشخصية الشعبين.
وقد ذكر علي بن محمد السوسي (ت1893م) سبب التسمية في رحلة له إلى المنطقة، إذ زارها سنة 1844م رفقة عرفة بن محمد الرابع الذي كان مبعوثا إلى المنطقة الشرقية من أجل مراقبة الحدود بين المغرب والجزائر عن أمر أخيه المولى الحسن الأول.
وتحدث صاحب الرحلة التي سماها « منتهى النقول ومشتهى العقول » عن كثير من المواضع التي تشكل معالم الحدود بين المغرب والجزائر، ولما وصلت البعثة إلى الحد السابع (كركر سيدي حمزة) تحدث عن التسمية، إذ يرجع ذلك إلى انتزاع السلطات الفرنسية المتواجدة آنذاك بالجزائر قطعة أرضية في ملك بني حسان[1] القاطنين على الشريط الحدودي. لقد كانت السلطات الفرنسية تمهد للاستيلاء على المغرب لذا كانت تصطنع أساليب ملتوية من أجل انتزاع الأراضي من أهلها مستغلة في ذلك غياب معالم ثابتة تبين الحدود. يقول علي بن محمد السوسي: «ثم سرنا كذلك إلى الحد السابع وهو « كركر سيدي حمزة » وهو موضع يشبه « كوشة الجير المتهدمة »، وقال أهل تلك البلدة وهم بنو حسان وهم فرق خمسة، وقد أخذ لهم النصارى هنا حرث خمسمائة زوجة، ويعطوه في الكراء كل عام خمسة وعشرين ريالا، وسبب الأخذ أن هناك موضعين متشابهين كـ « كوشة الجير »، وترك التي تليه وزاد أماما إلى التي تشبهها، فقال: هذا « كركر سيدي حمزة »»[2].
وقد استغل المستعمر مثل هذا الأمر في كثير من المواضع المتشابهة[3]، ويبدو من خلال النص الحيف والظلم الذي لحق السكان المجاورين للحدود قبيل عقد الحماية. وقد أدّى هذا الأمر إلى نزاع بين السكان المحليين والمحتل، يقول علي السوسي: «وهنا وقع بين بوشتا بن البغدادي هو والروم بأن قال بوشتا للرومي: أنت أردت أن تجعل الحدود وجدة، وقال له الرومي: وأنت أردت أن تجعل الحدود بمغنية، وجرى بينهما كلام على أن المقابل لـ « جوج بغال » هو الذي يليه لا الذي يلينا، وقيل فيه « زوج بغال » لأنه قدر ما تحرثه « زوج بغال »»[4].
لم تكن ردود الفعل تتجاوز حدود الاحتجاج من طرف السكان فموازين القوة لم تكن متكافئة، ولم تكن جراح معركة إيسلي قد اندملت بعد. ومما نستشفه من النص أعلاه أن سبب التسمية يعود إلى ما أخذ عنوة من مساحة أرض على الحدود، فـ »زوج بغال » وحدة قياس للمساحة كانت متداولة بين سكان المنطقة.
وكانت وحدة القياس هذه معروفة منذ عهد بني مرين، وقد قدر محمد المنوني أن «حرث زوجين يقدر بنحو 16 هكتارا»[5]، فإذا كان التقدير نفسه هو المتداول عند أهل المنطقة، سيكون مقدار الزوج هو ثمانية (8) هكتارات، وبالتالي مقدار ما أخذ من أرض بني حسان هو أربعة آلاف هكتار.
[1] ـ ما تزال هذه الفرقة قائمة بالمكان في الجهة المقابلة للنقطة الحدودية « زوج بغال »، وتحمل الاسم نفسه.
[2] ـ منتهى النقول ومشتهى العقول. (م س). 109- 110.
[3] ـ مثل ما وقع في بني حمليل. ينظر: منتهى النقول ومشتهى العقول: 108- 109.
[4] ـ منتهى النقول ومشتهى العقول. (م س). 110.
[5] ـ ورقات عن حضارة بني مرين. محمد المنوني. منشورات كلية الآداب بالرباط. ط: 2. 1996. ص: 148.
Aucun commentaire