من طقوس الخريف
تزخر الثقافة الشعبية بسيدي لحسن بكثير من المعتقدات والرموز المتوارثة التي أتيح لنا أن نعيش بعضها،وإن كانت التطورات المتسارعة تعجل باختفاء كل المخزون الموروث عن الأجداد، لصالح ثورة النيت ،التي لا تترك مجالا للنبش في الماضي،لتسود ثقافة العولمة التي تتحكم فيها جهات تمسك خيوط اللعبة من بعيد،لنتحول نحن بالتالي، إلى مجرد كائنات مستهلكة لما ينتجه غيرنا ولو كان على حساب مقومات هويتنا، التي تنفلت من بين أيدينا ونحن عاجزون عن أدنى ردة فعل.
كانت بلدتنا غنية بالطقوس القريبة إلى الأساطير، والمعتقدات الساذجة التي اختلقها الناس عبر التاريخ ،بحثا عن قشة يتعلقون بها في أوقات الشدة،أو يوهمون النفس بتحقيق مكاسب سارة عندما تظهر أمارات،،تازوهريت،، شخص ما،ولا سيما الأولاد.
وهكذا،كانت الأسر تعد ،،عصيدة،،عند حلول العام الجديد(الناير)،ثم تدس فيها قطعة خشب صغيرة أو نواة تمرة إن توفرت،فيكون من وقعت في ملعقته،هو،،زوهري،،الأسرة الذي يدشن مرحلة من التميز بين كل أفراد العائلة،وربما حظي بمعاملة خاصة، ومن ثم ينتشر الخبر ليتحول المحظوظ إلى نجم وهمي في كل محيطه ولو ظل وضعه يراوح مكانه !
غير أن الطقس الذي ظل عالقا بذهني إلى الآن ،هو الذي كان يتزامن مع أوائل فصل الخريف.
كنا نقضي جزءا من الصيف وكل شهور الخريف على ضفة نهر،،الوادي الحي،،كما يعرف ،،زا،، في الجزء الذي يمتد من ضواحي مدينة جرادة إلى تخوم تاوريرت.
كانت جل الأسر تنتج الذرة التي ينتفع منها الإنسان والحيوان معا.
وهكذا،كنا نستمتع بتحويل الذرة إلى وصفات متنوعة: فهناك من يتناولها مشوية على الجمر أو مسلوقة،وهناك من يفضل الخبز المصنوع منها،وهو خبز متميز خاصة على يد بعض الأمهات البارعات.
وإلى جانب استهلاك الذرة بالطرق السالفة، فإن عملية أخرى كانت تنتظر كل أفراد الأسرة عندما تنضج الذرة ويتم تجميع حبوبها.
كانت العملية تقتضي انتزاع العرانيس أي،،لكبال،، من سيقان النبتة،ثم تعريضها للشمس حتى يسهل تفتيتها بواسطة العصي والأيدي.
لقد كان هذا العمل شاقا،لكننا كنا نحن-معشر الصغار-ننتظره بشوق لخوض تجربة الفوز بلقب ،،زوهري،،الأسرة !
كان الطريق إلى ،،تازوهريت،،يمر عبر إيجاد عرناس يختلف عن غيره في اللون،حيث يشترط أن يكون أحمر،مما يرفع من وتيرة الجني بحثا عن هذا،،الجوكير،،الذي يسمونه،،أحمير،،والذي قد لا توجد منه إلا نسخة أو ثلاث على الأرجح في الحقل بأكمله !
إنها إحدى صنائع الخالق عز وجل، حيث ينفرد ،،أحمير،،بهذا اللون بين إخوته في الغصن الواحد !
لقد تناوب الأبناء على ،،تازوهريت،،من خلال وقوع،،أحمير،، بين أيديهم، لكن ،،تازوهريت،، لم تتخط مرحلة الاكتشاف !
كانت كل مكونات العرانيس ذات صلاحية معينة،فالأوراق العديدة التي تلفها ،تعتبر غذاء هاما للماشية خاصة منها البقر،أما العظم فيتحول جزء منه إلى سدادات لقنينات السوائل، ولا سيما زيت الزيتون وكذلك العسل.
إن طقس البحث عن ،،أحمير،، تقليد متوارث،ربما كان مبتدعوه يرومون تسريع وتيرة جمع المحصول بذكاء، وإن كان هذا العمل الجماعي يحيل على فترة طبعتها سعادة حقيقية من غير ضريبة تذكر،لأنها ارتبطت ببساطة الحياة ،فلما استصغرنا هذه البساطة،صرنا نشتري الأدوية بحثا عن طمأنينة تضاهي السراب.
وإلى طقوس أخرى إن شاء الله.
Aucun commentaire