انتحار القاصرات: أزمة تأطير أم أزمة ثقة؟
محمد السباعي
اهتز الرأي العام الوطني على إثر نبأ انتحار التلميذتين (منى 17 عاما ونورة 16 عاما) بمدينة المحمدية يوم السبت الماضي قرب ثانوية أبي بكر الصديق بجماعة الشلالات نواحي المحمدية. نسأل الله تعالى أن يرحم الفقيدتين و أن يرزق ذويهما الصبر والسلوان وأن يحفظ أبناء هذا الوطن من كل مكروه. و اكتفت القناة الثانية بنقل الخبر ببرودة وكأن المُشاهد المغربي أمام لقطة انتحار الممثلة « منار » في الحلقة الأخيرة من مسلسل « سامحيني » أو مشهد انتحار أخت أمير في مسلسل « عاصي » سيء الذكر، وهي لقطات متوفرة على اليوتوب وحققت أزيد من مليون مشاهدة !!
لم يتم استدعاء وزير التربية الوطنية و لا خبراء في القطاع و لا فاعلين جمعويين ولا محللين نفسانيين، ولم تخرج جمعيات الدفاع عن التلميذ في مسيرات ولم تتحرك فيدراليات الآباء، و غابت الجمعيات النسائية المتخصصة فقط في مناهضة زواج القاصرات… فلماذا الكيل بعدة مكاييل أيها الحقوقيون والفاعلون و الناشطون والإعلاميون؟ لماذا التضخيم والتهويل حين يتعلق الأمر بإدانة تدريس مادة التربية الإسلامية وتحميلها مسؤولية تفريخ الدواعش و اتهام المسجد برعاية خطاب التمييز ضد المرأة ، في حين لا تتم محاكمة القائمين على الإعلام العمومي وإدانة المسلسلات العاطفية الرخيصة التي تُفسد عقول شبابنا على مدار السنة، ويتم التغاضي على إمعان بعض وسائل الإعلام في الترويج بشكل ممنهج لخطاب التيئيس والإحباط و الجحود و التشكيك في كل المؤسسات وفي نزاهة العلماء ووطنيتهم وغيرتهم على ثوابت الأمة. نريد جوابا واضحا من دعاة التعصب والطائفية: هل سبب اليأس والإحباط و الأزمات العاطفية هو « كثرة » التربية الإسلامية أم قلتها وفراغها من محتواها؟ ألا يُدرس أساتذة المادة تقنيات التواصل عوض غرس الإيمان بالله واليوم الآخر وحب الحياة وتكريم الإسلام للإنسان وتقوية الوازع الديني الذي يردع نوازع الزيغ والميل إلى الشهوات والإجرام وكل أنواع الانحرافات المستشرية في المجتمع؟
التحقيق في هذا الحادث المأساوي لم يُسفر بعد عن الدوافع الحقيقية وراء سلوك الانتحار، لكن المؤكد أن الفتاتين لا ينتميان إلى خلية إرهابية ولا لم تُجندهما أي منظمة متشددة محسوبة على الدين. خلفيات هذا السلوك العنيف لا توجد بعيدا عن منظومتنا التربوية نفسها… ولن نسمح لمحترفي السياسة أن يتيهوا بنا في فرضيات إديولوجية، غير تربوية وغير مرتبطة بخطورة زعزعة قيمنا الثابتة والضامنة لتماسك المجتمع المغربي… إن هذا الانتحار عُنف تجاه النفس وتجاه الأهل وتجاه المجتمع وأمام أسوار المدرسة العمومية وبسُم الفئران… وسبق أن سُجلت حالات « اغتصاب » في محيط نفس الثانوية… إنها أزمة تواصل بين جيلين، أزمة حوار حقيقي بين الفاعلين داخل منظومتنا التربوية من جهة، وبين المدرسة ومحيطها من جهة أخرى. و لا بد أن نصارح أنفسنا: هل يتمتع كل تلامذتنا بحرية التعبير داخل البيت وداخل المؤسسة؟ هل يجدون الترحيب والتشجيع داخل الأندية لتنشيط الحياة المدرسة وتفجير طاقاتهم و صقل مواهبهم؟ هل يشعرون بانسجام تام بين خطاب الأسرة والمدرسة والمسجد والشارع والبرلمان؟ هل يستوعبون القيم العليا للمجتمع المغربي ويشعرون بنعم الأمن والاستقرار؟ هل يتفاءلون بالمستقبل؟ هل مكناهم من أدوات التحليل ومهارات الحجاج والدفاع عن الرأي و أساليب الحوار والإقناع؟
إن المدرسة العمومية يجب أن تبقى في بعيدا عن المزايدات الفارغة ، والتعليم هو فضاء لإشاعة المحبة والاحترام ونفس الإيجابية وتعزيز الثقة بين كل مكونات المجتمع وهو فضاء للتربية على المواطنة الحقة التي تعني أولا وقبل كل شيء احترام المؤسسات وتوقير أهل العلم والامتثال للقانون والقيام بالواجبات قبل المطالبة الحقوق.
و ختاما نقول إن التعليم أمانة و رسالة وهو مسؤولية الجميع، كل من موقعه، وأي تلاعب أو تقصير في التأطير الآن قد يفتح الباب مستقبلا لا قدر الله أمام الانهيار.
Aucun commentaire