الدكتور مصطفى بنعلة بعد تقاعده يعود من جديد للمركز الجهوي للتربية والتكوين بوجدة
لجنة الاتصال بالمركز
قامت لجنة البحث التربوي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين للجهة الشرقية برنامجها العلمي والإشعاعي للموسم التكويني الجاري (النشاط المتعلق بالاحتفاء بإنتاجات أساتذة المركز العلمية والفكرية والأدبية تحديداً) بإعادة الأستاذ الدكتور مصطفى بنعـلة بعد تقاعده إلى المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين للجهة الشرقية بوجدة كعالم، استحقت مؤلفاته المائزة بحمولتها العلمية أن تكون محور ندوة علمية، مساءَ الجمعة 26 فبراير 2016، بالفرع الإقليمي للمركز بوجدة (مقرّ المسيرة)، ويذكر أن المحتفى بكتبه، أستاذ باحث، تخصُّص التاريخ، كان إلى حدود أواخر الموسم المنصرم ضمن هيأة التدريس والتأطير بالمركز، قبل أن يتقاعد مِهْنيا. وقد حضرها جمهور نوعي من الأساتذة الباحثين في كلية آداب وجدة، ومن الأساتذة المكوّنين والباحثين بالمركز، علاوة على مجموعة من الطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه. وسيّرها باقتدار د. هانم بلخـير. وشارك فيها أربعة أساتذة باحثين في التاريخ والأدب والتربية، قدّموا مداخلات علمية جادّة في كتب د. بنعـلّة الأربعة التي نُشرت له سابقا.
فقد استُهلّ هذا اللقاء العلمي بمحاضرة للدكتور بدر المقري؛ أستاذ الأدب المغربي في كلية آداب وجدة، تمحورت حول كتاب « جوانب من تاريخ الحُبُس المعقّب بالمغرب – نماذج بعض العائلات المغربية من فاس ومكناس وفِجِيجْ ووجدة ودَبْدُو » (2008)، وهو تأليف يتناول « الوقف الصغير »، إلاّ أن المُحاضِر آثر عدم قراءة الكتاب وَصْفيا فقط، بل عمد إلى الوقوف عند بعض الأمور التي تثير انتباه قارئه، مشيراً إلى أنه يشكل « تربة خصبة لجملة من القضايا والإشكالات »؛ على حد تعبيره، ومن أهمها مسألة حرمان الفروع النسوية من حقهنّ من الأوقاف داخل مدينة وجدة قديماً، سواء في العقارات أو غيرها، بما في ذلك المَصاحِف، وما كان لذلك من انعكاسات على تماسك الأسر. وذكر المتدخل، كذلك، أن بعض أوقاف الوَجْدِيّين كانت توجَّه إلى نسخ الكتب ونشرها، وأن بعضها كان مخصَّصاً لمساعدة الشبّان المعوزين على الزواج وتوفير مستلزَماته، وبعضَها لتزويج المهملات من اليتيمات قبل أن يدخل المستعمِر إلى المغرب (1903)… وقدّم الأستاذ عددا من الأمثلة عن أوقاف أهل وجدة، التي كانت توجّه لأغراض محددة؛ كالتي أتينا على ذكرها قبْلُ. وهي أمثلة واردة في كتاب المُحتفى به، الذي عُرف باهتمامه اللافت بموضوع الوقف في تاريخ المغرب عموماً، وفي وجدة خصوصاً. كما أشار د. بدر إلى احتواء هذا الكتاب على جملة وافرة من الألفاظ الحضارية، التي استحسن أن يُفْرَد لها ملحقٌ خاصّ في آخِر المؤلَّف، وهو عمل يذكّرنا بذلك المعجم الرائد الذي وضعه المرحوم د. أحمد حدّادي، عامَ 2011، واسماً إيّاه بـ »معجم الألفاظ الحضارية المغربية في عصر بني مرين.
وأدار د. رشيد سوسان، وهو باحث في الأدب الحديث يشتغل، حاليا، أستاذاً في التعليم الثانوي التأهيلي بنيابة وجدة – أنگاد، مداخلَته حول كتاب « نصيحة المغترّين وكفاية المضطرّين » للفقيه مِيّارة، الذي عاش في القرن الهجري الحادي عشر، بتحقيق الأستاذين د. مصطفى بنعلة ود. محمد الغرايب (أستاذ بكلية آداب القنيطرة)؛ بحيث ابتدأ كلمته بتوطئة قصيرة عن مخطوط الكتاب المحقق واصفاً إياه بالنفاسة؛ لكونه تطرق إلى موضوع بالغ الأهمية في مجال النوازل والسؤالات والأجوبة على مذهب الإمام مالك؛ فهو بمثابة جواب مفصّل عن فتوى قُدِّمت بشأن أحقية التجار المسلمين الجُدُد، أو حديثي العهد بالإسلام، في اعتمار حوانيت بقيسارية فاس، وكان قد منعهم من ذلك التجار المسلمون القدامى استناداً إلى ما أفتى به بعض فقهائهم الذين فهموا نصوصاً قرآنية فهْما خاطئا، أو انطلقوا من أحاديث موضوعة. كما أنه ينطوي على إشارات ومعلومات كثيرة في التاريخ والاجتماع والفقه وغيرها، ويتصل اتصالا مباشرا بواقع معيش زمنَ المؤلِّف، ويرصد العلاقة بين تجار قيسارية فاس، وكيف أن المصلحة الاقتصادية لفئة من التجّار قد تؤثر في توجيه الفتوى. وقدّم الأستاذ المُحاضر ملخّصا عن محتوى الكتاب، وأبْرزِ قضاياه، قبل الانتقال إلى تقديم قراءة نقدية في عمل المحققيْن ودراستهما التي أرْفَقَاها بهذا العمل القيّم، مُنوِّها بالجهد الكبير الذي بذله المحققان في سبيل إخراج المؤلف في هيأته التي بين أيدي القراء الآن. واختار د. سوسان أن يُشرك جمهور الحاضرين في الاطّلاع على بعض ما عالجه الكتاب؛ فوزّع عليهم مستنسَخاً من شهادة لفيفية حول منع البَلْدِيّين المهاجرين من دخول قيسارية فاس، ثم حاول تحليلها وتبيان أهم نُقطها وقضاياها. وختم مداخلته بتسجيل عدد من الملاحظات والمستفادات المتحصّلة من قراءته الفاحصة للكتاب كله؛ مِنْ مِثل: صعوبة مَهمّة التحقيق، والتحذير من كتابة التاريخ تحت الطلب أو تحت تأثير أي ضغط أو أي مؤثر خارج نطاق العلم والتأريخ الموضوعي، وضرورة إعادة الاعتبار لكل أصناف الوثائق والمستَنَدات التي خلّفها أسلافُنا في شتى الميادين بالنظر إلى ما تختزنه من حقائق ومعطيات على حظّ كبير من الأهمية، وتأكيد صلة الكتاب بواقعه (في العصر السعدي)، وأمانته في نقل هذا الواقع اقتصاديا واجتماعيا.
واختار د. عبد الله بوغوتة؛ وهو باحث في التاريخ والتربية، ومدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة، قراءة أهم مؤلّف للمحتفى به في مسيرته العلمية، ويتعلق الأمر بكتابه « تاريخ الأوقاف الإسلامية بالمغرب في عصر السعديين » (2007)، الواقعِ في جزأين، والصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، وهو – في الأصل – أطروحته لنيل الدكتوراه في الآداب. وقبل أن يقرأ المحاضر هذا العمل المائز وَصْفيا، ويرصد أهمّ القضايا المُثارة فيه، استعرض أهمّ منشورات الوزارة المذكورة في المجال الوَقفيّ، وأشار إلى جملة من المكتبات العالمية التي يوجد فيها الكتاب، وإلى مزاوجته بين التاريخ والفقه لِما يقتضيه موضوعه من استحضار ضروري لهذين المجالين العلميين معاً. وحدّد مصادر الكتاب، سواء الأساسية منها (مثل: كتب النوازل، والوثائق المخطوطة، والأخبار الشفهية) أو التكميلية المعتمَدة لتأطير البحث بالدرجة الأولى (مثل: كتب الرِّحْلات والطبقات والأدب). وأشاد بحُسن بناء العمل، وتنظيم أجزائه التي حاول أن يوازن بينها كَمّيا (6 أبواب). وتحدث المحاضر، كذلك، عن تاريخ الأوقاف في الإسلام، معتبراً أن أولها هو مسجد قباء، وذكر أن أول مكتبة وقفية ظهرت في بلاد المغرب، لا في المشرق؛ كما يزعم كثيرون، وهي خزانة الشيخ أبي الحسن الشاري الغافقي بسبتة، التي حُبِست على طلاّب العلم. واستعرض جملة من الأدلة على صحة الوقف، وبيّن أهميته في عدة مجالات، بما فيها نسخ الكتب وطبعها على عهد السعديين، بدل انتظار القيام بذلك اعتماداً على « الميزانية الرسمية »! وفصّل الباحث القول في جملة من قضايا الكتاب؛ مثل مسألة التأريخ للدولة السعدية انطلاقةً وانتهاءً، والمؤسسة الوقفية على عهد السعديين، والوقف على الكتب والمكتبات، والوقف الخيري والمقيد والمعقب…
وبمداخلة د. عبد العزيز غوردو اختُتِمت مداخلات الندوة، وموضوعُها قراءة كتاب بَنْعَلّة الموسوم بـ »مساهمة في دراسة جوانب من تاريخ المغرب الحديث – مجموعة ظهائر ورسائل السعديين (دراسة وتحقيق) » (2011)، وقد قدّم له د. لطفي بوشنتوف؛ الأستاذ بكلية الآداب عين الشق/ الدار البيضاء، بتقديم مقتضَبٍ ممّا جاء فيه أن نصوص هذا المجموع، التي تفوق المائة، « تضمّنت أخباراً ثمينة عن وقائع وأحداث العهد السعدي الممتدّ طيلة القرنين العاشر والحادي عشر الهجرييْن؛ ذلك أن المتصفح لها يجد فيها معلومات متنوعة عن الجُند والقضاء، وعن دَور الولاء/ الخدمة في الترشح للوصول إلى مراكز القيادة وتولِّي الخطَط الشرعية، وعن مبادرة تكوين جيش سَعْديّ من أصول إثنية سُودانية تتمتع بخصال الصبر والقناعة، وعن استفتاء علماء الأزهر بالضبط في الوجه الشرعي لتملُّك عبيد السودان، وعن الوجود المغربي في السّودان الغربي، وعن ظاهرة التنصير في هذه الرقعة الجغرافية، وعن علاقة السلاطين السعديين المتأخِّرين بالمُجاهِد العياشي ونفوذ زاوية الدلاء في مصبّ نهر وادي أبي رقراق… » (ص 6). وقد ركّزت مداخلة د. غوردو على دراسة العتبات النصية للمؤلَّف، وصلتها بمَتنه، مع وقفة مطوّلة عند جهاز العنونة فيه، قبل الانتقال إلى تقديم قراءة واصفة لأبرز محتويات الكتاب، الذي كان – في أصله – رسالة جامعية لنيل د. د. ع. من كلية آداب الرباط عامَ 1989، وبعنوان آخر مغاير لهذا الذي نُشر به الكتاب قبل خمس سنوات. وسجّل الباحث عدداً من الملاحظات التي عنّت له وهو يقرأ عمل بنعلّة المذكور، منوّهاً بالجهد الشاقّ والجبّار الذي بذله الباحث المحقق في سبيل جمع الظهائر والرسائل المُضَمَّنة في الكتاب، والتي تعود إلى عهد دولة السعديين، الذين تُسمّيهم المظانّ القديمة « الأشراف » أو « الشرفاء » (عبد العزيز الفشتالي مثلاً.)
وفي الأخير، فُتح باب المناقشة، وأعْطِيَت للأستاذ المُحْتفى بإنتاجاته العلمية الكلمةُ لتوضيح بعض النقط (منها تأكيده أن اهتماماته تكاد تنحصر في محورين بحثييْن؛ أحدهما دراسة الأوقاف بالمغرب لِما لها من أهمية بالغة؛ لكونها تمدُّنا بزَخَمٍ من الفوائد والمعلومات التي قد لا نجدها في مصادرها المتخصِّصة، والآخَر يتجلى في التحقيق، سواء تعلق الأمر بتحقيق كتب مخطوطة أو بتحقيق وثائق وهو أمر في غاية الصعوبة)، وللإجابة عن بعض الأسئلة، وسُلمت للمتدخِّلين شهادات المشاركة، وللدكتور مصطفى بنعلة هدية رمزية من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة.
Aucun commentaire