أليست تربية الدجاج أشرف من تأجير الأقلام؟ !
على الرغم من كم الانتقادات اللاذعة، التي ظلت تلاحقه بشدة حول بعض كتاباته المنفلتة والمنحازة، يأبى المدعو « بوعشرين » مدير نشر جريدة يومية مغربية، إلا أن يستمر في تسخير قلمه لمناصرة رئيس الحكومة ابن كيران وتلميع صورته، تارة بالنفخ في قراراته و »منجزاته »، وجعله أنظف ما جادت به السماء من زعماء في إدارة الشأن العام، وأخرى بمهاجمة خصومه السياسيين في المعارضة، وتحويلهم إلى مجرد كائنات « ممسوخة »، تسعى إلى عرقلة مسيرته الإصلاحية.
ذلك أنه، لم يتردد في تقديم هدية مسمومة إلى « إلياس العمري »، مباشرة بعد مرور يومين فقط على انتخابه أمينا عاما لحزب « الأصالة والمعاصرة »، من خلال عنوان افتتاحية جريدته ليوم الثلاثاء 26 يناير 2016: « ماذا بعد وصول ابن مربية الدجاج إلى قيادة البام؟ »، الذي أراد من ورائه بلا شك إرضاء زعيم « البيلدوزير » الإسلامي، كما يحلو له تسمية حزب « العدالة والتنمية »، غير مبال بوقعه على قلوب الأمهات المغربيات ولا بأخلاقيات المهنة، علما أنه كان من الممكن الاكتفاء باستخدام اسم المعني بالأمر، دون اللجوء إلى تلك « الكناية » (ابن مربية الدجاج)، التي أظهرت بوضوح سوء نيته، في تبخيس حدث انتخاب القائد الجديد ل »الجرار » والتنقيص من شخصيته، مما أثار موجة سخط عارمة على صفحات المواقع الاجتماعية، وخارجها في البيوت والمقاهي…
رب قائل بأن الرجل اعتذر وانتهى الأمر، وأنه لم يكن يقصد الإساءة إلى شخص « العمري »، مادام أن هذا الأخير استعمل دون مركب نقص نفس الكناية « ابن مربية الدجاج » في حوارات صحفية سابقة، بيد أنه شتان بين السياقات الواردة فيها، فإذا كان المعني بها يقصد التفاخر بانتمائه الاجتماعي وعدم التنكر لجذوره، متباهيا بعظمة والدته في تحديها ظروف الفقر القاسية لتحسن تربيته وتصنع منه سياسيا قويا، وبين التوظيف السيء ل »بوعشرين »… إذ كان الأمر سيبدو طبيعيا، لو أن العمري اشتهر بها بين الناس، أو أنها صدرت عن شخص يتلمس طريق الكتابة في الصحف والمواقع الإلكترونية، أما أن تأتي من « صحافي » خبر الدروب الوعرة للمهنة طويلا ويدير جريدة يومية، فهذا ما لا يمكن قبوله.
ولأن حزب « الأصالة والمعاصرة » يعتبر حاليا أقوى المنافسين للحزب الحاكم، حيث يتنازعان معا شرعية تصدر المشهد السياسي ويستعدان لخوض غمار معركة تشريعيات 2016، وأن المتربع الجديد على عرشه يقض مضجع رئيس الحكومة، الذي لا يترك فرصة تمر دون توجيه قذائفه النارية له حتى وهو في الظل، واصفا إياه ب »كبير البانضية » ذي الثروة المجهولة المصدر… فقد رد عليه العمري مباشرة بعد ظهوره إلى العلن بالقول: « جئنا لمواجهة الإسلاميين »، وهو ما لم يستسغه « المحامي الشاطر » الذي نذر نفسه للدفاع عن « الزعيم الإسلامي » مقابل ضمان تدفق إشهار المؤسسات العمومية وأشياء أخرى، واستعان بقلمه المأجور في إفراغ « معدته »، معتبرا أن الانتخابات مرت خارج الأعراف الديمقراطية بطريقة « الوزيعة »، وأن القائد الجديد ليس سوى « ابن مربية دجاج » !
لقد أساء « بوعشرين » التقدير، بإقحامه والدة فاعل سياسي في صراعات سياسية لا تهمها، واستعماله كلاما أدانه عديد المتتبعين للشأن السياسي وغيرهم، واعتبروه خارجا عن دائرة اللباقة الأدبية، بل أضر بكل الأمهات المغربيات، التي ناضلن في سبيل إيصال أبنائهن إلى أعلى المراتب، ناسيا أن العيب ليس في امتهان المرأة حرفا بسيطة من قبيل: تربية الدجاج، بيع الخضر، تنظيف البيوت وحراسة السيارات… مادامت تسعى إلى ضمان لقمة عيش نظيفة وشريفة لأبنائها، فالعيب في بيع الضمير أو الجسد أو تأجير القلم… وكان عليه أن يعلم، بأن الفقر لم يكن يوما محددا أساسيا في الترشيح لشغل المناصب العليا، في الإدارات العمومية والقطاع الخاص، وأنه إذا ما تفحص ملفات كبار الشخصيات في الحكومة والتعليم والصحة والقضاء والأمن… سيجد من بين أصحابها من كان ينتمي إلى أسر عانت عقودا طويلة من الفاقة والهشاشة. ثم، هل من الديمقراطية في شيء، التمييز بين أبناء الطبقات الاجتماعية في تقلد المسؤوليات الإدارية والسياسية والنقابية…؟
فالكتابة الصحافية ممارسة إنسانية، ذات توجهات فكرية راقية، تسمو عن التفاهات، وترفض المتاجرة والانحياز والابتزاز… وغالبا ما يعود تأجير القلم لتلميع « الأحذية » ولفت انتباه الرأي العام عن أحداث هامة أو افتعال صراعات وهمية وتزييف حقائق معينة، إلى غياب النضج وضعف التحصين الأخلاقي لدى الصحافي، الذي يوجد على استعداد دائم لتقديم الخدمات المدفوعة الأجر، وتحويل الكلمة الصادقة بالزائفة والمصلحة العامة بالذاتية، لا يخشى في ذلك لومة لائم ولا وخز الضمير…
والصحافة الحرة والنزيهة، مهنة سامية تتعارض مع المنطق الانتهازي، وتقتضي الكشف عن بؤر الفساد وفضح رموزه، واقتحام الصعاب للوصول إلى المعلومة المفيدة، التي من شأنها تنوير الرأي العام والارتقاء بمستوى المجتمع وأفراده، وليس اقتحام البيوت والحياة الخاصة للأشخاص بهدف تلويث سمعتهم لفائدة خصومهم. فالانتقاد وليس التجريح، ينبغي أن يوجه إلى المسؤولين على تدبير الشأن العام، متى دعت الضرورة إلى ذلك، وكان الغرض منه التنبيه لمكامن الخلل وتقويم الاعوجاجات، باعتبار الصحافة سلطة رابعة، بدل الاندفاع الأعمى وراء الامتيازات الشخصية…
« بوعشرين » يدرك أن السياسة عالم محفوف بالمخاطر، وأن ابن كيران راحل لا محالة في إطار الديمقراطية وتداول السلطة، وسيأتي غيره ويرحل بدوره، ووحده الوطن يبقى شامخا في وجه التقلبات. لكن ما يغيب عن ذهنه، أن اعتذاراته المتكررة لن تعيد له الاحترام المفقود، ولن يفيده تأجير قلمه عدا في حفر قبره وإنهاء حياته الإعلامية.
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire