التوجيه التربوي والعوامل المشوشة على القرارات
التوجيه التربوي والعوامل المشوشة على القرارات
بقلم: نهاري امبارك؛
يجمع المتتبعون للشأن التربوي أن عوامل كثيرة ومتنوعة تحد من نجاعة وفعالية منظومة التوجيه التربوي، ما يؤدي إلى افتقاد قرارات التوجيه التربوي الصادرة عن مختلف أطراف العملية التربوية للموضوعية، حيث تخضع لعدة عوامل تؤثر سلبا في مختلف الوضعيات، وتجانب الصواب في كثير من الحالات.
فإذا كانت قرارات التوجيه التربوي تعد تتويجا لعمل مضن ومتواصل خدمة للصالح العام، وإذا كان التلاميذ والطلبة يجدون أنفسهم أمام تمثلات اجتماعية وثقافية، وأمام مخططات ضاغطة لاتخاذ قرارات التوجيه، يكتشفونها، خلال مساراتهم الدراسية والتكوينية، عقبات تحول دون متابعتهم دراستهم أو تكوينهم، فيفشلون، ثم يقصون من سجلات الدراسة والتكوين، ويترتب على ذلك هدر للجهود والموارد المادية والبشرية، وتخطئ التنمية الاجتماعية والاقتصادية موعدها، فتهدر أموال وطاقات، فكيف يتم اتخاذ قرارات التوجيه؟ وما هي العوامل المشوشة على هذه القرارات؟ وأي السبل لإرساء توجيه موضوعي وفعال؟
استنادا إلى واقع التوجيه التربوي، والقرارات المتخذة من طرف التلاميذ وأولياء أمورهم، سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة الفرعية التي تؤطر إشكالية عدم جدوى التلاميذ ولامبالاتهم بمضامين خدمات المساعدة التربوية والمدرسية التي يقدمها لهم أطر التوجيه التربوي، متجاهلينها ومتخذين قرارات قد تتعارض وواقع خصوصياتهم الشخصية، وذلك من خلال الفقرات التالية:
I. خدمات التوجيه والقرارات المتخذة:
يسهر أطر التوجيه التربوي، كل من موقعه وفي حدود الإمكان ماديا وبشريا، على تمكين التلاميذ وأولياء أمورهم من مجموعة من الخدمات تتجلى في قيامهم بالمهام الموكولة إليهم، التي تتوزع بين معرفة التلاميذ وتزويدهم بمعلومات حول ذواتهم ومحيطهم المدرسي والمهني والجامعي، واستقبال أولياء أمورهم، باعتماد مختلف الوسائل المتوفرة الورقية والإلكترونية واللقاءات الفردية والجماعية والمنتديات والأبواب المفتوحة، فيتعرف التلاميذ، كل حسب وضعه، على مؤهلاتهم الشخصية وقدراتهم المعرفية والجسمية، كما يتعرفون على الشعب الدراسية والمهنية والآفاق المستقبلية في حدود المتوفر والمتواجد ومن خلال الوثائق الرسمية، خصوصا منها المذكرات والدلائل الصادرة عن الجهات الرسمية.
II. اختلالات تطال قرارات التوجيه التربوي:
انطلاقا من واقع منظومة التوجيه التربوي، والصعوبات والعراقيل التي تطال مختلف المهام والعمليات والأنشطة، فإن اختلالات كثيرة تسم منظومة التوجيه التربوي، وعلى عدة أصعدة نعرضها في ما يلي:
1. ما يتصل بالتلميذ:
تعتبر معرفة التلميذ وتعريفه بذاته من أشد المهام تعقيدا، سواء تعلق الأمر بالجوانب النفسية أو الاجتماعية أو التربوية، لعدم موثوقية المعلومات المتوفرة والمطلوب منه الإدلاء بها من خلال مقابلة فردية أو استمارة أو ملف مدرسي؛
1)
2)
a.
i.
1.
a.
i.
1.
2. ما يتصل بأمهات وآباء وأولياء التلاميذ:
تعتبر اتصالات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالإدارة التربوية أو بالمستشار في التوجيه التربوي نادرة ومحدودة جدا، إلا بمناسبات غياب أبنائهم أو خرقهم القانون الداخلي للمؤسسة، أو بمناسبة بعض الاستشارات حول التوجيه وإعادة التوجيه و »الاستعطاف »؛
3. ما يتصل بالأساتذة:
حيث تطال عملية التقييم التربوي عدة اختلالات، سواء على صعيد صياغة الأسئلة الاختبارية أو التمرير أو التصحيح لعدة عوامل، وحيث محدودية مساهمة الأساتذة في مجالس التوجيه لعدم معرفتهم التلاميذ، فإن مبادراتهم في قرارات التوجيه غير فعالة وتتسم بكثير من الارتجال، مبررين ذلك بالحسم المسبق، في نظرهم، في القرار، جراء تشبث التلاميذ وأولياء أمورهم برغباتهم، ونظرا لمحدودية وعاء الاختيار في جميع عتبات التوجيه؛
4. ما يتصل بالمستشار في التوجيه التربوي:
لنفس الأسباب والعوامل، فالمستشار في التوجيه التربوي لا يتوفر على معلومات دقيقة حول التلميذ، يمكن استغلالها في مساعدته (التلميذ) على معرفة خصوصياته الشخصية ومعرفة توجهاته وميولاته وقدراته ومؤهلاته المعرفية والجسمية، وعليه فتدخلات المستشار في التوجيه تبقى محدودة، ولا ترقى إلى اتخاذ قرار التوجيه، خصوصا في ظل محدودية مبادرة الأطر الإدارية والتربوية؛
5. ما يتصل بعملية الإعلام المدرسي:
إن تأخر الدعائم الإعلامية، وتضارب أو تناقض أو نقص معلوماتها من حيث الآفاق الدراسية والمهنية، وسوق الشغل واستشراف المستقبل، يربك التلاميذ إلى درجة اللامبالاة وعدم استغلالها، خصوصا لما تؤثر فيهم عوامل هامشية، ناتجة عن تدخل الأمهات والآباء من جهة، والأقران والزملاء من جهة أخرى، الذين يقدمون تبريرات وشهادات تثبت وجهات نظرهم؛
III. العوامل المشوشة على قرارات التوجيه:
من المعلوم، وعلى العموم، أن الفرد ينمو ويترعرع بين أحضان أسرته ويتأثر بمحيطه أخذا وعطاء، فيجد نفسه، في كل لحظة داخل دائرة التأثر، وينساق وراء ما هو مشاع وما هو أكثر تداولا، ويتحاشى أن يشكل الاستثناء اجتماعيا وثقافيا. الأمر الذي يلاحظ ويسجل على الصعيد المدرسي، وفي مختلف القضايا داخل المؤسسة التعليمية والفضاءات التربوية. وهكذا يجد التلميذ نفسه تتقاذفه أمواج التعارض والتناقض والحيرة والتردد، فيلتجئ إلى قرار، غالبا، مرتجل، متأثرا بعوامل متعددة، وحسب تمثلات خاصة حول كثير من الشعب الدراسية، تحكمه عناصر محيطه وبيئته الاجتماعية والثقافية، يطبعه التهافت على تخصصات مفضلة اجتماعيا، يتباهى بها التلاميذ وأولياء أمورهم إلى درجة تبخيس شعب ونعتها بأحط الأوصاف والانتقاص من قيمتها العلمية ومنافذها المهنية.
إن التهافت على التخصص العلمي، والتباهي به، في القسم والمدرسة والشارع، أضحى سلوكا مشاعا ومنتشرا في جميع الأوساط الاجتماعية، ولو أن شروطه ومتطلباته غير متوفرة في التلميذ الراغب فيه، يدفعه التنافس والتأثر وتشبث أولياء أمره الجامح، بالطب والهندسة، دون تقدير العواقب المحتملة، ما يؤدي إلى ظاهرة الاكتظاظ واختلال العملية التربوية، وبالتالي تضخم وعاء الهدر المدرسي، وهدر الموارد المادية والبشرية، وما يضرب مبادئ التوجيه التربوي في العمق تنظيما وإنجازا، وما يلحق بمنظومة التوجيه التربوي، من حيث المهام والممارسة والأهداف، جل أسباب الفشل التعليمي والتربوي.
ويعزز هذه المواقع والمواقف التي يتخذها التلاميذ إجراءات وتدابير ومخططات كثيرة ومتنوعة تسترعي اهتمامهم وتشد تشبثهم وتمسكهم بقرارات متعصبة، تتعارض تسعفا، وبكل وضوح، وميولاتهم الشخصية وكذا قدراتهم المعرفية والمهاراتية، مستدلين في ذلك، على أهمية التخصصات العلمية والتقنية من خلال النسب المئوية الرسمية المخصصة لها، وتكاثر المؤسسات التكوينية في هذه المجالات، وتوافر فرص الشغل وتيسير الاندماج المهني، وضمان العيش الرغد والترقي والاجتماعي.
وعليه، واعتبارا لمفعول هذه العوامل المشوشة وتأثيرها على التلاميذ، يجدر بنا رفع التساؤل الجوهري التالي: كيف يمكن إرساء خدمات توجيه تربوي تحقق فعلا الأهداف الطبيعية والحقيقية المنتظرة منها؟
IV. إرساء توجيه موضوعي وفعال:
· تكوين مستشارين في التوجيه التربوي ذوي تخصصات في علم النفس وعلم الاجتماع، ومتمكنين من تقنيات التدريب والمؤازرة النفسية؛
· تعيين مستشار في التوجيه التربوي واحد بكل مؤسسة ثانوية، وكذا تعيين مساعد(ة) له؛
· تعميم فضاءات الإعلام والمساعدة على التوجيه بجميع المؤسسات الثانوية وتجهيزها بالأدوات والوسائل الضرورية، وربطها بشبكة الأنترنيت؛
· تشكيل فريق سيكوبيداغوجي متكامل يضم، إضافة إلى المستشار في التوجيه التربوي، أطرا تربوية وإدارية، وأخصائيين في الصحة المدرسية وعلم النفس وعلم الاجتماع؛
· إحداث البوابة الوطنية للإعلام والمساعدة على التوجيه وتطوير مهامها وأدوارها؛
· إلغاء النسب المئوية المحددة مسبقا للتخصصات العلمية والتقنية والمهنية، وإرساء مبدأ التوجيه المعتمد على الميولات والاستعدادات الشخصية والمؤهلات والقدرات المعرفية والمهاراتية؛
· اعتماد روائز متخصصة وتطويرها والارتقاء بفعاليتها موازاة مع منظومة التربية والتكوين؛
· إرساء منظومة للتقييم التربوي فعالة وناجعة، مع العمل على التصدي لكل الخروقات والاختلالات، خصوصا على مستوى المراقبة المستمرة؛
· رفع قيمة التخصصات الأدبية كما وكيفا، مدرسيا ومهنا، وإشاعة ثقافة تداول المهن المؤدية إليها هذه التخصصات في مختلف المجالات والقطاعات؛
· تنظيم لقاءات وندوات تأطيرية وتوعوية لفائدة أمهات وآباء وأولياء التلاميذ حول أخذهم بالاعتبار ميولات وقدرات أبائهم، وليس الانسياق وراء تأثيرات المحيط المدرسي والمهني والاجتماعي والثقافي؛
· تحقيق مبدأ المدرسة الوطنية الموحدة، فلسفة ومرتكزات وثوابت وبرامج ومناهج ومقررات دراسية وكتبا مدرسية؛
· ضمان وتحقيق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص التعليمية والمهنية، تعليما عموميا وخصوصيا، حضريا وقرويا؛
· إصلاح حال المجتمع بالتصدي لظواهر الأمية والبطالة وكل مظاهر التخلف؛
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس. في 09 فبراير 2015.
Aucun commentaire