الطائرة الجزائرية:العلبة سوداء والذئاب كذلك
الطائرة الجزائرية:العلبة سوداء والذئاب كذلك
رمضان مصباح الإدريسي
رحم الله صرعى الطائرة الجزائرية المنكوبة في جغرافية منكوبة بدورها.
طبعا من غير اللائق المبادرة بالكلام في الموضوع-خارج العزاء الواجب للأسر والدول- قبل خبراء الجهات المعنية،وعلى رأسها الجزائر وفرنسا؛الذين شدوا الرحال الى المهوى السحيق في بيداء « لم يعرف بها ساكن رسما ».
لكن للنكبة الشمطاء ملامح يمكن قراءتها من الآن:
ففي حوار تلفزيوني فرنسي –France 5- أجمع خبراء الطيران المشاركون فيه بأن السماء الإفريقية غير مغطاة من طرف شبكات المراقبة الجوية المدنية .إزاء وضعية التسيب الجوي هذه يعمد الربابنة – وهم في الأعالي- إلى ارتجال نوع من التنظيم الاضطراري لمسارات طيرانهم ،اعتمادا على شبكة البث u hf،كوسيلة وحيدة للتواصل في ما بينهم.
وقد أجمع هؤلاء الخبراء على أن هذا النوع من البث سهل الاختراق؛مما يجعل إمكانية تضليل الربابنة مـتأتية للجميع.
وعليه فان قراصنة البحر الصوماليين لا يعدمون،في سماء إفريقيا المستباحة، زملاء لهم يمكن أن يشكلوا مستقبلا خطرا كبيرا على الملاحة الجوية. من يدري فقد نكون ،مع الطائرة الجزائرية،إزاء بداية لسلسلة من المآسي.
إذا تجاوزنا هذا الجانب التقني ،وعزمنا على إجراء مسح جغرافي لمسرح الكارثة فسيكون علينا أن نقنع جماعات عديدة ،شاكية السلاح،شرهة الجيوب،بحسن نيتنا التي لن تتجاوز صلاة الجنازة على الضحايا والحطام،وإخلاء المكان سريعا لقانون البراري والفيافي. سماء سائبة وأرض مستباحة؛لا يحضر فيها الجيش المالي إلا موليا الأدبار.
وماذا عن سياسة المكان؟
مهما اجتهد الانحراف السياسي ،وفقهاء الخروج عن القوانين ،فلن يوفقوا في رسم خريطة جيوسياسية كالتي ماتت فيها الطائرة الجزائرية ،أو قُتلت:
كانت البداية مع الاستعمار الفرنسي الذي عرف –كعادته- كيف يزرع الألغام السياسية التي سيستعيد بها « العز والصولة » بعد أن تحترق الاستقلالات وتتكوم رمادا. لا هو جعل طوارق مالي يزهدون في الانفصال ،ولا هو التزم بوعوده لهم.
بعد عشرات السنين من الهشاشة التنموية والأمنية والاجتماعية ارتسمت خريطة بكل الألوان ،عدا لون الدولة المالية الراسخة :ألوان أزوادية تكاد لا تجتمع على رأي ،ولا على صديق.
وألوان تمتح من سواد القاعدة ،كما رحلت من « طورا بورا » فرارا من المقنبلات B52العملاقة.ورغم توحدها تحت « لااله الا الله.. » الرديئة الكتابة والتمثل،فان حياة البراري،الخلاء والآمنة ،أغرتها بتطويع مفاهيم الجهاد كما حددها بن لادن،وجعلها تشمل المتاجرة في كل موبقات ساحل إفريقي منفلت ،كسمائه .هرع إلى جنتهم أباطرة مخدرات دوليون،تجار الأسلحة ،شبكات التهجير ،لصوص السيارات …و غدا قراصنة السماء.
مع توالي تراكم الثروة الحرام نسوا تماما كل أسمائهم ،وخططهم الجهادية ؛ولم يعد أشرسهم(المختار لعور) يعرف نفسه الا بالمُوقِّع بالدم.كما الضباع والذئاب ،وحاشا الفهود والأسود لأنها لا تقتل إلا جائعة.
وأكملت فرنسا هذه الطبوغرافية الغريبة بعمليات « سرفال » التي أريد لها ألا تتجاوز حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية .ورغم كل آلتها القتالية لم تزد عل تحويل جبال افوغاس إلى طورا بورا أخرى،تمرح فيها الذئاب السوداء على هواها .
أما دول الجوار المباشر ،والقوى الدولية المعنية بالأمن العالمي فلم تزد- إذا كانت لا تبارك- على رصد الحالة السرطانية ,وتسجيل مجمع الإرهاب ضمن لوائح الاستهلاك الإعلامي ،ولوائح الانتظار المفتوحة حتى على تحين الفرص المواتية للاستثمار السياسي و الاقتصادي الأمثل.
رغم الإمكانيات العسكرية الجزائرية الهائلة ،والخبرة الطويلة في مجالدة الإرهاب ،لم تُظهر أي تحمس لاصطياد ذئاب افوغاس؛خصوصا وقد تأكد أنها تعبر كل جنوبها لاصطياد خرفان البوليزاريو.
من أسقط الطائرة؟
عدا ورود أول إخبار عن موقع الحطام من جماعة مسلحة،حسب تصريح رمضان لعمامرة وزير الخارجية الجزائرية ،مضيفا أن كيلومترات معدودة تفصل بين جماعة مسلحة ومسرح « الجريمة »،لا دليل على وقوع أي عمل إرهابي.
وفي نفس الوقت تجميع كل التصريحات ،خصوصا الفرنسية,على أن كل الاحتمالات واردة.
الثابت الآن أن مقاتلات فرنسية تدخلت بسرعة فائقة لتأمين مكان الحطام. في الحوار التلفزيوني المذكور تساءل أحد المشاهدين ،عبر SMS عن احتمال تورط القوات الفرنسية في العملية؛كان الجواب من خبير: لا، آلياتنا متطورة ،وقادرة على التمييز بين الصديق والعدو.
رسميا أُوكل الإشراف على التحقيق الى خبراء من الدرك الفرنسي ،مما فتح باب التعليقات المهاجمة للجزائر باعتبارها صاحبة الطائرة .ويتم التساؤل:هل تساوت الجزائر مع مالي في عدم امتلاك الخبرة في المجال؟
ومهما تكن براءة الجماعات المسلحة،فان كل الشروط توفرت لاتهامها :سبق الإخبار،التوفر على السلاح اللازم،التواجد المسلح قرب المكان،الثأر من فرنسا(بشرط العلم المسبق بجنسيات الركاب)، الثأر من الجزائر لفتح مجالها الجوي للقوات الفرنسية ، ولمجزرة عين أمناس.
ويمكن أن يتعزز صك الاتهام هذا باحتمال استلهام نموذج الطائرة الماليزية التي تأكد استهدافها من طرف الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لروسيا.
لم تكن السماء الإفريقية آمنة في يوم من الأيام ،وهي اليوم أكثر خطرا مادامت الجماعات المسلحة تمتلك أسلحة لا تجوز إلا للدول. الأيام المقبلة حُبلى ،والحذر الحذر ؛وحفظ الله بلدنا وجيراننا من كل مكروه.
وكل العزاء لأسر الضحايا.
ramdanemesbah@yahoo.fr
ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire