المدرسة وإشكالية البحث التربوي والعلمي
قد لا يكون للتعليم أهمية كبرى ، غير تغذية الأسطورة والخرافة أو خلق أوهام وانبهارات ، ومع ذلك يستأنف المتعلمون
طريقهم إلى الفصول الدراسية ، وتنطلق الفروض المدرسية بدون انقطاع . ويبقى السؤال المطروح هو البحث عن
ماهية المعرفة ؟ هل هي شيء لذاته ولمشروعيته الخاصة ؟ أي هل هي ثقافة أو عملية عقلانية خالصة تستغل على
الفور وبمعنى آخر تقنية معينة ؟ السؤال إذن يتعلق بالتربية والتكوين ، لكن عن أي تكوين نتحدث ؟ فإذا كان الأمر مرتبط
بالثقافة ، فأي ثقافة ؟
طرح هذه الأسئلة يعني الذهاب بعيدا في النقاش المتعلق بالفشل الدراسي أو الهدر المدرسي . فسواء تحدثنا عن الوسط
القروي أو الحضري فإنه لا ينبغي أن ننسى محاسبة بعض مسارح الامتحانات التي لا ترهب المتعلمين فحسب بل
تروع حتى الآباء أنفسهم . ذلك أن هذه الامتحانات تركز على جانب واحد ووحيد من جوانب شخصية المتعلم ألا وهو
الذاكرة ، لتبقى المقولتين ( بضاعتنا ردت إلينا ) و ( عند الامتحان يعز المرء أو يهان ) سائدتين إلى يومنا هذا . لينصرف
الأمر إلى القيل والقال عن الغش وتكثيف الحراسة وترهيب المتعلمين بل والزج ببعضهم في السجن أو على الأقل حرمانهم من اجتياز الامتحانات مستقبلا . هكذا يكون التقويم بشتى أنواعه موضوع سؤال عريض ؟ إذ لم يرق بعد إلى مستوى المقاربات الحديثة ، من قبيل الكفايات وبالأخص الوضعية _ المسألة ، هذا إذا افترضنا أن التعلمات تبنى وفق
المقاربة المعتمدة منذ أكثر من عشر سنوات خلت . وهكذا لو تم اعتماد الوضعيات أو دراسة الحالات في صياغة الامتحانات فلن نكون في حاجة إلى تجنيد عدد كبير من أساتذة الحراسة وسنمكن المتعلمين بالاستعانة بما يتوفرون
عليه من كتب ومراجع وبذلك سنكون بصدد تلقين الأبناء مقومات البحث العلمي .
ليست هذه هي الأسئلة الوحيدة التي يمكن طرحها إزاء منظومة التربية والتكوين ، إذ كيف تم تعريب المواد العلمية وما
الاستراتيجية المعتمدة يتساءل العديد من الباحثين التربويين ؟ بحيث أي مهندس أو طبيب أو عالم اقتصاد يراد
تكوينه ولأي مجتمع ؟ لماذا التعليم إذن ؟ هل للتنمية أم لمحاربة الأمية ؟ هذا قياسا بالمدخلات والمخرجات .
لا يمكن اختزال المعرفة في العلم واكتساب معارف محددة متعلقة بمجال معين فحسب بل تحيل إلى مفاهيم أبعد من
ذلك كالمهارة والاندماج وحسن التصرف وآداب السلوك ، معرفة الحكي ، حسن الإصغاء …… يتعلق الأمر إذن
بكفاية تتجاوز تحديد وتطبيق معيار واحد للحقيقة . هذه الكفاية تمتد إلى معايير الفعالية والإنصاف ( العدالة الاجتماعية )
والحكمة الأصيلة .
إن المعرفة لها علاقة وطيدة بالتقليد ، لأنها تجعل معرفة معينة محصورة في مجال معين من مهمات المجتمع . فالرواية
مثلا هي ذلك الشكل بامتياز لتلك المعرفة لأنها تتألف من قصص شعبية تستمد مشروعيتها لذاتها ،وهذا النوع يحدد ثلاث
كفايات تنظم العلاقات في المجتمعات .
الذي يتم تداوله عبر الرواية هو مجموعة القواعد النفعية البراغماتية التي تشكل العلاقات الاجتماعية . والمجتمع هو الذي
يسهر على تحيين رواياته سواء بسردها أو بسماعها . لكن وبهذا الصدد يرى هيكل بأن الرواية هي التي تؤسس لغنى وثراء لغة ما .
إن المعرفة التي يتم سردها بواسطة الرواية لا تفتقر لسلطة خارجية لشرعنتها ، بل تسبغ على نفسها شرعيتها الخاصة .
في السابق كانت رغبة المثاليين الألمان متجسدة في استثمار المعرفة في بعض المؤسسات التجريبية ، ولوحظ أن الفرد
يكون هويته الخاصة باكتسابه المعرفة ، ومن هذا المنطلق كانت هناك ثلاث مبتغيات :
1 – اشتقاق الكل من مبدإ أصلي يتطابق مع الأنشطة العلمية .
2 – الارتباط بالمثالية المتحكمة في التطبيق الأصلي والاجتماعي .
3- مزج هذا المبدأ والمثالية في فكرة تضمن العلاقة بين البحث العلمي وحقائق الغايات السياسية والأخلاقية .المهمة الكبرى للمؤسسات التعليمية هي عرض مجموع المعارف وإظهار المبادئ بموازاة مع أسس المعرفة . بات من الضروري إذن اكتساب الميطا معارف بمعنى التساؤل عن المعرفة أي خلق خطاب علمي ، نظري ، تأملي بهدف تكوين عقل علمي ، وبالتالي ليست المعارف الخاصة والمنتشرة هنا
وهناك هي ما نبحث عل اكتسابه بالدرجة الأولى .
من هذا المنظور فالمعرفة تجد أولا شرعيتها في ذاتها وثانيا هي التي تعكس صورة المجتمع وبالتالي التساؤل الحقيقي ينبغي أن ينصب حول كيفية اكتساب تلك المعارف أيا كان جنسها أدبية أم علمية .
المنظور الآخر هو كانطي أكثر منه هيكلي بحيث لا تثبت معرفة الفرد الذي يحاول التطور في تحيين إمكانياته المعرفية إلا بتوظيف موضوع علمي الذي هو الإنسانية جمعاء . فمبدأ الحركة الذي يعمل على تنشيط المجتمع ليست هي المعرفة في شرعيتها الذاتية ، لكن هي الحركة في تطورها الذاتي . بالنسبة لكانط فإن الموضوع ينمحي أمام النوع الذي يميز السطح المحجوب للطبيعة وبالضبط تحريرها الذاتي بشكل لا تختلط فيه المعرفة بتكوين الموضوع ، بل هي حتمية ينبغي أن تسمح للأخلاقيات والقانون بالوجود وإلا تناقصت حقيقة الاتجاه نحو الخلق والإبداع والابتكار .
يبدو من خلال هذا المنظور أن هناك ترتيب محدد للمعرفة واحترام معيرتها والارتقاء بها من أجل خلق الحرية . هذه المعيرة تموضع المعرفة رهن إشارة تحقيق الحرية في علاقتها بالسطح (الوجه) المحجوب للطبيعة كما تبينه بالنسبة للمستتر والكامن .
من هنا تبدو المعرفة كأنها مجسدة بالنسبة للموضوع ، وهذا لا ولن يتم اختياره كموضوع علمي لكن يمكن اعتباره أساسيا اكثر منه غائية .
تأسيسا على ما سبق فإن للبحث مقوماته الأساسية التي يقتضي الأمر أن تحترم حتى يكتسي صبغته العلمية وإلا لا يعدو أن يكون مجرد إنشاء يعبر عن انطباعات وأحكام ليس إلا .
وفي هذا الإطار فقد وردت على المؤسسات مذكرة نيابية تحث الجميع على إنجاز بحوث تربوية وعلمية ، وإذا كان هذا أمر مستحب والنيابة مشكورة في هذا الباب فإنه بات من الضروري في البداية تكوين المكونات البشرية على أدبيات البحث أو على الأقل تزويدهم بنماذج من البحوث التربوية والعلمية . من هذا المنطلق يتعلق الأمر بتشكيل لجنة إقليمية تهتم بانجاز بحث تربوي يوزع على المؤسسات قصد الاستئناس به .
لعل جوهر البحث هو الإشكالية واختيارها يعتبر أحد المهام الصعبة التي تواجه الباحث وبذلك يمكننا القول إن التعرف على الإشكالية بهدف تحديدها يعتبر شرطا أساسيا لإنجاز أي بحث كان . ولابد من الإشارة أنها تستلزم من الباحث طرح سؤالين أساسيين هما : لماذا ؟ وكيف ؟ وبمعنى آخر لماذا اخترت هذه الإشكالية ؟ وكيف يمكنني إنجازها ؟ ويرى جون ديوي أن السؤال الأول يرتبط أساسا بشعور الباحث بشيء ما يقلقه ويسبب له عدم الارتياح ، أما السؤال الثاني فهو فإنه يطرح ضمنيا المنهج المراد تتبعه في الدراسة .
هذا فضلا عن تفريع الإشكالية بغية طرح فرضيات أو إجابات مؤقتة ، وحسب بيوبول فإن الفرضيات هي حلول مقترحة لمشكلة تم التعبير عنها بشكل عام ، إنها إذن تقريرات تتكون من عناصر تشكل نظاما منسقا من العلاقات ، يحاول تقديم تفسير لم يتم التأكد منه عن طريق التجربة بواسطة تطبيق أدوات العلوم الطبيعية .
ثم بعد ذلك ينبغي تحديد مجموعة من المقومات من قبيل : الدوافع ، الأهمية ، الأهداف ، المفاهيم ، الطبيعة المنهجية ، مجتمع البحث ، عينة البحث ـ وأدوات جمع مادة البحث . بعد ذلك يتبين الإطار النظري للبحث وفيه يتم تبرير الفرضيات انطلاقا من الدراسات السابقة وأخيرا يأتي فصل تحليل وتفسير النتائج بناء على التأكد من تحقق الفرضيات بواسطة الأداة أو الأدوات المطبقة .
خلاصة القول وكما أشرت أعلاه فإنها دعوة محمودة من قبل السيد النائب فقط أملنا هو خلق لجنة إقليمية لتأطير وتتبع البحوث المراد إنجازها
Aucun commentaire